ثائرات مصريات على البساط الأحمر في مهرجان برلين السينمائي

عن وكالة دويشته فيلله الألمانية نشرت جريدة “الشروق” المصرية (15 فبراير) التقرير التالي عن المشاركة المصرية في مهرجان برلين السينمائي الذي يختتم في التاسع عشر من الشهر الجاري، وخصص قسما خاصا للاحتفاء بالثورات العربية…

يتمحور مهرجان برلين السينمائي الدولي (البرليناله) هذه السنة حول الأفلام التي تسلط الضوء على التحولات والثورات التي شهدها العالم العربي، من بينها الفيلم الوثائقي “في ظلال الرجل” الذي يقدم صورة مؤثرة عن أربع مصريات.

“لا تستطيع المرأة أن تكون مستقلة في بلد غير مستقل. لا يمكن أن تعمل بكفاءة في بلد لا يعرف معنى الكفاءة. كما أنها لا يمكن أن تكون حرة في بلد مُستَعبَد. من المستحيل فصل مطالب المرأة عن الواقع الاجتماعي”. هذه الجمل تقولها شاهيندا مقلد في الفيلم الوثائقي، بينما يرى المشاهد في الخلفية صور الانتفاضة الشعبية التي هبّت في مصر عام 2011.

في ظل الرجل

في هذا الفيلم يرى المشاهد نساء يقدن المظاهرات ويلهبن حماس الجماهير بالشعارات، نساء يقفن بشجاعة في مواجهة الشرطة، ويكافحن جنباً إلى جنب مع الرجال في مواجهة النظام الشمولي السائد في مصر.

طوال عمرها وشاهيندا مقلد تكافح وتناضل – من أجل حقوق المرأة ومن أجل حقوق الفلاحين في مصر. “دافعي عن مبادئك حتى الموت” هذه النصيحة نطق بها أبوها على فراش الموت وأوصاها أن تتبعها. “كان رجلاً تقدمياً رائعاً، وكان مهتماً بأن أدرس وأصبح مستقلة”، تقول شاهيندا مقلد بينما راحت يداها تمر بكومة من الصور الفوتوغرافية المصفّرة التي وضعتها أمامها. الحكايات والتاريخ أمامها، وخلفها حياة وهبتها للنضال من أجل العدالة.

شاهيندا مقلد هي إحدى النساء الأربع التي رافقتهن حنان عبد الله في فيلمها الوثائقي “في ظلال الرجل” في ربيع عام 2011 الذي يُعرض حتى التاسع عشر من فبراير، في مهرجان برلين السينمائي الدولي، وذلك في قسم “بانوراما”.

راحت حنان عبد الله تسير في شوارع وسط القاهرة. ما زلنا في بداية المساء، الشوارع هادئة على نحو لم يعتاده المرء في هذه المدينة المستيقظة دائماً. كانت المخرجة قبل ذلك في غرفة المونتاج، ففيلمها التالي في مراحله الأخيرة. وفي صباح الغد ينبغي أن تكون مبكراً في المطار. غير أن هناك أشياء كثيرة لا بد من تنظيمها قبل أن تسافر. ولكن أهم شيء بالنسبة لها قبل السفر أن تزور أفضل صديقاتها في المستشفى حيث أُدخلت قبل يوم بعد أن أُصيبت بخرطوشين خلال اشتراكها في المظاهرات في ميدان التحرير وأمام وزارة الداخلية. كانت صديقتها محظوظة رغم كل شيء، إذ أن الخرطوش الذي أصاب وجهها لم يكن مميتاً.

هذا الواقع الفظيع الذي لا يُعقل في معظم الأحيان، الواقع الذي تمر به مصر في الوقت الحالي، هو ما تحاول حنان عبد الله أن تمسك به، وكثيراً ما تنسى في غمار ذلك أنها تعرض نفسها بذلك إلى أخطار كبيرة. عندما عرفت في ديسمبر الماضي، أن مهرجان برلين السينمائي الدولي قَبِلَ أن يعرض فيلمها الوثائقي كانت المخرجة تتعرض إلى موقف مشابه تماماً. لقد تلقت النبأ في يوم الثامن عشر من ديسمبر– في الوقت الذي كانت فيه قوات الشرطة والجيش تهاجم المتظاهرين أمام مقر مجلس الوزراء في قلب القاهرة. أصيب العديد من المتظاهرين خلال تلك المواجهات، ودفع البعض حياته ثمناً لاحتجاجه.

“كنت غاضبة للغاية بسبب ما يحدث في الشوارع لدرجة أنني لم أعرف في البداية كيف أتعامل مع هذا الخبر السعيد، خبر دعوتي إلى البرليناله”، تقول حنان عبد الله. استغرق الأمر بعض الوقت حتى تغلغل الخبر إلى وعيها.

وتقول المخرجة معترفة: “لقد كان شعوراً غامراً، وما زلت حتى الآن متأثرة من أنهم اختاروا فيلمي أنا بالذات لعرضه في البرليناله”، إذ أن هذا الفيلم هو باكورة أعمال المخرجة البالغة من العمر ثلاثة وعشرين عاماً.

صدفة سعيدة 

يمزج فيلم حنان عبد الله الوثائقي حكايات وصور الحياة اليومية لأربع نساء مختلفات، ليقدم صورة حميمة واضحة المعالم ومؤثرة سياسياً لهؤلاء النساء. ولدت المخرجة ونشأت في لندن، وهناك درست علم السياسة والفلسفة. بعد الدراسة ترددت على عدة دورات عن السينما. وعندما نشبت الثورة في مصر كانت تتردد على دورة عن الفيلم الوثائقي. على الفور قطعت حنان عبد الله دراستها وسافرت إلى القاهرة. لم تكن تريد في الأصل أن تقضي سوى عشرة أيام، غير أن الأيام امتدت لتصبح عاماً. بالمصادفة عرفت عبر صديقة من العائلة أن منظمة “نساء الأمم المتحدة” UN Women”-تريد صنع فيلم عن النساء والثورة في مصر، وتبحث عن من يستطيع تنفيذ المشروع. “في البداية لم أكن أريد أن أقوم بذلك، من ناحية لأني لم أثق في مقدرتي على صنع الفيلم، ومن ناحية أخرى لأني أرى أن هناك موضوعات أهم”، تقول حنان عبد الله. غير أنها استسلمت لمحاولات الآخرين لإقناعها – لحسن الحظ، مثلما تقول اليوم.

فيلم “في ظلال الرجل” يحكي حياة أربع نساء من بيئات اجتماعية مختلفة، وهو بذلك يحكي حياة نساء مصر اليوم. والنتيجة بورتريهات حميمة تفتح عيون المشاهد على الحياة اليومية التي تعيشها النساء في مصر، على نحو نادراً ما يراه غير المصريين. لم تقم النساء الأربع بفتح أبواب بيوتهن لحنان عبد الله فحسب، بل فتحن أيضاً قلوبهن وأطلعنها على أدق تفاصيل حياتهن، وعلى أكثر أمنياتهن وآمالهن وأشواقهن حميميةً. ليس هدف الفيلم الوثائقي في المقام الأول تقديم صورة عن الثورة أو مقاومة نظام مبارك والمعارك التي دارت في الشوارع، بل مناقشة المشاكل الاجتماعية للنساء والتي لم تتغير بعد سقوط النظام.

“ما يهمني هو العامل الاقتصادي بالدرجة الأولى”، تقول حنان عبد الله. وهكذا تحكي بدرية محمد عن حلمها بالذهاب إلى مدرسة لتعليم الفن. غير أن الحلم لم يتحقق. لقد تزوجت وأنجبت أربعة أطفال، ومنذ ذلك الحين وهي تعيش في إحدى قرى بني سويف في صعيد مصر، حيث يربي والداها الدجاج والبط وحيث تتولى هي وزوجها العمل في الأرض الزراعية. “منذ 18 عاماً وزوجي يبحث عن عمل”، تقول بدرية. “لماذا يجب علينا إذن أن ندرس في الجامعة إذا لم تكن هناك وظائف لنا؟” ملايين من المصريين يطرحون السؤال نفسه الذي طرحته بدرية. حكايات مثل هذه هي التي توضح للمشاهد لماذا سئم الملايين نظام مبارك ولماذا خرجوا للتظاهر في الشوارع.

في دورة مهرجان برلين السينمائي الدولي هذا العام، يحتل الربيع العربي صدارة الاهمام. ويعالج “البرليناله” في 2012 الربيع العربي وتطوراته من عدة زوايا وبأشكال مختلفة. وهكذا يعرض عدد كبير من المخرجين من العالم العربي أفلامهم الوثائقية التي تظهر رؤيتهم للأحداث، في حين يلقي آخرون في أفلامهم الروائية أو الوثائقية نظرةً على المنطقة بدون الاقتراب من الثورة بشكل مباشر. “هم بالأحرى” – هكذا نقرأ في البيان الصحفي الذي وزعه البرليناله – “يعالجون القضايا المصيرية والحاسمة، ومنها ضرورة تحديد الهوية الذاتية – وأحياناً يفعلون ذلك بشكل كوميدي”.

حنان عبد الله منهمكة في إخراج فيلمها الوثائقي الثاني الذي يدور هذه المرة حول مشاركة المرأة في الانتخابات البرلمانية المصرية. أما أمنيتها فهي صنع فيلم صادق، فيلم تحب هي أن تتفرج عليه. هذه الأمنية تحققت على كل حال في فيلمها الأول “في ظلال الرجل”، وهو فيلم جدير، ولا شك، بالمشاهدة في البرليناله.

Visited 28 times, 1 visit(s) today