الفيلم الإيراني القصير بين الاقصاء أو البقاء
بات الفيلم الروائي هو المسيطر على السينما دون منازع، متناسين أنّ السينما تأسست على الفيلم القصير حيث كان الفيلم بين دقيقة وخمس دقائق في بداية القرن العشرين. وفي العام 1905 أصبح وقت الفيلم المعتمد بين 13دقيقة و 16 دقيقة. مع الفيلم الصامت “ولادة أمّة” (1915) للمخرج ديفيدغريفيت المقتبس عن رواية توماس ديكسون “رجل الجماعة”، ظهر أول فيلم طويل بالمعنى العصري، ولا يمكن انكار دوره في تثبيت الزمن السينمائي للفيلم الطويل بين ساعتين وساعة ونصف.
بعد نقاشات مطوّلة، صدر الاعلان الذي انتظرته شريحة سينمائية معظمها تصنععالمها السينما في الهوامش، وهي هوامش جغرافية وثقافية، لكنها هوامشسينمائية غنية بمحتواها الذي يتجدد مع كل فيلم قصير. فمازال المنتجالسينمائي القصير يتجدد عبر هامشيته، فموضوعه المهمش يعيد صياغته عبرفيلم قصير جدا.
وجاء في اعلان مهرجان فجر السينمائي الدولي السادس والثلاثين: سيستقبلالمهرجان هذا العام الأفلام القصيرة التي لا يتعدى زمنها ال 15 دقيقة(الحدّ الأقصى 10 أفلام). وسيحصل الفيلم الفائز على العنقاء البلورية.
وتأتي أهمية هذا الاعلان مع الاعين المتقربة للاعلان البتّ في أفلام ليست بقليلة. ينتظر المخرجون الإيرانيون المنفذ الأقوى لأفلامهم، مهرجانيّ فجر الدولي والوطني، الذي يعدّ أهمّ حدث ينتظره صنّاع الفيلمالقصير لعرض أفلامهم على جمهور واسع. ولا يغيب عنا أنّ المهرجان قد أوقفعرض الفيلم القصير في مهرجان فجر لأكثر من ثلاث سنوات مما أدّى إلىنقاشات واسعة بين مؤيدين ومعارضين للفكرة.
يُنتج سنويا في إيران 2500 فيلما قصيرا. هكذا إذاً ودون مقدمات، نحن أمامرقم يثير الدهشة وقد يحيلنا إلى التساؤل عن سينما الفيلم القصير فيإيران التي ربما أننا لم نسمع عنها، أو لم نعتن بها: أين موقعها في إيران وخارجه؟ وهل استطاعت هذه الأفلام رغم قصرها منافسة، أو على الأقل،طرح نفسها بقوة الأفلام الروائية الإيرانية؟
تنتج فرنسا سنويا 600 فيلما قصيرا، وهو عدد لا يضاهي ما تنتجه إيران، ولكن.
يقول المخرج الإيراني شهرام مكري، وهو مخرج للأفلام القصيرة وحازت أفلامهعلى ثلاث عنقاوات من مهرجان فجر و4 دروع من مهرجان الفيلم القصير في طهران، عن حجم الأفلام القصيرة: الأفلام القصيرة ال600 في فرنسا، هي أفلام احترافية وخُصصت لها ميزانية احترافية، ولكن في إيران إذا أردناالنظر عبر هذه الاحترافية، فسنجد أنّ 50 فيلما قصيراً فقط ينتج سنويا في إيران.
بدأ الفيلم القصير في إيران منذ الستينيات، مع تأسيس التفلزيون الإيراني العام 1966 حين بات الفيلم القصيرة حاجة ملحة لملأ الوقت. ويعدّ فيلم “الشارع” إخراج “هجير داريوش” أول فيلم قصير إيراني. وتعتبر السبعينيات فترة ازدهار الفيلم القصير في إيران، المركز الذي لعب دورا مهما في حقلين، الحقل التوثيقي والقصير لا تقتصر مساهمة “مركز الانماء الفكري للطفل واليافعين” في اصدار الكتب والمجلات فقط، وهي كتب أسست لأدب الطفلبصورة مركّزة، بل ساهمت في نقلة نوعية للفيلم القصير، حيث طالب باحترافية القصة والشكل، وبات للمركز اطار خاص به يطالب الفيلم بعدم تجاوزه. ورغم أنّ معظم الأفلام القصيرة في هذه الفترة كانت خبرية، إلا أنّ فيلمين قصيرين لفتا الانتباه ( فيلم “المشكلة” لبهرام ري بور و”النبي” لحسين ترابي(.
منذ عام 1979 وحتى العام 1989، أي على مدى عشر سنوات، انتج أكثر من 300 فيلما قصيرا.
ويرى مخرج الأفلام القصيرة حسن نجفي أنّ: الأفلام القصيرة في إيران تفتقد هويتها، وهذا موطن ضعفها.
ويوجّه نقده للأفلام الطويلة والروائية الإيرانية قائلاً: أعتقد أنّالكثير من الأفلام الطويلة “الإيرانية” يمكنها أن تكون تجارب قصيرة، أيتفتقد لزمن التسعين دقيقة، ما هي إلا أفلام قصيرة مددوا وقتها لتناسب العرض.
ويجد النقاد في إيران في المخرج علي محمد قاسمي خروج الفيلم القصير من دائرته الضيقة والمحاصرة في المهرجانات الداخلية، ففيلمه القصير “فتىمثلي” وصل لمهرجان كان. وفي هذا الفيلم يستخدم المخرج قاعدة ثابتة لتصوير زقاق يمر ببستان في نهايته مرافق صحية يصرخ منها فتى منادياً على صديقه ومستغيثاً لأنّ الماء مفقود… وفي أفلام قاسمي القصيرة يحاكي المشاهد الطويلة لتاركوفسكي.
في خطوته لهذا العام، يعد مهرجان فجر السينمائي الدولي السادس والثلاثين جمهوره، بباقة مميزة للأفلام القصيرة، من داخل إيران ومن خارجها. بعد انتظار حسم حضوره الأفلام القصيرة أو عدمه.