“دمّ الغزال” الذي تفرّق بين الكوارث

إذا كان هناك دليل على قدرة الفن والفنان على تقديم قراءة ثاقبة للظاهرة الإرهابية في مصر، فسيكون هذا الدليل بالتأكيد فيما قدمه الكاتب وحيد حامد من خلال ثلاثة أفلام هامة، أطلقتُ عليها “ثلاثية الإرهاب”، وهي بترتيب الإنتاج والعرض: “الإرهاب والكباب” (الذي عرض في يونيو 1992)، ثم “طيور الظلام” (الذي عرض في أغسطس 1995)، وأخيرا فيلم “دم الغزال” (الذي عرض في سبتمبر 2005).

إذا كان فيلم “الإرهاب والكباب” يرصد توترا وتربصا بين السلطة والناس، يجعل من السهل أن يتحول الضيق الى تمرد، بحثا عن عدالة مفقودة، واستعادة لتوازن ضائع، فإن فيلم “طيور الظلام” يرصد تحالفا عجيبا بين المفسدين والتيارات المتأسلمة الصاعدة، انتظارا  لفرصة يدمر من خلالها هذا التحالف كل شيء، كما يرصد الفيلم تغلغلا للمتأسلمين في كل نواحي المجتمع، بما في ذلك اختراق القضاء، أما فيلم “دم الغزال” فهو يحلل دور الفقر في صعود الإرهاب، وفي كسر البشر، كما أنه يقدم الحصار المر للفيلمين السابقين، هنا يتهشم المجتمع حرفيا، وتنعدم الإختيارات، ويقتل كل ما هو جميل.

في “الإرهاب والكباب” كان البطل موظفا لا يريد سوى أبسط حق من حقوقه، وكان مجمع التحرير هو المعادل لسلطة الدولة، ورأينا نماذج مقهورة كثيرة داخل المكان، وتحدث بطل الحكاية عن الحق الضائع، وعن البحث عن العدل، ولم يكن تواطؤ الكثيرين معه على تحدي سلطة الدولة، بل ورفع السلاح في مواجهة وزير الداخلية شخصيا، إلا عنوانا على غضب مكبوت، يمكن أن يأخذ ألوانا ولافتات بلا حصر.

 أما لحظة خروج الجميع معا لحماية بطل الفيلم، فهو تأكيد على أنه واحد منهم، وأنه عبّر ما بداخلهم، ودليل أيضا على أن الناس تستطيع معا أن تفعل كل شيء، وأن تحمي من تريد.

 كانت رسالة قوية للغاية، لا أعتقد أن السلطة قد استوعبت شيئا منها، وإنما أرادت بعرض الفيلم تفريغ الغضب المكبوت، وربما التأكيد على أنها أبعد ما تكون عن الديكتاتورية، وأنها تحترم الرأي الآخر.

وفي فيلم “طيور الظلام” يدهشنا أن ما قدمه الفيلم تحقق حرفيا فيما بعد.

إنه يتحدث على فصيلين هما: المفسدون فى السلطة والتيارات المتأسلم،  لدينا ثلاثة أصدقاء، كل واحد منهم يجسد تيارا معينا:  فتحي نوفل،  وهو المحامى الفاسد الذي يصبح مستشارا لوزير ونائب في البرلمان وبالتالى يصبح فتحي ممثلا  للعقل الذى يدير الفساد الحكومي، وهناك علي الزناتي، وهو يمثل العقل القانونى الذي يدير التيار المتأسلم، منتهزا الفرصة للإنقضاض، أما الصديق الثالث محسن، فهو أقرب ما يكون الى قوى اليسار التي أصبحت حرفيا مهمشة وعلى المقهى وخارج التأثير، صحيح أن وحيد يراها قوى نزيهة احتفظت بقيمها ومثلها، ولكنها أيضا قوى غير مؤثرة على الإطلاق.


الصراع سينحصر إذن بين نوفل والزناتي، والفكرة  التي طرحها وحيد حامد لامعة جدا، إنه يرى أن كل طرف مستفيد بشكل ما من وجود الطرف الآخر، وكل طرف يستغل الثغرات القانونية لكى يحقق ما يريد، لو تأملت قليلا لاكتشفت صدق هذا التحليل الذى طُرح فى وقت مبكر جدا من خلال الفيلم) منتصف التسعينات تقريبا: (النظام الفاسد كان مستفيدا من وجود المتأسلمين، واستخدمهم فزاعة لأن سقوطه سيؤدى الى وصول المتأسلمين الى السلطة ، وقد تحقق ذلك بعد ثورة يناير، والتيار المتاسلم كان مستفيدا من استمرار فساد النظام، لأن ذلك سيحرض على الثورة، وسيطرح المتأسلمين كبديل نظيف فى السلطة، على الأقل لن يسرقوا الشعب كما قالوا في  دعايتهم ، وتحقق ذلك أيضا حرفيا بعد ثورة يناير ، بينما بقى تيار محسن كالأيتام على مائدة اللئام، وهو ما تحقق كذلك حرفيا بعد ثورة يناير بل لقد اكتشفنا أن اليسار لم يعد له وجود فى معاقله التقليدية كالمصانع والجامعات والنقابات التي استولى عليها المتأسلمون.

معنى كل ذلك أن الخلاص من طيور الظلام المفسدين أدخلنا فى دائرة طيور الظلام المتأسلمين، ظل الصراع بين القوى القديمة دون تغيير، لعبة مشتركة يتبادل كل طرف فيها الأدوار، بل وقد يشتركان أحيانا في تسديد الكرة تجاه الشعب كما فى مشهد النهاية الشهير.
 
يغنى الأصدقاء الثلاثة معا : “يا واش يا واش يا مرجيحة .. ما تخضهاش يا مرجيحة .. هيلا هيلا هوبا .. هيلا هيلا هويا ” .. وهوبا أطاحت ثورة  يناير بفتحي نوفل، فجاء علي الزناتي، ولا عزاء لكل محسن.

دراما متماسكة

فيلم “دم الغزال” لا يقل أهمية ولا قدرة على تحليل الظاهرة الإرهابية، من خلال دراما متماسكة، الفيلم تدور أحداثه في منتصف التسعينيات من القرن العشرين، وأحد خطوطه الأساسية ، وأعني به وجود ما يسمى جمهورية إمبابة، التي يديرها أمير كان يعمل بالأساس طبالا، هذا الخط مستلهم من حكاية واقعية من غرائب هذا الزمن.

فقد فوجيء الناس ذات يوم بحملة أمنية ضخمة، اقتحمت منطقة البصراوي في إمبابة، وألقت القبض على جابر الطبال، الذي جعل من نفسه أميرا لجماعة متطرفة، بعد أن تاب وترك مهنته، وظهرت صور للمكان مثيرة للرثاء، من حيث الفقر وانعدام الخدمات، وكان وجه الغرابة أن الأمن كان يعرف بوجود جابر الأمير الطبال منذ فترة طويلة، ولكنه تحرك أخيرا عندما زادت الأمور عن حدها، أو ربما لخروج جابر على الخطوط الحمراء.

شخصية رضا ريشة التي لعبها محمود عبد المغني إذن شخصية لها أساس واقعي، ولكنها اندمجت في بناء الفيلم المدهش، الذي لا يجعل جابر محور الحكاية، وإنما يجعل من  حنان، الفتاة الجميلة اليتيمة سيئة الحظ ، أصل القصة، ومضمون المأساة.

 هي تقريبا الشيء الجميل الوحيد في المنطقة، ست البنات التي تحاول أن تخرج من مستنقع الفوضى والإرهاب، ولكن المأساة تقتلها في النهاية، الكل يهتم بها على طريقته، ولكن كوارث المنطقة أقوى وأكبر، وهكذا يتفرق دم الغزال على الجميع، وزجاج الشاشة الذي تهشم في نهاية فيلم “الإرهاب والكباب”، يتحول في نهاية “دم الغزال” الى دماء حمراء قانية.

“دم الغزال” بهذا المعنى هو التطور الطبيعي لشرخ قديم بين الناس والسلطة، ولتمكن التيارات المتأسلمة، مستغلة حالة الفقر والتهميش وانعدام الخدمات في المناطق العشوائية، ونهاية حنان الدامية تبدو كما لو كانت قدرا حتميا، فلا نجاة أبدا من هذا الحصار الكئيب، رغم خروج حنان فعليا من المكان، ورغم أنها كان يمكن أن تنفد بجلدها بعد أن تبنتها المرأة الثرية نادية صفوان.

لكن إمبابة الممزقة بين الفقر والإرهاب، والمهمشة، بحيث لا يظهر فيها الأمن إلا عند الضرورة، تعيد حنان إليها، ولن نعرف أبدا مصدر الرصاصة التي قتلتها، هل هي من الإرهابيين أم من الشرطة؟ الكل اشترك في قتلها، بعد أن تعذبت وهي على قيد الحياة، كانت ترفض أيضا عطف وشفقة عم عبد الستار وجابر عميش، صديقا والدها، اللذان حاولا أن يحققا وصيته، بالستر والصيانة لست البنات، ولكن الواقع شديد القسوة، هما أنفسهما فقراء يكافحان الطروف، وفي الحياة الواقعية لا يمكن أبدا أن تتزوج  ست الحسن من الشاطر حسن.، على حد تعبير عم عبد الستار.

خلل اجتماعي

الكل حول حنان ولكنها لن تنجو، لأن الخلل ضرب المجتمع نفسه، في إمبابة يتنافس على حبها النقاش سعيد، والهجام عاطف، والطبال رضا ريشة، الأول حشاش يقبضون عليه يوم زواجه منها، بوشاية من عاطف الهجام، والثاني يدخل في صراع عنيف مع ريشة قبل وبعد انضمام الأخير للمتاسلمين، والثالث يصبح أميرا للجماعة، يستغلهم في تحقيق أهدافه الشخصية ، وفي الإنتقام من الجميع، ويستغلونه في تدعيم نفوذهم، وفي فرض سطوتهم.

حنان لا تريد عطفا ولا شفقة، تريد وظيفة وخروجا من الحجيم، وتريد أن تكسر حظها السيء، وقدرها المقدور، وفرصتها مع نادية صفوان تنجح الى حد كبير، نادية لها ماض فقير وغير نظيف، ولكنها حصلت على ثروة من أحد عشاقها، وجدت خاتم سليمان الذي كانت تبحث عنه حنان، ولكن نادية تعيش مأساة إبعاد ابنها عنها، وشراسة زوجها السابق، القادم فيما يبدو أيضا من القاع، في أعلى السلم فوضى أيضا، صعود عشوائي في القمة، وعشوائية كاملة في القاع.

في فيلم “ميرامار” كانت زهرة في قلب صراع مماثل، ولكن الذين كانوا يتنافسون عليها من الموظفين أو من الأعيان، وكان يرعاها صحفي عجوز يتمنى لها السلامة، أما في “دم الغزال”، فقد وقعت حنان في حارتها بين حشاش وهجام وطبال، وشقيقها سجن في قضية إرهابية، وعم عبده أو عبد الستار، بديل الأب، استجدى وألح حتى وجد لها عملا، أما جابر عميش فيبدو أنه يراها بعين عاشق حقيقي، وهو يرفض دوما أن تتزوج من هؤلاء الرجال التعساء، يراها نور الحياة وبهجتها، ويتذكرها في لحظاته الأخيرة: “هيّة اللى الشمس كانت ما تشرقش إلا لما تفتح شباكها وتطل منه، وكان دايما نورها يسبق نور الشمس”.

المواطن العشوائي

عميش  هو المواطن العشوائي الباحث عن رزقه بابتكار حوادث عشوائية، يدعي الإصابة، ويحصل على تعويض، ويزعم أن لديه أملاكا في قريته، يربّي الحمام، ويقنع بمتعة مجانية مع جارته اللعوب، لا يستطيع إنقاذ نفسه، ولا الحمام، ولا حنان، لا أهل ولا عائلة، واحد من آلاف الناس المهمشين، لا يخاف من ريشة، ويسخر منه، ويشاركه عم عبده السخرية، ولكنهما لا يستطيعان تغيير أي شيء، هما رجلان في حالهما تماما.

كانت عند حنان فرصة إضافية، مدرب اللياقة الشاب الذي أعجبت به، وحكت له عن أحلامها، ولكنه شخصية عملية، الحب ترف لشاب لا يملك إلا مؤهلا في التربية الرياضية، لن يتردد في اقتناص فرصة سفر لمرافقة أحد الأمراء، لن يستطيع أن يتحمل مسؤولية حنان، الحياة صعبة على الغلابة.

يلفت أنظارنا أن السلطة لا تظهر إلا عندما يتحول هؤلاء المهمشون الى كائنات خطرة، قد تتحرك إذا ما استدعيت، مثلما حدث عند اقتحام فرح حنان في أول الفيلم، ولكن ما يزعجها حقا هو أن تنفجر تلك المناطق، فيخرج منها من يحمل السلاح، هنا تبدأ المطاردة، ومثلما أفسد الأمن فرح حنان، فإنه سيستخدم حنان طعما لاستدراج رضا ريشة، الكل يستخدم حنان، هي نفسها تقول لعم عبده إنها ترفض أن يراها بديلة لابنته التي ماتت، وتقول لجابر عميش إنها ليست لعبة يلهو بها مثل الحمام الذي يربيه.

حنان كانت ضحية للفقر ولسوء الحظ وللفوضى والعشوائية في كل مكان، الفقر يفرز إرهابا، والقنبلة لا تشغل بال الدولة طالما أنها بعيدة ولم تنفجر، والغلابة خارج الصورة، أرقام وأجساد فحسب، يقول عميش إنه لا اسم له، ولا هوية، وعندما يصرخ عم عبده مناديا عميش وباحثا عنه، يقطع المخرج محمد ياسين والمونتير معتز الكاتب على صورة لمئات المصريين في الشارع، فكأن عميشة يمثل الكثيرين، هو الإنسان العادي الذي يتحايل على الرزق، والذي لن يذكره أحد، لأن العجلة تدور والحياة مستمرة، واللافت فعلا أن مهنة عميش باختراع حوادث، والحصول على تعويض، ظهرت أيضا في فيلم سابق بعنوان”فارس المدينة” من إخراج محمد خان، ولعب شخصية صاحب هذه المهنة العجيبة الممثل القدير الراحل حسن حسني.

قلب الجحيم

الجزء الأخير من ثلاثية الإرهاب مروّع ومفزع حقا، ليس فقط بسبب قتل أجمل من في الحكاية، ولكن أيضا بوصف قاع المجتمع باعتباره جحيما كاملا: فقر ومخدرات وبلطجة وإرهاب وخوف وموت مجاني، نرى نماذج أخرى بائسة مثل الراقصة بدرية التي تعود الى قريتها بعد أن منعها الأمير ريشة من الرقص، ومثل جارسون المقهى الذي ينفذ صاغرا أوامر رئيس جمهورية إمبابة، حياة لا يمكن أن تفرز إلا شقاء، وفوضى لا يمكن السيطرة عليهما، وعندما نشاهد الحمام مذعورا  يحلّق هائما بعد غياب عميش، وعندما نشاهد ريشة وحيدا فوق كوبري على النيل في آخر لقطة من الفيلم، نعرف أن القادم أسوأ، ماتت الجميلة، وظل الشرس على قيد الحياة، وخلفه سيوف وذقون.

قدم محمد ياسين مستوى رفيعا كمخرج يعرف كيف يوظف كل عناصر فيلمه، إيقاع الفيلم مشدود متوتر مثل أحداثه، والإنتقالات بين امبابة ومنزل نادية والنادي الصحي الذي تمتلكه كانت سلسلة ومتقنة، تكوينات كثيرة ممتازة وذكية، مثل لقطة لقطعة الحشيش في مقدمة الكادر، بينما تقبع حنان في عمق الكادر، وكأن العالم القبيح يلتهم الفتاة الجميلة، وبينما قدم مدير التصوير محسن أحمد صورة لامعة مصقولة ومنيرة في مشاهد صالة الرياضة، أو في الفندق، فإن صورة الحارة ، خاصة في مشاهد الليل، كانت أٌقرب الى الكهوف المظلمة، ولا شك أن عنصرا أساسيا من نجاح الفيلم يرجع الى ديكورات عادل المغربي للحارة البائسة، والتي تتقارب فيها البيوت، وكأنها تتساند على بعضها البعض.

الملابس لم تكن مجرد استكمال للصورة، ولكنها تعبرعن هوية كل شخصية، وعن تغير حياتها إذا حدث ذلك التغير.

مظهر حنان في جلبابها القديم، والمظهر الجديد لها، وملابس نادية المتنوعة، وبدلة عميش غير المهندمة، وملابس عاطف المتنافرة، كل تفصيلة قدمتها ناهد نصر الله في اختيار الملابس تشهد ببراعتها وفهمها لطبيعة لكل دور، واستيعابها للدراما عموما.

 أما موسيقى عمر خيرت فقد ترجمت الحكاية بجمل مثيرة للشجن، بالذات  عندما استخدام الدفوف والقانون، وكأن حيرت يذكرنا بأن الحكاية مصرية صميمة، هنا والآن، وهي قصة عن أعمق ما في حياة مصر والمصراوية.

اختيار أبطال الفيم كان ممتازا: منى زكي في صورتها الملائكية، وفي بريق عينيها اللامع، وفي مرحها العذب، وحيويتها المذهلة، هي حقا حنان بكل واقعيتها ورمزيتها ، ودورها في الفيم من  أفضل أدوارها السينمائية.

صلاح عبد الله في دور عم عبده، ونور الشريف في دور جابر عميش، كانا مركزين لثقل الفيلم، مشاهدهما المشتركة، وفهم كل واحد منهما لدوره، منحا الدراما حيوية بالغة، حتى عندما كانا يغيبا عن الظهور، كنا نرى ظلالهما وأثرهما، حاولا أن ينفّذا وصية والد حنان الراحل، ولكنهما لم ينجحا، ونشك أيضا في أن ينجح الأب لو كان على قيد الحياة، في ستر ابنته أو صيانتها، وسط  كل هذه الكوارث.

يسرا في دور نادية صفوان، وعبد العزيز مخيون في دور قصير لزوجها السابق الشرس/ رسما ملامح طبقة وزمن قادم، نادية تمتلك قلبا رقيقا رغم مظهرها المتعالي، وأسلوبها الفظ، عبرت يسرا ببراعة عن شخصية رمادية مليئة بالتناقضات، لديها مأساة حقيقية، بينما تبدو عنوانا للراحة وللبهجة.

الثنائي عمرو واكد في دورعاطف الهجام، ومحمود عبد المغني في دور ريشة الطبال، قدما دورين من أبرز أدوارهما في السينما، مشهد انتقام عاطف من ريشة بضربه، ومشهد انتقام ريشة من عاطف بقطع يده، صنعا نموذجا قويا للشراسة التي يمكن أن يصنعها الجهل والفقر، بدرية الراقصة أيضا بأداء صفوة، لها وجه سعيد ومرح، ووجه بائس وفقير، قدمتهما صفوة باتقان وبراعة.

رجال الشرطة عمرو عبد الجليل وصبري فواز وسامي مغاوري، ثلاثة وجوه للأمن، تهتم بالحضور، واستكمال الإجراءات، أكثر من اهتمامها بالنتائج، عمليات امبابة أفسدت فرح حنان في أول مشهد، وقتلتها في آخر مشهد، لم تقتل الأمير ريشة، ولا حتى قبضت عليه، ولم تقض لا على الإرهاب، ولا على المخدرات، لم يعد باقيا سوى أن يموت الحمام، وأن يدمر القبح أوكاره فوق الأسطح الفقيرة.

“دم الغزال” يحول الهمسة الى صرخة، ويتحدث عن بلدين لا علاقة بينهما ولا تشابه: مصر الأغنياء و مصر الفقراء، حياة عشوائية من أعلى ومن أسفل، بيئة نموذجية للعنف وللقتل باسم الدين، ومواطنون متفرجون يعيشون يوما بيوم، مهمشون ولامبالون.

جميلة لم تفز بالشاطر حسن، بل لم تجده أصلا، لا أثر له بين حشاش وهجام وطبال ومدرب لياقة يريد تكوين نفسه.

ثم تغيب حنان، فتنذر شمس الوطن بالمغيب.


Visited 61 times, 1 visit(s) today