حول ملتقي سوس الدولي للفيلم القصير بالمغرب
فن السينما في كل مكان
تتميز المغرب بتعدد مهرجاناتها المنتشرة في جميع أرجائها و تنوعها في الحجم والنوع، وملتقي سوس الدولي هو واحد من المهرجانات الصغيرة التي تقام في المنطقة الأمازيجية بالمغرب (الأمـــازيج وهم مجموعة من الشعوب الأصلية تسكن المنطقة الممتدة من واحة سيوة شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى الصحراء الكبرى جنوبا،) والتي تهدف إلي تشجيع السينما الأمازيجية وأن يشاهد أهل المنطقة نوعيات مختلفة من السينما، بمدينة إيت ملول – تعنى اللون الأبيض بلغة الأمازيخ.
وقد عقد ملتقى سوس فى الفترة من 10 إلى 12 مايو، وهى منطقة صناعية تأتى فى المرتبة الثانية بعد الرباط ، وتبعد 6 كيلو مترات عن أغادير المدينة السياحية.
المشاركة الرسمية
يقتصر المهرجان علي الأفلام الروائية والتسجيلية القصيرة فقط، وشاركت هذا العام إحدى عشرة دولة وهي مص، تونس، الجزائر، المغرب، بلجيكا، فرنسا، العراق، سوريا، فلسطين، الكويت وألمانيا.
وتشكلت لجنة التحكيم من 3 أعضاء من المغرب وهم المخرج محمد الزوغي رئيسا والمخرج أحمد منتصر وكاتب السيناريو رضا عثمان.ومن كرد ستان المخرج نوزاد شيخاني ومن تونس المخرجة ايمان بن حسين.
ونتيجة للظروف السياسية فى سوريا أعتذر الفنان رشيد عساف عن الإنضمام للجنة التحكيم هذا العام .
وبالرغم من قصر مدة الملتقي الذي أمتد علي مدارثلاثة أيام، إلا الفعاليات كانت كثيرة ومتعددة، فقد تم عرض 33 فيلما قصيرا ووثائقيا داخل المسابقة وخارجها.
واختار المهرجان في دورته السادسة السينما الكردية كضيفة شرف، وهي من السينمات التي لا تحظي بمعرفة واسعة علي المستوي العالمي وكان إختياراموفقا من جانب إدارة المهرجان وحظى بترحيب من الجميع.
وقد حضر وفد كردي كبير هذه الاحتفالية، وخصصت بانوراما للأفلام الكردية التي تم إنتاجها في أربيل – كردستان شملتعرض ثلاثة أفلام قصيرة هي”أنتينا” للمخرج عدنان عثمان وكان قد عرض فيلمه الروائي الطويل “مثلث الموت” بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي الخامس والثلاثين، وفيلم ” طين” للمخرج ريكان أحمد سيدا، وفيلم “التماثيل الرملية” لتحسين فائق توفيق، بالإضافة إلي مشاركة الفيلم الكردي “أرض الأبطال” للمخرج سهيم عمر خليفة.وقد عرض هذا الفيلم من قبل في العديد من المهرجانات الدولية وحصد كثيرا من الجوائز.
تم أيضا الإحتفاء بالسينما الليبية الوليدة بعد الثورة، من خلال بانوراماخاصة للسينما الليبية، و ترأس وفد ليبيا، الصحفي والمخرج التسجيلي محمد مخلوف الذي عاش بالمنفي مايزيد عن خمسة و ثلاثين عاما يعارض فيها حكم القذافي، متنقلا بين البلدان العربية والأوروبية، أسس فى تلك الفترة بالمنفى فى لندن مهرجان الشاشة العربية المستقل عام 1999، ثم إنتقل به إلي الدوحة في الدورة الثانية، ثم توقف المهرجان ليعود مرة أخري في 17 فبراير 2013 بمدينته الحبيبة الى قلبه بنغازى.
وفى البانوراما الليبية تم عرض ستة أفلام وهي “القفص” لمحمد مخلوف، وفيلم “رتل الموت” لمحمد سلامة، وفيلم ” الفرار” لفضيل صالح،و فيلم “سيمفونية بنغازي” لعبد الرحمن الهوني، وفيلم “عودة علم” لمحمد الديب، وأخيرا فيلم “عزلة” لمهند احمد البطاط.
فعاليات أخرى
وإمتدت فعاليات المهرجان أيضا الى إقامة ورش عمل للإخراج والسيناريو والتصوير علي يد عدد من الأساتذة المغاربة المعروفين، وقبل حفل الختام أقيمت ندوة عن الأفلام التي عرضت بالمهرجان، وأيضا لمناقشة سلبيات وإيجابيات المهرجان، أعقبها حفل توقيع للكتاب “الوثائقي أصل السينما” للدكتور بوشعيب المسعودي مدير مهرجان خريبكة الدولي للفيلم الوثائقي، وكتاب “روائع مجموعة إزنزاران” للكاتب الحسين زكورا وهو رصد للحركة الغنائية لفرقة أمازيجية مشهورة بالمغرب باللغة العربية والفرنسية والأمازيجية.
وحرص كل من نور الدين العلوي مدير المهرجان وإبراهيم حنكاش مدير العلاقات العامة والمساعدة الأمازيجية حسناء على تذليل كل الصعاب امام الضيوف اللذين سعدوا بليالى المهرجان. كما سعدوا بحسناء التى حرصت على إرتداء الزى الأمازيجى بألوانة المختلفة والذى أضفى روح البهجة عند إستقبالها للضيوف طوال أيام المهرجان.
ولم يحظى الحاضرون بمشاهدة أى أفلام أمازيجية هذا العام بعد أن رأت إدارة المهرجان أن المستوي هذا العام لا يليق، وهذا يحسب للمهرجان في حقيقة الأمر. والسينما الأمازيجية هي سينما وليدة ظهرت في نهاية الثمانينيات في القرن العشرين من خلال وسيط الفيديو،وظلت حبيسة الحكاية الشعبية.
أما الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية للفيلم الوثائقي، فكانت معظمها في حقيقة الأمر دون المستوي التقني والفني، وكانت تتأرجح مابين الريبورتاج والفيلم الوثائقي التلفزيوني التقليدي، أو الأفلام الخاصة بالجمعيات الأهلية، ولم يكن بينها فيلم وثائقي إبداعي تقريبا إلا الفيلم الجميل والمثير للجدل وهوفيلم “الحب والموت” للمخرج التونسي المقيم بلندن، الذى حصد جوائز المهرجان.
وكان الحال أفضل بالنسبة لمستوي الأفلام القصيرة، فقد كان هناك أكثر من فيلم ذي مستوي جيد مثل الفيلم الكردي المتميز الذي ذكرته من قبل “أرض الأبطال”، والفيلم المغربي “أسرار الصمت” لأسماء المدير، وفيلم “دنيا” للمخرج التونسي كريم بلحاج، وفيلم “إنقطاع “للمخرج المصري تامر السعدني ، وأخيرا الفيلم التونسي “ترك الوظيفة” للمخرج المقيم في بلجيكا محمد البوحاري، ويروي الفيلم عن رجل أسود يحرس تمثال أسود ويشعر الحارس بالكره نحو هذا التمثال ويقرر أن يتخلص منه ومن وظيفته. وقد إختار المخرج أن يصور فيلمه بالأبيض والأسود بدلا من الألوان والفيلم يتميز بلغته السينمائية والأداء التمثيلي، وقد حصل علي جائزة لجنة التحكيم والجائزة الكبري. برغم اعتقادي بأن الفيلم الكردي”أرض الأبطال” كان يستحق الحصول علي جائزة.
جائزة الجمهور
أما جائزة الجمهور فقد ذهبت إلي الفيلم المغربي “بلاستيك” للمخرج عبد الكبير الركاكنة وتمثيل الممثلين المعروفين لطيفة أحرار ورشيد الوالي، ويدور الفيلم حول إنشغال الأهل في الحياة وعدم تواصلهم معا بسبب الضغوط الحياتية مما أدي إلي شرخ في العائلة وعدم أهتمام بالأطفال، وينتهي الفيلم بنهاية مأساوية بأن تضع الأخت الصغيرة أخيها الرضيع في شنطة بلاستيك و تغلق عليه نتيجة لصراخ الطفل المتواصل وتقليدا لما فعله الأب من قبل، فيختنق الطفل. وكانت الأم قد رأت كابوسا من قبل ينذر بشؤم لكنها لم تستطيع أن تفسره إلا بعد حدوث المأساة.
الفيلم موجه بشكل عام إلي الجمهور العريض واستطاع بالفعل أستقطاب الجمهور وتفاعله مع الفيلم، خاصة مع تمثيل لطيفة ورشيد و الحوار الساخر.ولكن الفيلم من الناحية الفنية مزج بين العديد من الأنواع الفيلمية مما افقده الهوية النوعية.. فالفيلم بدأ بشكل بوليسي ثم انتقل إلي الكوميديا ثم إلي فيلم أجتماعي ثم فيلم كابوسي وعفاريتي ثم كوميديا مرة أخري وانتهي بتراجيد يا حتى تحول فى النهاية من فيلم الى إعلان توعية عنمخاطر ترك الأطفال بمفرهم.
تكريم
ولم ينس المهرجان وسط هذا الزخم من الفعاليات أن يكرم عددامن الفنانين مثل الممثل الكوميدي المعروف محمد الجم الذي استقبله الجمهور المغربي بالتصفيق الحار والزغاريد، كما إحتفى المهرجان بالعديد من التكريمات بصورة مبالغة افقدت التكريم من معناه.
لا ينبع إهتمامي بهذا المهرجان الذي شاركت فيه من مستوي الأفلام – التي أتمني أن يتم إنتقاء أفضل لها في العام المقبل خاصة في القسم الوثائقي- إنما اهتماما بأهمية التجربة وثرائها وأهمية أن تعمم في العديد من البلدان العربية وخاصة في مصر لخلق جسور التواصل بين السينمائين والقاعدة الجماهيرية ليكون هناك إرتقاء عام بذوق المشاهد وتفاعل السينمائيين معا من أجل سينما جديدة ووطن جديد.