توم هانكس بين جحيم دانتى وخيال دان براون

“سيركا تروفا” جملة إيطالية تعنى.. من يبحث يجد. بجملة غامضة مثل تلك، يفتح “دان براون” بوابات المغامرة على مصراعيها ويعيد إلينا بطله البروفيسور “روبرت لانجدون” الشهير ب”توم هانكس” فى مغامرة جديدة من خلال فيلم  “انفيرنو”، أو الجحيم.

  البروفيسور روبرت لانجدون، عالم التاريخ والرموز والشفرات السرية بجامعة هارفارد، والذى تخطت شهرته حدود القارات صانعة قاعدة جماهيرية عريضة على مستوى العالم، يواصل فى فيلمه الجديد بحثه الدائم عن سر ما، أو شفرة سرية على ظهر تمثال، أو علامة بداخل لوحة على سقف كنيسة أثرية، وعلى الرغم من أنه يبدأ الفيلم وقد فقد ذاكرته إلى درجة نسيانه للإسم الذى نطلقه على مشروب القهوة، حيث ينسى أن القهوة إسمها قهوة، إلا أنه بمجرد رؤيته للوحة جحيم دانتى الشهيرة، يعود عقله للعمل بسرعة ويلحظ فورًا أن هناك حروفًا متفرقة تمت كتابتها فى أماكن مختلفة من اللوحة، يسفر تجميعها عن تكوين جملة بدء الحكاية ومفتاح سر اللغز الجديد.. “سيركا تروفا” أو من يبحث يجد، وهكذا يبدأ البروفيسور بحثه، الذى يصل به إلى أسفل اللوحة ليلحظ جملة مكتوبة بالإنجليزية.. لن ترى الحقيقة إلا فى عين الموت. وهكذا تبدأ المغامرة.

  وهكذا يعود توم هانكس مجددا لارتداء شخصية البروفيسور لانجدون فى فيلمه الجديد “Inferno“، وهى ليست المرة الاولى التى يتوقف فيها البروفيسور لانجدون امام رموز مبهمة تقتضى منه الظروف فك شفرتها باقصى سرعة، فهذا هو ما يجيد فعله دومًا فى جميع مغامراته التى تحولت الى سلسلة افلام سينمائية ناجحة بسبب خلطة دان براون الناجحة والمشوقة فى مزجها للفن بالتاريخ بالأديان وجميعها تخضع عنده لشفرات ورموز وأرقام  وشخصيات تختلط ما بين المتخيل والواقع فى تعبير انساني  من اخراج رون هاورد وبطولة توم هانكس  منها  The Da Vinci Code/ شفرة دافينشى  عام 2006  Angles and Demons/ ملائكة وشياطين 2009 وأخيرا الجحيم 2016.

يدور فيلم “الجحيم”  Inferno حول مغامرة جديدة من البحث والتحدى للبروفيسور روبرت لانغدون حيث يواجه فى هذه المرة عالم الهندسة الوراثية المهووس الذى يخطط لابادة البشرية عن طريق نشر وباء الطاعون الاسود الذى قضى على نصف سكان اوروبا  فى العصور الوسطى، حيث يتبين ان عالم الجينات الشهير “برنارد زوبريست”، الذى يؤمن بأن الزيادة السكانية هى أزمة البشرية الحقيقية، ويرى أن التضخم السكاني سوف ينقلب على الارض بعواقب مفزعة من الحروب والكراهية بين البشر الذين سوف يصل عددهم الى 32 مليار نسمة فى غضون السنوات القادمة، يخطط لإبادة نصف سكان العالم كى يضمن النصف الناجى حياة افضل، وهو النصف الذى يرى أنه سوف يعانى بعد أن ينجو هو الآخر. وعلى خلفية الحدث الاساسى من محاولة افشاء وباء الابادة تتداخل الصراعات بين منظمة الصحة العالمية التى تلاحق “زوبريست” وبين وكالة تحرى مشبوهة تلاحق البروفسيور “روبرت لانجدون” الذى استيقظ من غيبوبته ليجد نفسه فى مستشفى بفلورنسا فى ايطاليا لتخبره الطبيبة انه فقد الذاكرة وقد حاولت جهة مجهولة اغتياله بحثًا عن شىء ما فى حوذته لا يتذكر عنه شيئا.

نجح المخرج رون هاورد فى ربط احداث الرواية بدون اخلال او ثغرات مع الحفاظ على الايقاع الدرامى للنص الاصلي، كما فى الافلام السابقة التى اخرجها استنادا على روايات الكاتب دان براون، كما استطاع توظيف ادوات الانتاج فائقة الجودة واستخدام امكانياته الاخراجية باحتراف حيث استطاع تصوير مشاهد الكنائس ولوحاتها وممراتها الضيقة والمتاحف ذات البهو المتسعة فى صورة مبهرة وكادرات تتناسب مع ظهور اللوحات الاثرية المعلقة على الجدران، بالاضافة الى الصورة الجمالية العامة التى تطغي على المشاهد الخارجية حيث قام المخرج  باختيارات موفقة لمواقع التصوير بين كلا من ايطاليا وتركيا على السواء وهنا تبرز اللمحة الجمالية للشاشة.

 الفيلم يضم باقة من المع ممثلى هوليود بخلاف النجم الاشهر توم هانكس فقد شاركت “فيليستي جونز”  بدور البطولة النسائية حيث جسدت شخصية الطبيبة “سيينا” التى استطاعت لفت الانظار لاداءها التمثيلى المتميز مما جعل دور الطبيبة شخصية اساسية وليست مشاركة نسائية فقط كما تميزت الدانماركية Sidse Babetteسيدس بابيت فى دور الدكتورة اليزابيث مديرة العملية والتى تحظى بمنصب هام فى منظمة لصحة العالمية ماجعلها التضحية بحبها مقابل سفرها الى جنيف منذ سنوات شبابها.

شارك الفرنسي “عمر ساى” صاحب شخصية “بيشوب” الشهيرة فى اخر افلام سلسلة ex-men  بدور “كريستوف بوردر” احد العاملين فى منظمة الصحة العالمية والذى لا يتبين موقفه من قضية البحث سوى فى منتصف الاحداث، كما ظهر الممثل الهندى “عرفان خان” فى دور “هارى سميس” مدير ومالك الوكالة الاستخباراتية المشبوهة التى تقدم خدماتها لمن يدفع اكثر والذى كان احد الاطراف المطاردة لبروفيسور لانغدون، ربما اقتصر دور النجم الهندى فى حيز ضيق بعيدا عن الاكشن او كما نستطيع اطلاق مصطلح “جو مكاتب” مما جعل ظهوره جادا وقاتما بعض الشىء.

تبقى الاشادة بالموسيقى التصويرية للموسيقار الالماني هانز زيمر الحائز على جوائز الاوسكار والجولدن جلوب عن عدة افلام قدم من خلالها موسيقاه التصويرية الناجحة والتى تعد من عوامل نجاح الأفلام التى شارك فيها.

  نجاح الجزء الثالث من ثلاثية الكاتب دان براون والممثل توم هانكس والمخرج رون هاورد يثبت ويؤكد كذب التصور السينمائى الخاطىء الذى ينص على أنه دائمًا الجزء الأول هو الأفضل، فالفيلم فى نهاية الأمر فيلم، حكاية تُحكى عن طريق الصورة، وإذا حكيتها بطريقة صحيحة، فسوف تنجح.. ولا تنسوا أنه.. سيركا تروفا.. أو.. من يبحث يجد.

هوامش

عرفان خان :ممثل هندي معروف في أفلام بوليوود،في عام 2001 شارك عرفان في فيلم (المحارب) وهو من اخراج هندي وانتاج هوليوودي والذي يعد انطلاقة عرفان الحقيقية, وفي عام 2003 قدم لواحد من أهم الأدوار الشريره في السينما الهندية في فيلم (هاسلي), حصد على اول جائزة في مسيرته السينمائيه وكانت الجائزة الاولى من الفيلم فير وهي أفضل ممثل في دور سلبي.

فيليستي جونز: ممثلة إنجليزية بدأت مسيرتها الفنية عام 1996 في الفيلم التلفزيوني The Treasure Seekersجذبت فيليسيتي الانتباه في 2011 عندما شاركتفى فيلم  Like. في 2014 ظهرت في الرجل العنكبوت المذهل 2، ثم في نفس السنة، جسدت شخصية جين وايلد هوكينغ في نظرية كل شيء والتي حازت بسببه على مديح كبير وعدة ترشيحات لجوائز مثل الغولدن غلوب والبافتا.

Visited 120 times, 1 visit(s) today