المهرجانات السينمائية بين الثقافي والفرجوي

تشكل المهرجانات والتظاهرات السينمائية بالمغرب ظاهرة ايجابية تستحق الاهتمام والتساؤل. وقد وصل عدد المهرجانات والتظاهرات الى ستين مهرجانا خلال هذه السنة.

ويعود ازدهار هذه المهرجانات الى عدة اسباب اهمها اهتمام الدولة بالقطاع السينمائي من خلال التنظيم القانوني والمهني والدعم المنتظم والمستمر انتعاش التعبيرات السينمائية والسمعية البصرية وتراجع أشكال التعبير الفني الاخرى، أما من الناحية السوسيولوجية فيمكن اعتبار الإنسان المغربي مجبولا على الفرح والاحتفال، وقد كانت القبيلة والعشيرة تنظم مواسم وطقوس احتفالية تتقاسم فيها الفرح والحلم الجماعي الذي يدعم ويحافظ على الروابط الاجتماعية بين افرادها.

 واذا كانت هذه المواسم والطقوس الحياتية مرهونة في المغرب العتيق بالظواهر الطبيعية وبالطقوس الحياتية التي تمنحها المعنى والهوية فإن الحياة المعاصرة قد وسمت هذه المهرجانات بنوع من التضخم والفوضى والتسيب.

ولكي تحتفظ هذه المهرجانات بجديتها وجاذبيتها كفعل ثقافي وفني، وكدينامية مجتمعية ايجابية لابد طرح التساؤلات حول السياسة الثقافية  المؤطرة لهذه الاجواء والمناخات.

ان المتتبع لبرامج الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن السياسي للبلاد سيلاحظ خلو هذه البرامج من المشروع الثقافي المتكامل، كما أن سيرورة الممارسات الحزبية تهمش الفعل الثقافي وتعتبره شيئا  ثانويا قد يصلح أحيانا للتأثيث والمزايدات السياسوية.

وقد فرض هذا الوضع المزري للشأن الثقافي على الفعاليات المتنورة والغيورة وبعض جمعيات المجتمع المدني محاولة تعويض هذا الفراغ القاتل على المستوى الثقافي والفرجوي الممتع والمفيد لأن مكونات المجتمع المدني الفنية والفكرية ترى ان للثقافة دورا مركزيا في دعم وتطوير الملكات العقلية والفكرية والجمالية للمواطن المغربي، كما ان الثقافة تمكنه من ادوات المقاومة التي تساعده على مواجهة العولمة المتوحشة بوجهيها التجاري والسياسي الذي يسعى الى اجتثات الهوية الاصلية وتفتيت الرابط الاجتماعي من خلال خلق تشرذم يحفز النزعات العرقية والاثنية واللسانية والمذهبية.

ومن اهم وسائل الاتلاف والتهويدالتي تستعملها الشركات المتعددة الجنسيات تعويض النتاج الثقافي والفني بتصنيع وتسويق بضاعة التسلية عبر وسائط الاتصال الحديثة واعتبارها بديلا ثقافيا جماهيريا يعوض المستهلكين عن الثقافة والفن الجديين.

وفي خضم الحماس والمبادرة الفردية والجماعية من اجل ملء هذا الفراغ وتلبية حاجة المواطنين الى الفن والثقافة والفرجة السينمائية سقطت كثير من المهرجانات والتظاهرات السينمائية في اخطاء تنظيمية ومهنية يمكن تلخيصها فيما يلي:

عدم وضوح الرؤية، وغياب المشروع الفني والثقافي، وانعدام الخبرة والتجربة والمهنية، وسيادة الهواية والبريكولاج والتكرار والتشابه في المضامين، وغلبة الموسمية والفولكلورية والاستعراضية الوهمية، انعدام الكفاءة والتخصص والتفرغ، انعدام الشفافية وسوء التدبيروالتسيير، وسوء التنظيم.. غير أن هذه الملاحظات التي تلخص هذه الظاهرة المهرجانية  تثبت في نفس الوقت ما وصلت اليه بعض المهرجانات من حرفية ومهنية متميزة لأن وراءها فريق متكامل ومنسجم يجمع بين وضوح الرؤية والهواية والاحتراف والكفاءة والنزاهة والمسؤولية.

ولحاولة الاستجابة لهذه الديناميكية المدنية التي خلقتها فعاليات المجتمع المدني  وللمساهمة في تنظيم ودعم وانعاش الحقل الثقافي والفرجوي السينمائي ولانهاء سياسة الريع المزمنة والتي كانت سائدة في هذا المجال اصدرت الدولة مرسوم قانون ينظم دعم المهرجانات السينمائية من اجل تعزيز الاحترافية والمهنية والارتقاء بالمستوى التنظيمي وضمان الاستقلالية للمهرجانات السينمائية وذلك اعتمادا على تصنيف هذه المهرجانات الى اربع فئات تخضع كل فئة منها الى شروط ومعايير تضمن استفادتها من الدعم وخضوعها الى قواعد تنظيمية تتعهد فيها الجهات المنظمة باحترام برنامج المشروع والالتزام بالاشراف على تنفيذه.

ان ظاهرة المهرجانات في المغرب ظاهرة  ايجابية وحضارية تجيب عن حاجة حيوية للجمهور المغربي وتشبع نهمه وتطلعه لما هو عصري وحديث وتبين وبجلاء تطلعاته الفنية والثقافية ورغبته في التفاعل مع محيطه المحلي والقومي والعالمي. وللعمل على استمرار هذه المهرجانات وتطويرها وانقاذها من التسيب والفوضى والتمييع لا بد أن نعيد طرح السؤال حول المشروع الثقافي المجتمعي وحول السياسة الثقافية بشكل عام وحول التصور التقليدي للمهرجانات والتظاهرات الثقافية.

ان المهرجان تصور فلسفي اي “اكورا” Agoraبالمفهوم الاغريقي واختيار ثقافي وتوجه فني وجمالي مرتبط بهوية محددة، وهو في نفس الوقت تواطؤ رمزي وعملي بين المنظمين والفاعلين الفنيين والثقافيين ومؤسسات العرض والمدارس والجامعات والجمهور الواسع والمؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية من أجل تأسيس وتأصيل وتدبير مشروع مشترك يتميز بهوية ترسو في خصوصية المجال الجهوي. وينبغي ان يتحقق هذا في اطار العمل المشترك من اجل خلق نسق من العيش المشترك لان العمل التشاركي يساهم في خلق الانسجام الاجتماعي.

ان المقاربة الحديثة المبنية على الديمقراطية التشاركية تتطلب القطع مع النظرة التقليدية للفعل الثقافي الفرجوي باعتباره حقا ديمقراطيا يفترض اشراك المواطنين في المساهمة في ترويج وتنظيم الفعل الثقافي عوض ان نعد لهم وندعوهم للفرجة في اخر لحظة.

ان هذا التصور الديموقراطي سيجعلنا نعيد التساؤل من جديد حول اهمية الثقافي في الحياة اليومية للمواطن، وسيحيلنا كذالك على التفكير في مراجعة العلاقة السائدة بين الفني والثقافي والسياسي باعتبارهما المدماك المحرك لمعنى وجوهر الحياة التشاركية داخل المجتمعات المتحضرة.

ان المهرجان اداة ووسيلة لبلورة الانخراط في الحراك الجماعي والمساهمة الفعالة في الفعل السياسي بمعناه العام والنبيل. انه يساعد على انبثاق فضاءات  للتجمع والحوار والتعايش السلمي، كما لاينبغي ان يقتصر دور المهرجانات على التنظيم والتنشيط فقط بل عليها ان تصبح ارضية للتفكير والتجريب والتكوين والتأطير لدفع المواطنين الى أخذ المبادرة وخلق مشاريع فنية وثقافية جديدة ومتنوعة.

هذا على المستوى العام اما على المستوى الخاص فان الهدف من المهرجان السينمائي هو ان يكون على وعي بأن الحقل السينمائي قد افسدته العولمة وتجارة التسلية، وعليه فالمطلوب من الفريق الفني ان يعرف الجمهور على اعمال ابداعية لمخرجين مؤلفين يعتمدون في كتاباتهم السينمائية على الفن والتجريب وتكون أفلامهم جريئة وشجاعة في طرح قضايا حميمية وكونية تستفز العقل والوجدان وتدفع الى التأمل والتفكير  والبحث عن أفلام ملحة وجذرية  تعانق الاشكاليات المستعجلة وتتبنى كتابة سينمائية حديثة ومجددة، مغامرة في شكلها ومضمونها، تكسر النمط المهيمن وتفتح آفاقا للحلم والمغامرة..

كما يعمل المهرجان على ربط علاقات صادقة ودائمة مع سينمائين ونقاد ومثقفين وكتاب يحملون معهم حبا خاصا للمهرجان ويتكلفون بمساعدته وطنيا ودوليا من خلال الأفكار والمقترحات والانتقادات من أجل التطوير المستمر ومن أجل خلق شبكة علاقات ثقافية وطنية ودولية تدعم الرأي العام الثقافي وتساهم في تكوين جبهة قوية ومنظمة لنشر الثقافة والفرجة الجيدة الممتعة والمفيدة التي تجعل الإنسان محورها ومقاومة قوى الفساد التي تسربت الى المجال الثقافي والفني فأفسدت الذق الجمالي بعدما أفسدت الذوق االسياسي.

Visited 11 times, 1 visit(s) today