المثلية والحب المحرم في فيلمين من أفلام مسابقة مهرجان كان

من قبل أن يأتي فيلم “كارول” للمخرج الأمريكي تود هيانس إلى مهرجان كان، وسمعته تسبقه كعمل كبير ينتظر أن يحقق اختراقا أمريكيا نادر الحدوث منذ سنوات، في مهرجان كان، وربما ينجح في انتزاع السعفة الذهبية، أو على الأقل، جائزة أحسن ممثلة لبطلته كيت بلانشيت.

الفيلم يستند إلى سيناريو متماسك، مقنع، مكتوب بحرفية عالية، وهو مأخوذ عن رواية بعنوان “ثمن الملح” لباتريشيا هايسميث صدرت عام 1990، لكن أحداثها تدور في نيويورك أوائل الخمسينيات. ويصور الفيلم ببراعة كبيرة، العلاقة العاطفية التي تربط بين امرأتين من طبقتين مختلفتين. أولهما امرأة ثرية من الطبقة العليا هي “كارول” (كيت بلانشيت)، وهي متزوجة ولديها ابنة، لكنها تعاني من تفسخ علاقتها الزوجية، في حين يتشبث زوجها بالابقاء على تلك العلاقة بأي ثمن، ويتمادى في مطاردتها وتهديدها مطالبا إياها بالعودة إليه أو حرمانها من رعاية ابنتها.

أما المراة الثانية فهي تيريز، شابة في مقتبل العمر تعمل بائعة في محل تجاري، وهي مرتبطة بخطيبها الشاب، لكنها تجد في كارول الدفء والحب الذي تفتقده في علاقتها بالرجل فتنجذب إليها لكنها تظل مترددة في ترك نفسها تنغمس تماما في تلك العلاقة. إنها مازالت تتلمس طريقها، تحاول أن تعرف حقيقة مشاعرها. لكنها لا تستطيع أيضا مقاومة الانجذاب بقوة إلى كارول.

تتطورالعلاقة بين المرأتين، إلى علاقة جسدية كاملة، في إطار علاقة الحب التي لا تفتقر للكثير من التفاصيل الدقيقة التي تميز أي علاقة عاطفية لكنها هنا علاقة مثلية واضحة، يصوغها المخرج (وهو نفسه من المثليين) في سياق بصري أخاذ، من خلال اخراج واثق متمكن، يعرف كيف ينتقل من لقطة إلى أخرى، ومن موقف إلى آخر، وكيف يدفع الموضوع إلى الأمام دون أن يسقط في الكليشيهات المألوفة، ودون أن يبالغ في تصوير المشاهد الجنسية على غرار ما فعل عبد اللطيف كشيش في فيلمه “حياة أديل” الذي يفتقد كل ما يميز فيلم “كارول” بتفاصيله البصرية الثرية، كما يعيبه بالطبع التركيز على العلاقة الجسدية المجردة في مشاهد طويلة مليئة بالاستطرادات والدوران حول الفكرة الواحدة.

 فيلم “كارول” يعتمد على اللقطات التي تلتقط من داخل الممرات.. من وراء النوافذ.. تحت المطر.. من خلف زجاج النوافذ.. وفي مرحلة ما، يتحول إلى فيلم من أفلام الطريق، حينما تنتقل البطلتان معا من مكان إلى آخر بالسيارة، يقمن خلال ذلك في موتيلات على الطرق، ولكن دون أن يحيد أبدا عن موضوعه، أو يضل طريقه في تفريعات أخرى.

جمال الصنعة

إن كل شيء في الفيلم يبدو مصنوعا بدقة عالية: الإضاءة، تكوين اللقطات، الديكورات، الحركة الرصينة المحسوبة في المكان، تصميم الملابس، الاكسسوارات، تصفيفات الشعر، طرز السيارات.. إلخ، كما يتميز الفيلم بالموسيقى التصويرية التي تجعل من شريط الصوت هنا عملا لا ينفصل عن جسد الدراما التي لا تصل إلى الميلودراما رغم الاغراء الكامن في السيناريو.

ومن أهم عناصر الفيلم المستوى العالي للتمثيل الذي يجعل كيت بلانشيت من المرشحات للحصول على جائزة أحسن ممثلة في كان، إن لم يحصل الفيلم نفسه على جائزة رئيسية، كما يتميز أداء الممثلة الناشئة الجميلة روني مارا في دور تريز التي تذكرنا في العديد من مشاهد الفيلم بالراحلة أودري هيبورن، بنظرات عينيها اللتين تحملان كل براءة العالم، بحيرتها وترددها وخجلها وتعلثهما لكنها تمضي باصرار في اختيارها بعدما تدرك أن حياتها لن تكون سوى مع كارول.

الملاحظة الوحيدة على الفيلم تتعلق بغياب رؤية (فلسفية عميقة) تتجاوز قصة الحب الغامضة التي نخرج عن المألوف، حيث تصل المرأتان في تشبثهما بعلاقتهما إلى حد التخلي عن الابنة وعن الخطيب، عن الهدوء والاستقرار الاجتماعي مع الاندفاع الغامض وراء تلك العاطفة الغامضة. إنها قصة حب غريبة، اظل غريبة وتبقى دوافعها غامضة، ولكن لعل هذا الغموض تحديدا هو سبب جمال الفيلم!

قتل فيلم

الفيلم الثاني هو الفيلم الفرنسي “مرجريت وجوليان” للمخرجة فاليري دونزيللي، وهو أحد الأفلام الفرنسية الخمسة في المسابقة، لكنه رغم طموح فكرته وجمال تصويره، وجرأة موضوعه، إلا أنه لا يرقى إلى مستوى طموح الفكرة. والموضوع يدور حول قصة حب ربطت بين فتى هو جوليان، وشقيقته جوليت، والاثنان ينتميان الى الطبقة الأرستقراطية في فرنسا القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر.

هذه العلاقة الغريبة المرفوضة اجتماعيا والمجرمة قانونيا في ذلك الوقت، تستمر رغم كل محاولات الأسرة القضاء عليها بشتى الطرق، بما في لذك تزويج الفتاة الى رجل يكبرها في العمر، ترفض معاشرته جنسيا، وتتمكن من الهرب من ضيعته بمساعدة شقيقها جوليان. تعود الفتاة الى منزل الأسرة، تلتقي جوليان سرا، يحذ قس من اقارب العائلة والد الشابين من عواقب العلاقة الآثمة، ولكن الأم لا تجد وسيلة هو مساعدتهما على الهرب، لكن زوج مرجريت يقاضيها ويتهمها بممارسة الإثن خاصة وقد حملت وانجبت من شقيقها. 

لقطة من فيلم “مرجريت وجوليان”

يفشل الاثنان في الهرب الى إلى انجلترا عبرالبحر، ويتم القبض عليهما تقديمهما للمحاكمة ويعدما بقطع الرأس عام 1603.

كان يمكن أن يكون لهذا الموضوع لو تمت صياغته الدرامية في سياق كلاسيكي رصين، ـأثير أكبر، خاصة وأنه يمتليء بالمشاعرالجامحة التي ترحكها دوافع غامضة شأن فيلم “كارول” لكن المشكلة تتمثل أولا في أن المخرجة تعاملت مع الموضوع ببرد وتعمدت تجريده من المشاعر حتى أننا لا نشاهد أي مشهد حميمي في علاقة الشاب والفتاة بل فقط مجرد العاب ايروتيكية في البداية، ثم جنس وحشي على أرضية من الطين في الغابة دون أي مقدمات، وثانيا تحاول المخرجة كسر الايهام بوسيلتين: الأولى أن تجعل القصة تروى في الزمن المضارع الحالي، ترويها فتاة شابة لمجموعة من الفتيات يتحلقن على الفراش، وهو ما يثير التساؤل حول ما يمكن أن يصل للأطفال من هذه القصة، وثانيا ادخال الكثير من المشاهد في بداية الفيلم ونهايته لطائرات هليكوبتر، بل ونرى في احدى هذه الطائرات في أحد المشاهد جوليت وهي تصرخ تريد انقاذ جوليان من المصير الذي ينتظره، وهو صراخ سيظل يتردد طويلا.

فقدان الهدف

يفقد الفيلم مغزاه الحقيقي بسبب الرغبة في تحويل القصة التاريخية التي تدور في مجتمع فرنسا قبل الثورة الفرنسية بقرنين، تحويلها إلى قصة من تلك الحكايات التي يمكن أن نرويها للأطفال عن ذلك الحب المستحيل الذي كان محرما ولايزال.

ويعاني الفيلم من الأداء التمثيلي العصبي المتشنج، ومن الكثير من المبالغات في تصوير قبح شخصية الزوج، وأمه التي تقوم بدورها جيرالدين شابلن التي تظهر بأطنان من مساحيق التجميل على وجهها بحيث تبدو كشخصية كرتونية مثيرة للضحك أكثر من الفزع!

لكن السينما اختيارات، وقد اختارت المخرجة أن تعبث بالسيناريو الأصلي الذي قيل إن فيلمها يعتمد جزئيا عليه، وهو السيناريو الذي كتبه جون جرول لكي للمخرج الراحل فرنسوا تريفو، الذي لم يمهله القدر لكي يحوله إلى فيلم.

Visited 199 times, 1 visit(s) today