جوائز مهرجان كان الرئيسية لم تذهب إلى أفضل الأفلام

لم يكن مفاجئا أن تذهب السعفة الذهبية، وهي الجائزة الأرفع شأنا من بين كل جوائز المسابقة الرئيسية لمهرجان كان، إلى الفيلم السويدي الذي أضيف للمسابقة في اللحظة الأخيرة وهو فيلم “المربع” The Square للمخرج روبين أوستلوند، فقد كان أحد الأفلام المرشحة كما ذكرنا في المقال المنشور في “العرب” يوم السبت الماضي، وجاء فيه “يمكن بالطبع أن تخرج السعفة الذهبية عن الفيلمين (الروسي والبريطاني) لتذهب إلى الفيلم السويدي “المربع” The Squre الذي وجدته شخصيا ثقيل الوطأة، مفكك البناء، فهو عبارة عن اسكتشات ساخرة عبثية، كما أنه يعاني أيضا من غلبة الحوار وغياب الخيال، لكن طرافة الموضوع لها جاذبيتها بالتأكيد”.

لم تشهد الدورة الـ70 من مهرجان كان عملا يرقى لأن يكون تحفة سينمائية تعلق طويلا بذاكرة عشاق السينما، لكن كان هناك على الأقل فيلمان أو ثلاثة في المقدمة أولها الفيلم الروسي البديع “من دون حب” الذي لم تشأ لجنة التحكيم إلا أن تظلمه وتظلم مخرجه للمرة الثانية، فمنحته جائزة فرعية أجدها لا معنى لها، هي “جائزة لجنة التحكيم” وهي جائزة زائدة عن الحاجة لأنها تتضارب مع “الجائزة الكبرى للجنة التحكيم” وهي الجائزة التالية في أهميتها للسعفة الذهبية.

بدلا من منح هذه الجائزة المهمة للفيلم الروسي ذهبت إلى الفيلم الفرنسي “120 دقة قلب في الدقيقة” للمخرج روبين كامبيللو، وكانت الصحافة الفرنسية قد مارست ضغوطا كبيرة من أجل فوزه بالسعفة الذهبية، وكانت هناك أيضا توقعات كثيرة بأن يتعاطف معه المخرج بيدرو ألمودوفار (وهو مثلي الجنس- أو شاذ جنسيا) بسبب موضوعه الذي يتناول معاناة مجموعة من المثليين مع مرض الإيدز اللعين، ولكن بأسلوب سينمائي يخلو في رأيي، من الإبداع ويمتلئ بالمشاهد الجنسية الزائدة والمبالغ فيها بغرض تحقيق “الجرأة” و”الصدمة” وهو ما يجد فيه بعض هواة السينما المراهقين، ميزة في حد ذاتها. والغريب أن التناول النقدي الغربي لهذا الفيلم تحديدا يكاد يخلو تماما من الحديث عن البناء والحبكة أو حتى تحطيم الحبكة، والأسلوب الفني واللغة السينمائية، ولكني لم أجد أيضا من ينتقد غلبة الحوار على الفيلم ولقطاته القريبة المرهقة، والإسراف في المناظر الجنسية الشاذة والتلذذ توصيهرا وكانها أصبحت “كوضة” منذ فيلم عبد اللطيف كشيش “حياة أديل|”، لكن البعض مغرم بمثل هذا النوع من أفلام الثرثرة الفرنسية.

مرة أخرى إذن يُظلم المخرج الروسي أندريه زيفنغتسيف وفيلمه الرائع “من دون حب” ويتم تهميشه، تماما كما حدث مع فيلمه السابق “الحوت” (ليفياثان أو وحش البحر) في مسابقة كان عام 2014 عندما لم تمنحه لجنة التحكيم سوى جائزة أحسن سيناريو، ويبدو أن هناك موقفا ما، مقصودا، من المخرج الروسي الذي يقال إنه من مؤيدي الرئيس بوتين!

جائزتا التمثيل

أما منح نيكول كيدمان جائزة خاصة عن الأداء في فيلمي المسابقة اللذين شاركت فيهما (اضافة الى فيلمين آخرين خارج المسابقة) فهي مجرد بدعة لا معنى لها وكان الأكثر مصداقية أن تحصل كيدمان على جائزة أفضل ممثلة التي تستحقها دون شك، فأداؤها في فيلم “مقتل غزال مقدس” مثلا، أو “الفاتنات” لصوفيا كوبولا، أفضل كثيرا من أداء الممثلة الألمانية ديان كروغر التي نالت الجائزة، التي رغم اجتهادها الكبير في الفيلم الألماني “في الظلام” للمخرج التركي فاتح أكين، إلا أن الفيلم نفسه يمتلئ بالثقوب في بناء الشخصية وتصوير انفعالاتها ومبررات مواقفها، بل إن أداءها أقرب إلى الأداء النمطي في الميلودرامات المعروفة، كما أن الفيلم عموما ليس أفضل أفلام مخرجه، بل عمل مضطرب مشوش، يتبنى في النهاية فكرة شبيهة بأفكار الجهاديين الانتحاريين. وربما عدنا لتناوله تفصيلا في مقال قادم.

المخرج السويدي الفائز بالسعفة الذهبية

جائزة أحسن إخراج ذهبت – غالبا على سبيل المجاملة- إلى فيلم “الفاتنات” للمخرجة الأميركية صوفيا كوبولا، ليس تشكيكا في قيمة فيلمها، فهو من ناحية الإخراج عمل كلاسيكي متقن دون شك، ويروي موضوعا مثير للاهتمام، ممتع، لكنه لا يضيف جديدا، فصوفيا لا تسعى للخروج من معطف السينما التقليدية السلسة من خلال موضوع سبق تناوله من قبل، في مراهنة على فكرة “النجاح المضمون”، وبالمناسبة من أفضل عناصر الفيلم أداء نيكول كيدمان، لكن لجنة رأت التحكيم  رأت ألا تمنحها لمن تستحقها لمجرد أنها نجمة، ومشهورة، وربما لأنها سبق لها الحصول على جوائز عديدة.

لقطة من فيلم “المربع” الفائز بالسعفة الذهبية

الممثل الأميركي جواكيم فينيكس حصل على جائزة أحسن ممثل عن دوره في الفيلم الأميركي “أنت لم تكن هنا قط” للمخرج البريطانية لين رامزي، وربما كان فينيكس يستحق الجائزة بسبب تماثله الكبير بدرجة مدهشة مع شخصية قاتل محترف يذهب لأداء عملية كلف بها لكنه يجد نفسه داخل متاهة كبرى قد لا ينقذه منها سوى الموت. وبسبب غموض الموضوع، وغرابة المعالجة التي لا تقدم تطورا حقيقيا، صدرت عن بعض الصحفيين والنقاد صيحات استهجان وسخرية ورفض في ختام عرضه الصحفي، وهي ظاهرة ملحوظة بقوة هذا العام في مهرجان كان وتكررت مع كثير من أفلام المسابقة!

ولعل من أكثر الأفلام التي ظلمت وتم تهميشها أيضا فيلم “مقتل غزال مقدس” للمخرج اليوناني يورغوس لانتيموس، الذي يعد من أفضل أفلام المسابقة، واكتفت اللجنة بمنحه جائزة أحسن سيناريو. ولاشك في براعة السيناريو والحوار، والإخراج، والموسيقى وجميع العناصر الفنية الأخرى. لكن المفارقة أنه حصل على الجائزة مناصفة بينه وبين فيلم “أنت لم تكن هنا قط” صاحب السيناريو الأسوأ من بين أفلام المسابقة في رأيي الشخصي، لكن الآراء قد تختلف، كما يتم عادة تحكيم بعض التوازنات، والاستجابة داخل اللجنة لنوع من “الصفقات” التي تهدف لارضاء كل الأعضاء.

ظلمت اللجنة أيضا دون شك فيلم “كائن رقيق” للمخرج الأوكراني سيرغي لوزنيتسا عن عالم روسيا الداخلي المنهار من خلال رحلة امرأة روسية ذهبت تبحث عن زوجها في أحد سجون سيبيريا، ففي الفيلم رغم كل عيوبه ومشاكله، رؤية فنية مثيرة، وموضوع قوي، وشخصيات فريدة وغريبة، وتلاعب ممتمع بالزمن، وتصوير جيدا. لكن ربما يكون الأمر الوحيد الإيجابي في قرارات اللجنة أنها أدركت سخف وقصدية الفيلم الفرنسي “المهيبة” عن المخرج الكبير جون لوك غودار فتجاهلته تماما ولم تمنحه أي جائزة كما كان البعض يأمل.

جوائز فرعية

في مسابقة قسم “نظرة ما” فاز عن جدارة الفيلم الإيراني “رجل شريف” للمخرج محمد روسولوف، وشخصيا لا أدري سببا مقنعا لغياب هذا الفيلم عن مسابقة المهرجان، على الرغم من مستواه الفني الرفيع. وذهبت جائزة الاخراج للفيلم الأميركي “نهر الريح” لتايلور شريدان، وجائزة التحكيم إلى الفيلم المكسيكي “ابنة ابريل” للمخرج مايكل فرانكو، وجائزة أحسن ممثلة إلى جاسمين ترينكا عن دورها في الفيلم الإيطالي “فورتوناتا”، وجائزة “الشعر السينمائي” إلى الممثل والمخرج الفرنسي ماتيو أمالريك عن فيلمه “باربره” الذي عرض في افتتاح “نظرة ما” ومن إخراج أمالريك نفسه.

أما جائزة الكاميرا الذهبية لأحسن عمل أول أو ثاني للمخرجين الجدد فقد فاز بها الفيلم الفرنسي “امرأة شابة.. مونبارناس مرحبا” للمخرجة ليونور سيراي.

الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية (فيبريسي) منح جائزةأحسن فيلم في المسابقة للفرنسي “120 دقة قلب في الدقيقة”، وأحسن فيلم في “نظرة ما” إلى الفيلم الروسي “التصاق” للمخرج كانتمير بلاغوف. وجائزة أحسن فيلم في تظاهرة “نصف شهر المخرجين” للفيلم البرتغالي “مصنع اللاشئ” للمخرج بيدرو بينو.

وهكذا يسدل الستار على دورة لا ترقى لمستوى احتفال مهرجان كان بعيده السبعين، مقارنة مع الدورات القليلة السابقة التي شهدت منافسة قوية بين افلام تم انتقاؤها بعناية.

Visited 17 times, 1 visit(s) today