جائزة الدب الذهبي تذهب للفيلم المجري “عن الجسد والروح”

أسدل الستار مساء السبت على الدورة الـ67 من مهرجان برلين السينمائي بعد إعلان الجوائز التي منحتها لجنة التحكيم للأفلام الـ18 التي شاركت في المسابقة الرسمية للمهرجان، واختلطت فيها للمرة الأولى، الأفلام الروائية مع أحد أفلام التحريك، وفيلم تسجيلي، ظلمه أن يعرض وسط زحام الأفلام الروائية.

رأس المخرج الهولندي بول فيرهوفن، لجنة التحكيم الدولية، التي جمعت في عضويتها المخرج أولافور الياسون من أيسلندا، والممثلة الأميركية ماغي غلينهال، والممثلة الألمانية جوليا جنتش، والممثل والمخرج المكسيكي دييغو لونا، والمخرج الصيني وانغ كوانان، والمنتجة التونسية درة بوشوشة.

الدب الذهبي

فاز الفيلم المجري “عن الجسد والروح” للمخرجة إديكو إنيادي، بجائزة “الدب الذهبي” لأحسن فيلم، بسبب معالجته الرائعة المشبعة بروح المرح، لموضوع مبتكر يدور حول صعوبة التواصل بين رجل وامرأة يعملان في سلخانة للحيوانات التي يتم تقطيع لحمها وبيعها لمحلات الجزارة. ورغم طبيعة العمل الجافة المليئة بالدماء والذبح والسلخ، إلا أن الفيلم يعالج موضوع الحب من خلال الأحلام المنفصلة التي يحلمها كل من الرجل والمرأة، وفيها يجدان نفسيهما معا كغزال وغزالة، يهيمان معا في الغابة، ويتشاركان المغامرة البريئة، حيث يتحرران تماما من قيود الحياة وينطلقان بحثا عن المشترك فيما بينهما. أما هذه الأحلام المتكررة فتأتي دون ترتيب ولا اتفاق، بل على نحو تلقائي منفرد. وينتقل الفيلم من الواقعية الخشنة إلى الرومانسية الناعمة مع بعض اللمحات الكوميدية، والفيلم يتمتع دون شك بالحساسية الفنية والشعرية في طريقة التصوير وأسلوب السرد.

وفاز الفيلم الفرنسي “فليسيتيه” للمخرج السنغالي الأصل آلان غوميه بالجائزة الكبرى للجنة التحكيم (الدب الفضي)، وهو الفيلم الذي يصور صمود مغنية وراقصة شعبية في إحدى حانات كنشاسا عاصمة الكونغو، ومعاناتها وسط مجتمع ذكوري، وكفاحها من أجل انقاذ حياة ابنها الذي أصيب في حادث، وكيف تبحث عن مساعدات مالية يضن بها عليها أقرب الناس إليها مثل شقيقها وشقيقتها وغيرهما ممن تنكروا لها بسبب طبيعة العمل الذي تمارسه. وقد بدا الفيلم، على الأقل في النصف الأول منه، تصويرا بارعا لمعاناة المرأة التي يتخذ السيناريو من محنتها الشخصية مدخلا للكشف عن المشاكل المزمنة في الكونغو، وإن كان إيقاع الفيلم يهبط في نصفه الثاني، ويبتعد قليلا عن موضوعه الأساسي ليستغرق في مشاهد أقرب إلى التسجيلية، للحياة في شوارع كنشاسا، ومظاهر التدهور الاجتماعي المنتشرة.

وحصل فيلم “مقتفية الأثر” البولندي للمخرجة أنييسكا هولاند بجائزة الدب الفضي (أو جائزة الفريد باور) وهي جائزة مخصصة للفيلم الذي يفتح آفاقا جديدة في التعبير السينمائي، وهو فيلم آخر عن علاقة الإنسان بعالم الحيوان، وكيف تسعى سيدة مسنة تقطن بالقرب من غابة يمارس فيها الصيادون الاعتداء على الحيوانات وقتلها، مع تغاضي السلطات عن تلك التجاوزات بسبب فساد النظام، إلى وقف تلك المذبحة الممتدة التي ترى أنها يمكن أن تجلب الشقاء إلى الإنسان عندما تتجه الحيوانات للانتقام الجماعي، لذلك فهي تتجه بدورها لمخالفة القانون من أجل وقف الجرائم التي تتعرض لها الحيوانات.   

أما الفريد باور الذي يطلق اسمه على هذه الجائزة فقد كان محاميا ومؤرخا سينمائيا، وهو مؤسس مهرجان برلين، ومديره في الفترة من 1951 إلى 1975، وقد لعب دورا بارزا في الترويج للسينما الجديدة في ألمانيا، إلى أن توفي عام 1986 عن 75 عاما.

الفيلم الذي ظلم

جائزة الدب الفضي لأحسن إخراج ذهبت- كما توقعنا- للمخرج الفنلندي أكي كوريسماكي صاحب فيلم “الجانب الآخر من الأمل” الذي سبق أن قدمنا تحليلا له على صفحات “العرب”، وهو من أفضل ثلاثة أفلام في المسابقة، إلى جانب فيلم “امرأة رائعة” للمخرج سباستيان ليليو من شيلي، وفيلم “عن الجسد والروح” المجري.

أكي كوريسماكي الفائز بجائزة أحسن إخراج

ولعل أكثر الأفلام التي ظلمت بنتائج لجنة التحكيم هو الفيلم الشيلي “امرأة رائعة” الذي يعد العمل الأكثر اكتمالا من بدايته إلى نهايته رغم تقليديته في السرد، وقد رشحه معظم النقاد لنيل جائزة الدب الذهبي إلا أن لجنة التحكيم لم تمنحه سوى جائزة أفضل سيناريو الذي اشترك في كتابته مخرجه ليليو مع الكاتب غونزالو ميزا. وبوجه عام جاءت أفلام المسابقة هذا العام تقليدية تتبنى النمط الكلاسيكي في البناء، ومعظمها ينتمي للدراما الاجتماعية بشكل أو آخر، مع فيلمين من أفلام الإثارة البوليسية والجريمة هما الفيلم التايواني- الياباني المشترك “السيد لونغ”، وفيلم الرسوم الصيني “يوما سعيدا”.

جائزة أفضل ممثلة حصلت عليها الممثلة الكورية كيم مينهي عن دورها في الفيلم الكوري “وحيدة على الشاطئ ليلا” للمخرج هونغ سانغسو الذي يصور موضوعا يعتمد على التلقائية في الأداء، وعلى الارتجال، والمزج بين الحياة الخاصة للممثلة والشخصية التي تقوم بأدائها، وهو يمتلئ بالحوارات الطويلة، والمشاهد التي تدور داخل ديكور واحد دون انتقال أو تنويع في الزاويا، مع الكثير من لقطات الكلوز أب (القريبة) لوجه الممثلة التي تتميز بجمال خاص مما يجعل جميع المشاركين معها من الممثلات والممثلين، يطرين جمالها بل ويصل الاعجاب بينها وبين ممثلة أخرى (داخل الفيلم) إلى علاقة حميمية تتجه نحو الإيروتيكية ولكن دون اكتمال. وقد نافست على جائزة أحسن ممثلة الرومانية ديانا كافاليوتي بطلة فيلم “أنا.. حبيبتي” للمخرج الروماني كالين بيتر نيتزر. وقد فاز هذا الفيلم الذي يعالج موضوعا يرتبط بالتحليل النفسي، بجائزة الأسد الفضي لأحسن إنجاز فني من ناحية المونتاج الذي قامت به دانا بونيسكو.

أما جائزة أفضل ممثل فقد ذهبت إلى جورج فريدريش عن دوره في الفيلم الألماني- النرويجي المشترك “ليال متألقة” للمخرج توماس أرسلان، وفيه يؤدي فريدريش دور أب يسافر مع ابنه المراهق الغائب عنه منذ سنوات، لحضور جنازة جده الذي توفي مؤخرا في شمال النرويج، وخلال الطريق يتشاحن الأب والإبن، ويتشاجران، وتنفجر المشاعر فيما بينهما، ويبوح الأب بأخطائه وخطاياه، ويعترف بتقصيره، إلى أن يتحقق لهما الاقتراب للمرة الأولى من بعضهما البعض، وينجح الأب أخيرا في استعادة ولده منذ انفصاله قبل سنوات، عن والدته.

الفيلم المجري الفائز بالدب الذهبي حصل أيضا على جائزة أحسن فيلم التي تمنحها لجنة تحكيم تمثل الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية (الفيبريسي).

وهكذا أسدل الستار على مسابقة محبطة عانت من قلة الأفلام الملفتة، بل جاءت في معظمها أفلاما ضعيفة أو متوسطة المستوى، وغابت عنها بوضوح التحفة السينمائية التي عادة ما يتفق الجميع حول قيمتها الفنية. ولعل محاولة مدير المهرجان ديتر كوسليك، التوفيق بين عدد من المشاركات الأوروبية والآسيوية تحديدا، وإغواء الحصول على الأفلام الجديدة لعدد من مشاهير السينمائيين مثل المخرجة البولندية المخضرمة صاحبة فيلم “مقتفية الأثر”، والمخرج الألماني فولكر شلوندورف والمخرجة البريطانية سالي بوتر، والمخرج الكوري هونغ سانغسو، لعبت دورا في هيمنة الطالع التقليدي المحافظ على أفلام المسابقة بشكل عام، وخلوها من “المغامرة” السينمائية أو “الاكتشاف” الجديد المبهر الذي يبقى في الذاكرة.

Visited 51 times, 1 visit(s) today