خالد يوسف منزوع البهارات في فيلمه الجديد “كارما”
في إحدى ورشات النقد كان هناك ناقد شاب شهير يدرس لنا الأنواع المختلفة للأفلام ما بين أكشن كوميدي ورومانسي.. الخ وسأل أحد المشاركين الناقد عن التصنيف الصحيح لفيلم مصري ما فقال له الناقد بكل صراحة “ده يتصنف تحت بند المصيبة”. تذكرت هذه الجملة وأنا أشاهد فيلم “كارما” لخالد يوسف.
أفلام خالد يوسف السابقة
يميل خالد يوسف إلي الطابع الميلودرامي في أفلامه، فقصص أفلامه تزخر بالحوادث المثيرة وأداء الممثلين يتسم بالمبالغة، خاصة المشاهد الحزينة حيث يتم اطالتها والتركيز عليها إلي أقصى حد رغبة في الحصول على دموع المشاهد وإثاره عطفه. لكن رغم هذه العيوب، كان لخالد يوسف سمة مميزة في أعماله وهي الجرأة في التناول السياسي للموضوعات التي يؤمن بها، والتعبير عنها بطريقة مباشرة وواضحة.
ورغم أن المباشرة في التناول تضعف العمل الفني بشكل عام، فأن مباشرة خالد يوسف صنعت نجوميته، وجعلت وجهه مألوفا للمشاهد العادي، وأصبحت أفلامه تحظى باقبال قطاع عريض بسبب المخرج وليس الممثل. فتم التعامل مع أفلام خالد يوسف كمنشور سياسي ضد القهر والاستبداد، فأصبحت أغنية “موش باقي مني” في فيلمه “دكان شحاتة” تلخيصا للوضع السياسي العام، وأصبحت جملة “اللي مالوش خير في حاتم مالوش خير في مصر” هي خير معبر عن القهر السياسي.
أصبح لخالد يوسف جمهور عريض رغم النظرة السلبية لهذه المباشرة من قبل النقاد. بمعنى آخر، تعامل الجمهور مع أفلام خالد يوسف كمتنفس للغضب والاستياء من الوضع العام ولم يلتفت إلي ضعف الجوانب الفنية بها. فخالد يوسف فنان بدرجة ناشط سياسي، فأفلامه عبارة عن مقالات سياسية جريئة، فمثلا يدخل المتفرج فيلم “دكان شحاتة” ويشاهد، ضمن أحداث الفيلم، صور حسني مبارك في حملته الانتخابية تملأ الكادر وكلمات أغنية “الفقر غربة في الوطن” تندلع في الخلفية، فيعرف على الفور رأي خالد يوسف في حكم مبارك. أو يشاهد في مقدمة فيلم “دكان شحاتة” عناوين الصحف، التي تعد بمثابة توثيق لما حدث في الثلاثين عاما من حكم مبارك، فيعرف لماذا يحمل خالد يوسف هذه النظرة السلبية لمبارك.
هذه هي بهارات/ أدوات خالد يوسف في أعماله الفنية، يمكن أن نتفق أو نختلف معها، لكن ينبغي نقد أفلامه من هذا المنظور. ومن الممكن أن نختلف في تصنيف هذه النوعية من الأفلام فهناك من يطلق عليها “الأفلام ذات الطابع الأيديولوجي” وهناك من يعرفها بـ “السينما عندما تقول لا” بتعبير الناقد الكبير رؤوف توفيق. ورغم تعدد هذه التسميات فإن هذه الأفلام تعبر عن اختيارات مخرج العمل وينبغي احترامها والتعامل معها من خلال هذا المنظور.
هذه المقدمة الطويلة نسبيا، تهدف إلي أن بهارات خالد يوسف المتمثلة في المباشرة السياسية واللغة الزاعقة يمكن غض النظر عنها كسلبيات ووضعها تحت بند “الممكن “فنيا” مادام بها جرأة غير معهودة ونقد صريح للأوضاع الجارية. لكن أن يجئ فيلمه الأخير “كارما” منزوع البهارات ورسائله السياسية هي مجرد رسائل سياسية محافظة مفتقدة الكثير من الجرأة السابقة فإن ذلك لا يمكن وضعه في اطار “الممكن” بل “المصيبة ” هي التصنيف الوحيد له.
قصة فيلم كارما
تدور أحداث الفيلم حول عالمين منفصلين عالم رجل الأعمال أدهم المصري وعالم الشاب الفقير وطني (يلعب الدورين الممثل عمرو سعد). ويرى كل منهما عالم الآخر في أحلامه لدرجة أن كل منهما أصبح يألف معارف وافراد أسرة الآخر من كثرة ما عاشرها في حلمه، إلي أن يحدث تطور درامي وينتقل كل منهما إلي عالم الآخر على أرض الواقع.
تحليل الفيلم
جاء الفيلم مشابها لنفس نوعية أفلام خالد يوسف السابقة المشبعة بالميلودراما، فتم التركيز على الفقر المدقع مع تطويل مشاهد مأساة الأسرة الفقيرة بمصاحبة موسيقى تصويرية زاعقة، وهذه هي السلبيات المعتادة لخالد يوسف. لكن افتقد الفيلم الجرأة السياسية وهي الايجابية الوحيدة السابقة والتي كانت تجعل الأخطاء مقبولة ويمكن التغاضي عنها.
خالد يوسف
خالد يوسف هنا لا يستخدم حوارا سياسيا مباشرا جريئا كالمعتاد بل جاء الحوار السياسي محافظا في معظمه، فمن خلال حوارات وعظية يطرح الفيلم حلا مختلفا عن أطروحات خالد يوسف الثورية السابقة أي تنظيف الفقراء أحيائهم الفقيرة من القمامة والعمل بجد ونشاط. هذا بجانب حوارات مباشرة عن أهمية الثقة والإيمان بالنفس وهذا شكل أقرب إلي التنمية البشرية وليس النقد السياسي.
بالطبع يوجد نقد سياسي لكن أقل جرأة بكثير من أفلامه السابقة، بل أن بعضه احتوى على خطاب دفاعي لتجميل وجه خالد يوسف نفسه. ففي أحد مشاهد الفيلم يردد البطل أن الحل هو التعاون مع رجال البرلمان الشرفاء لكشف الفساد ويظهر الفيلم مقاطع مختلفة لخالد يوسف كنائب في البرلمان بشكل يجعلنا نتساءل هل كان الفيلم نوع من الدعاية السياسية أم وثيقة دفاع للمشككين في انجازاته البرلمانية؟
الفيلم هو التعاون الأول لخالد يوسف مع السيناريست محمد رفيع، ويبدو أن الفيلم كان نواة لفكرة جيدة أفسدها خالد يوسف بالميلودراما واختيار الممثلين.
عمرو سعد وإن نجح في تمثيل دور الفقير باقتدار فان اداءه الكوميدي المصطنع، أفسد الطرافة الموجودة في السيناريو. فخالد يوسف كان دائما يتميز بلمسة كوميدية تتجلى في الممثلين الثانويين كعمرو عبد الجليل لكن افتقد الفيلم هذه اللمسة بسبب ثقل ظل أصدقائه وعدم قدرتهم على التمثيل كيوسف الحسيني نموذجا. ويبدو أن خالد الصاوي وافق على هذا الفيلم مدفوعا بنجومية خالد يوسف السابقة ولم يعرف أن هذا الفيلم لم يضف له جديدا لأنه كان مجرد بوق لترديد أفكار خالد يوسف والتي كانت مخالفة في أغلبها مخالفه لآرائه السابقة. لكن يحسب لخالد يوسف تقديم زينة بشكل جديد ومتميز، كما أجادت دلال عبد العزيز في الأداء كعادتها دائما.
بشكل عام، يمكن للمشاهد أن يدرك بسهولة حجم الهوه التي تفصل بين هذا الفيلم وأفلام خالد يوسف السابقة، وذلك عن طريق سماع صوت خالد يوسف في نهاية فيلم “حين ميسرة” وهو يخبرنا أن الواقع أقسى بكثير مما عرضه، ثم يدخل فيلم كرما ويسمع صوت خالد يوسف أيضا في نهاية الفيلم (لن نقولها منعا لحرق الأحداث) ثم يقارن بين مقولة حين ميسرة وهذه المقولة ليدرك حجم المصيبة التي أوقع خالد يوسف نفسه فيها