“المشروع إكس”.. هل يعيد كريم عبد العزيز أسطورة أنديانا جونز؟

د. ماهر عبد المحسن
بيتر ميمي مخرج موهوب، ولديه طموح سينمائي كبير، قدم الكوميديا الاجتماعية والأكشن، وبرع في الأخير منذ “حرب كرموز” و”كازابلانكا” و”موسى” حتى آخر أعماله “المشروع إكس” المعروض حاليا بالسينمات.
و”المشروع إكس” فيلم مغامرات توافرت له كل عناصر النجاح الجماهيري، نجوم بحجم كريم عبد العزيز وإياد نصار، تصوير في بلدان مختلفة، مصر وإيطاليا والسلفادور، كادرات بصرية جذابة في الصحاري والبحار، مطاردات بالسيارات والقطارات والطائرات والموتوسيكلات، قتال بالأيدي والسلاح، حرائق وانفجارات، قصة خيالية مثيرة، وأجواء تذكرنا بسلسلتي أفلام أنديانا جونز وجيمس بوند.
القصة كتبها بيتر ميمي، والسيناريو بالاشتراك مع أحمد حسني. تدور الأحداث حول يوسف الجمال (كريم عبد العزيز) عالم الآثار الذي بدأ مشروعا أثريا مع زوجته شمس (هنا الزاهد) يسعيان فيه للبحث عن غرفة سرية داخل الهرم الأكبر، وفي هذه الغرفة، بحسب البحث، يكمن السر الذي يتجاوز فكرة أن الهرم كان مجرد مقبرة، خاصة أن جدرانه من الداخل لا تحمل أي نقوش جنائزية. تموت الزوجة في حادث مدبر، ويقرر يوسف أن يستكمل المشروع بتمويل من جهات أخرى غامضة، ستكشف عنها الأحداث فيما بعد، ويمثلها آسر (إياد نصار). يستعين يوسف بمريم (ياسمين صبري) التي تعمل مدربة غوص في البحر الأحمر، وشقيقها مورو (أحمد غزي) الفتى الشقي الذي يقيم في إيطاليا ويساعدهم في دخول مكتبة الفاتيكان. ينضم إلى الفريق القناص صقر (عصام السقا)، وتخوض المجموعة مغامرة مثيرة للحصول على المخطوط الذي يحوي السر الذي يبحثون عنه.
المتتبع للتاريخ السينمائي القصير لبيتر ميمي، بخاصة أفلامه التي كتب لها القصة بنفسه مثل “الهرم الرابع” و”حرب كرموز” و”موسى” و”المشروع إكس”، سيدرك أن لميمي مشروعا طموحا يحاول من خلاله أن يقدم سينما مصرية تقترب من العالمية على مستوى الصورة والحركة. غير أن ما يعيبه هو اعتماده كثيرا على النقل من السينما الأمريكية بنحو يكاد يكون حرفيا، خاصة في الأفكار السينمائية ومشاهد الأكشن. في فيلم “المشروع إكس” حاول ميمي أن يتلافى هذا العيب وأن يعتمد على قصة مصرية خالصة تتعلق بالخصوصية الحضارية لقدماء المصريين متمثلة في الهرم الأكبر محور الأحداث.
نجح ميمي، كعادته، في تقديم فيلم جماهيري يحطم الإيرادات، لأنه برع في تصوير مشاهد الحركة، والانتقال بالكاميرا إلى فضاءات جديدة، مظاهرات المعارضة في روما، مكتبة الفاتيكان، حرب العصابات في السلفادور، الممرات السرية في الهرم الأكبر، تفجير غواصة روسية غارقة في قاع البحر منذ الحرب العالمية الثانية.
لم يهتم السيناريو كثيرا بتعميق قصة الهرم الأكبر، ولم يتطرق للأطراف صاحبة المصلحة التي كان من الممكن أن تدخل في الصراع، كما شاهدنا في فيلم “الكاهن” ل”عثمان أبو لبن”، الذي كشف عن الوجه الماسوني في اللعبة، وكما شاهدنا في فيلم “لص بغداد” لأحمد خالد موسى الذي دارت أحداثه حول قصة شبيهة، البحث عن مقبرة الإسكندر الأكبر، وتم نقل مشاهد كاملة من أنديانا جونز!

كما لم يهتم السيناريو برسم شخصياته بعناية فبدت ضبابية ومسطحة بحيث لا تعرف لها تاريخا واضحا ولا دوافع محددة سوى أنها تعمل في مشروع يوسف بدافع الحب كما في شخصية مريم، أو الولاء كما في شخصية مورو، أو المال كما في شخصيتي آسر وصقر. ربما كانت شخصية يوسف الجمال هي الأكثر عمقا، فلها تاريخ وهدف واضحين، ويبدو أن السيناريو أراد أن يضفي على الشخصية شيئا من الأبعاد النفسية المعقدة في محاولة لتكرار شخصية الدكتور يحيى التي لعبها كريم عبد العزيز من قبل، غير أن بيتر ميمي وأحمد حسني لا يتمتعان بسعة خيال أحمد مراد صانع أسطورة الفيل الأزرق التي جاوزت الحدود، ومنحت كريم عبد العزيز مساحة كبيرة لاختبار قدراته التمثيلية.
أدى إهمال الشخصيات إلى أداء باهت من معظم أبطال العمل، فجاء أداء ياسمين صبري نمطيا، وأداء إياد نصار متكررا لم يضف كثيرا إلى تاريخه، خاصة أنه قدم أدوارا سابقة شبيهة بدوره في هذا الفيلم، وأجاد عصام السقا في الحدود التي سمح بها الدور. ويمكن اعتبار أن أحمد غزي هو صاحب الأداء الأفضل في فريق العمل، خاصة أنه نجح في التعبير بالإيطالية، والتلون في الأداء بحسب المواقف التي وضعه فيها السيناريو.
المبالغات الكثيرة التي حفلت بها أحداث الفيلم أسفرت عن شخصية أسطورية جمعت بين سمات أنديانا جونز أستاذ التاريخ المهووس بالتاريخ والتنقيب عن الآثار الغابرة، وبين جيمس بوند العميل السري الذي يتمتع بقدرات هائلة، فيجيد فنون القتال وقيادة السيارات والموتوسيكلات والغوص تحت الماء!
يحسب لبيتر ميمي أنه نجح في تنفيذ مشاهد الأكشن والانفجارات، واختيار زوايا تصوير مناسبة للأحداث السريعة الساخنة بالرغم من عدم منطقية الكثير منها. انتهى الفيلم بمشهد يوحي باعتزام صنّاعه إنتاج جزء ثان، وهو إيحاء يفقد معناه عندما نضع في اعتبارنا أن ميمي دأب على فتح ملفات لم يكن حريصا على إغلاقها كما فعل في أفلام “الهرم الرابع” و”موسى”، وكما وعد بسلسلة المستضعفين ولم يضف إليها شيئا حتى الآن!

جاءت موسيقى أمين بوحافة مناسبة للأجواء التاريخية التي حفل بها الفيلم من ناحية، ولمشاهدة التشويق والحركة من ناحية أخرى. احتشد الفيلم بعدد كبير من ضيوف الشرف الذين أجادوا في الدقائق القليلة التي ظهروا فيها مثل ماجد الكدواني وكريم محمود عبد العزيز وأمير كرارة، كما أضفى مصطفى غريب مسحة مبهجة من الكوميديا وسط أجواء كانت مليئة بالتوتر في مشهد مكتبة الفاتيكان.
ويظل كريم عبد العزيز نجم صاحب كاريزما خاصة، مضمونة الجماهيرية والنجاح، لكن المتتبع لأعماله الأخيرة “البعض لا يذهب للمأذون مرتين” ، “كيره والجن”، “بيت الروبي”، “المشروع إكس” سيدرك أن كريم لا يمضي على خط واضح، وأنه ربما يعمل، بدافع من حب السينما، كيفما اتفق، لذلك يحق لنا أن نطلق عليه لقب “بطل بالصدفة”!!
لكن، هل يمكن لكريم عبد العزيز أن يعيد أسطورة أنديانا جونز في السينما المصرية؟ لا خلاف على أن كريم يتمتع بكاريزما النجم الذي تسعى إليه الجماهير العربية وتحرص على مشاهدة أفلامه بنحو ما تسعى الجماهير إلى أفلام هاريسون فورد. بالإضافة إلى أن الموضوعات التي تنتمي إلى الحقول التاريخية والأثرية توجد بكثرة في الثقافة المصرية، حتى الشعبية منها! فقط السلسلة تحتاج إلى سيناريست متخصص في هذا اللون من الموضوعات بحيث يوقف جهوده على كتابة سلسلة أفلام بنحو أكثر احترافية، وجهة إنتاج تؤمن بالفكرة، ومخرج يمتلك أمكانيات بيتر ميمي دون طموحه الكبير الذي يجعله يهيم في كل واد ولا يفعل ما يقول، أي لا يفي بما يعد به!