الفنان السينمائي المجري بيلا تار: حياته وأعماله

دانييلا يوجا

ترجمة: ممدوح شلبى

فى عام 1986 علق بيلا تار مازحاً على إشتراكه فى المهرجانات السينمائية قائلاً “منذ أن أصبح إسمى بيلا تار وانا اتعامل بإحترام فى المهرجانات الدولية”. فالإسم الأول فى المجر وإسم العائلة يتم كتابتهما بطريقة عكس الشائع فى اللغات الأوروبية، فإسم العائلة يأتى أولاً وإسم الشخص وأبيه ياتى بعد ذلك، وبناءاً عليه، عندما يخاطب المجريين شخصاً أجنبياً فإنهم عادة يقلبون ترتيب الأسماء مما يجعل هذا الأجنبى يتعجب، وعندما نرى أو نسمع أن إسم أحد المجريين مكتوباً بطريقة عكسية فنحن نعرف أن هذا الشخص إما ان يكون خارج المجر أو أنه مُشار إليه فى نص أجنبى. ” وكون ان الأسم أصبح بيلا تار فهذا معناه انه نال شهرة عالمية”.

إكتسب “تار” شهرة عالمية وتقديراً متزايد، وكان التقدير الذى ناله فى بلاده يختلف عن التقدير الذى يستمتع به عالمياً، فعلى مدار ستة عشر عاماً كان “بيلا تار” مختلفاً عن “تار بيلا”.

وُلد بيلا تار عام 1955فى “بيكس” فى جنوب المجر، وفى عيد ميلاده الرابع عشر حصل على كاميرا “8 مللى” من والده، وفى عمر السابعة عشر تسببت هذه الكاميرا فى جلب المتاعب له، وفى أثناء دراسته فى المدرسة الثانوية، إنخرط أيديولوجيا فى بعض الحركات اليسارية التى تنتمى للماوية، هذه المجموعات اليسارية وعلى الرغم من انها كانت تتكون من مثقفين وفنانين، إلا أنها أنشأت وعياً فيما يخص الطبقة العاملة والعمال اليدويين.

وهذه المجموعات تحلقت حول فرق موسيقية مثل فرقة مونزون “Monszun” وحول فرق مسرحية مثل فرقة أورفيو “Orfeo”، وبينما كان بيلا تار مازال طالباً فى المدرسة الثانوية، فإنه ذهب للعمل بإنتظام فى ترسانة لبناء السفن، وإنضم لهذه المجموعات فى زياراتهم المتواصلة للمناطق العمالية والمساكن العمالية، وفى احدى هذه المناسبات، تقابل بيلا تار مع مجموعة من العمال الغجر الذين كتبوا رسالة إلى “جانوس كادار” سكرتيرعام حزب العمال الإشتراكى المجرى، يطلبون منه أن يمنحهم تصريحاً ليتركوا المجر لكى يعملوا فى النمسا، لأنهم لا يستطيعون العثور على أعمال كافية فى المجر.

بدا هذا الطلب شديد العبثية فى عام 1971 فى بلد كان يُلزم من يريد ان يزور قريباً له فى الخارج أن يستخرج تصريحاً خاصاً، وهذا الأمر كان يضع الشخص الذى يحاول ذلك فى محنة كبيرة.

هذه القصة ألهمت بيلا تار الذى كان عمره ستة عشر عاماً أن يطلب من هؤلاء العمال الغجر أن يتحدثوا عن هذا موقفهم ودوافعهم أمام كاميرته، وبمساعده من إثنين من أصدقاءه، أنشأوا مجموعة سينمائية أسموها “دزيجا فيرتوف” (تشبها بمجموعة دزيجا فيتوف التى أنشأها جان لوك جودار وجان بيير جورين).

وعملت مجموعة دزيجا فيرتوف لبيلا تار فيلماً تسجيلياً عن هؤلاء الغجر- وهؤلاء العمال الذين ظهروا فى هذا الفيلم إختفوا منذ ذلك الحين- وأرسل بيلا تار الفيلم إلى مهرجان سينمائى لأفلام الهواة حيث فاز بالجائزة الأولى.

هذا النجاح جعل بيلا تار شديد الفخر بفيلمه، حيث تمنى ان يشاهده كل الناس وخاصة العمال، ولذلك فقد كان يأخذ آلة العرض وشريط الفيلم ويذهب ليعرضه مرات عديدة أسبوعياً فى أماكن إقامة العمال، وكان ينصب الشاشة ويجهز المعدات ويعرض الفيلم على العمال العائدين من المصنع إلى بيوتهم، لقد رسم بيده لوحات دعائية “بوستر” عن الفيلم للإعلان عن هذه العروض السينمائية فى اماكن سكن العمال.

وبالنسبة للعمال فقد إستقبلوا هذه العروض بحماس، لكن الحزب الشيوعى لم يرق له الأمر، وفى احد الأيام وبينما هو فى المدرسة تلقى بيلا تار أمراً بأن يذهب إلى مكتب الحزب فى الحى لكى يشرح لهم ما يقوم به ولكى يعرض الفيلم على مسؤولى الحزب، وعندما شاهد مسؤولى الحزب هذا الفيلم لم يقولوا شيئاً، وتركوه يذهب، ولم يترتب على ذلك أى شيئ، لكنه وبعد عام عندما انهى المدرسة الثانوية، أراد ان يلتحق بالجامعة، فقيل له أن يصرف نظره عن ذلك ولا حتى ان يفكر فيه، فكان محروماً من التعليم فى اى مؤسسة تعليمية فى المجر، وبناءاً عليه فقد ذهب للعمل فى ترسانة بناء السفن وإستمر هناك عامين، لكن بنيته الجسمانية الهزيلة لم تكن مناسبة للعمل الشاق الذى يتطلبة العمل فى بناء السفن، فأرسل طلباً لقسم الفلسفة فى جامعة “إلتى” “ELTE” ببودابست.

عن البيان الشيوعي

وفى إمتحانات القبول صدم بيلا تار الأستاذ الذى يمتحنه عندما قال له ان البيان الشيوعى لماركس كان مثل العمل الادبى أكثر من كونه برنامجاً سياسياً، وان الشيوعية كانت حركة اكثر من كونها تشكيلاً سياسياً مؤسسياً، فلم ينل بيلا تار الموافقة على طلبه، وحصل على وظيفة بواب لأحد المراكز الثقافية فى واحدة من المناطق العمالية فى بودابست، وفى هذه الأثناء واصل بيلا تار إخراج أفلام الهواة، وحصل أحدها على جائزة ثانية فى مهرجان ثان لسينما الهواة، وكانت لجنة التحكيم تتكون من مخرجين من بينهم إستفان دارداى وجيورجيز زالاى، وهما عضوان مهمان فى جماعة لمخرجى السينما التسجيلية يعملون فى نوع من السينما شبه التسجيلية وشبه الروائية، وحصل بيلا تار على دعوة منهما للعمل كمساعد فى مشروعهما القادم، فيلم ساجا (فيلم –ريجينى 1977).

وفى سن العشرين من العمر توفر لبيلا تار أن ينتمى للإخراج السينمائى الإحترافى.

فى هذه الأثناء، كان لدى بيلا تار بالفعل مشروع سينمائي يعمل فيه، وجزء من هذا المشروع كان الفيلم الذى فاز بالجائزة فى مهرجان سينما الهواة، وهذا الفيلم كان عن شابة تُسمى إيرين زايكى، قابلها بيلا تار عندما كان يصور فيلماً فى المنطقة العمالية فى ضواحى بودابست، وهى المنطقة التى كانت تتعرض للإزالة فى ذلك الوقت.

كانت إيرين تسكن بطريقة غير قانونية فى أحد الشقق، لكن تصادف ان المجلس المحلى للمدينة أجبرها على الرحيل، وقرر بيلا تار الذى كان يعمل مستقلاً فى ذلك الوقت، ان يعمل فيلماً يتناول قضية إخلاء السكان، ووجد مخبأً فى مبنى مجاور يمكن من خلاله أن يصور الفيلم بسرعة، فمكث هناك نصف ساعة قبل أن يصل موظفى المجلس المحلى للمدينة ومعهم قوة من الشرطة.

وإكتشفت الشرطة وجود بيلا تار وبدأت الإجراءات بالقبض عليه أولاً ثم أخذوه إلى مقر الشرطة، فظل محبوساً هناك لنصف يوم، وفى أثناء ذلك أكمل موظفى المجلس المحلى مهمتهم، وبعد ذلك أُخلى سبيل بيلا تار.

من فيلم “عش العائلة”

كانت إيلين لا تملك مكاناً تذهب إليه – بعد ترحيلها من الشقة – إلا مكان زوج امها، حيث كانت المقيمة الثانية عشر فى هذا المكان، هذه القصة كانت مصدر الفيلم الروائى الطويل الأول لبيلا تار، الذى يحمل إسم “عش العائلة” “Family Nest” عام 1977، حيث مثلت إيرين زايكى البطولة النسائية، كما مثلت أدواراً رئيسية فى أفلام بيلا تار التالية، مثل فيلم “تانجو الشيطان” “Satantango” وفيلم “هارمونيات ريكميستر” “Werckmeister Harmonies”.

فيلم “عش العائلة” تم إنتاجه من خلال ستوديو بالاز بيلا، وهو ستديو مستقل للمخرجين الشباب، وتم عرض الفيلم فى عام 1979

وعندما كان بيلا تار فى سن 22 سنة، لم يكن فقط أصغر مخرج سينمائى فى المجر بسبب العرض الرسمى لفيلمه الروائى الطويل “عش العائلة”، لكن هذا الفيلم أيضاً أكسبه شهرة على المستوى المحلى والعالمى، كما فاز الفيلم بالجائزة الكبرى فى مهرجان مانهاتن الدولى للسينما عام 1979، وفى نفس الوقت كان بيلا تار مثار إهتمام لأنه لم يحصل على أى تدريب إحترافى. 

لم يكن الأمر فقط أنه صغير جداً، لكنه أيضاً كان من خارج المجتمع الإحترافى للسينما، وهذا المجتمع كان شديد الحرص ألا يسمح لأحد أن يقترب من إنتاج فيلم إلا إذا كان قد نال تعليماً رسمياً، وبالنسبة لبيلا تار، فقد كان يأخذ بجدية أمر التعلم كمخرج سينمائى وقد نًصح ان يلتحق بمعهد رسمى للسينما، وعلى الرغم من أنه مُنع قبل سنتين من التعليم فى أى مؤسسة تعليمية فى المجر، فإنه وبعد إنجازه لفيلم “عش العائلة” أصبح من السهل عليه أن يلتحق بمعهد للسينما، فإلتحق فى الفصل الدراسى لميكلوس زينيتار، وهو فى الأساس برنامج لتعليم الإخراج التليفزيونى، ولكنه تحول فى عام 1978 إلى برنامج لتعليم الإخراج السينمائى.

ونظراً لأن بيلا تار كان دخيلاً على معهد السينما، فإنه لم يكن يحضر العديد من المحاضرات، وأخرج فيلمه الروائى التالى “الدخيل” “The Outsider” عام 1981 ، وسُمح له بان يعمل ما يروق له ولم يكن مطلوباً منه أن يعيش الحياة العادية لطلبة المعهد، كان فيلم “الدخيل” إنتاجاً إحترافياً رسمياً.

وبعد عرض الفيلم، شرع بيلا تار فى عمل مشروعه الثالث، وهو فيلم “الناس الجاهزون”  Prefab Peopleعام 1982، وفى نفس العام أخرج فيلم “ماكبث” 1982، وكان فى الأساس أحد أعماله كطالب، لكنه أعيد إنتاجه بعد ذلك للتليفزيون.

وعند تخرجه من معهد السينما، كان قد أخرج بالفعل ثلاثة أفلام وحصل على جائزتين عالميتين، أحدهما تنويه خاص من مهرجان لوكارنو عن فيلمه “ناس جاهزون”، وكانت تلك بداية مُكثفة وغير عادية للمسار المهنى لمخرج سينمائى فى هذا السن الصغير.

تأسيس الاستديو

فى عام 1980 كان بيلا تار واحداً من مؤسسى ستوديو سينمائى جديد يُسمى “ستوديو تارسولاس” وقد تكون هذا الإستوديو من مجموعة من الناس المهتمين بتيار معين من السينما المباشرة، ثم إلتحق بهم آخرون كانت لديهم أفكاراً عن صناعة أفلام خارج الشكل النموذجى لأفلام الواقعية السياسية التى كانت سائدة فى السينما المجرية، كانت مهمة هذا الإستوديو من الناحية الرسمية خلق وترويج أسلوب السينما شبه تسجيلية والشبه روائية التى كان المؤسسون قد بادروا بها منذ خمس سنوات، وعلى أيه حال، فإن المخرجين الذين كانت لديهم رؤية وطموحات طليعية، إنضموا أيضاً وأخرجوا أفلاماً لهذا الإستوديو.

وأصبح ستوديو تارسولاس بسرعة كبيرة أكثر ستوديوهات المجر فى إنتاج السينما الإبداعية، لكن ستوديو تارسولاس كان عمره قصيراً، فالمخرجون من الإستوديوهات الأخرى لم يوافقوا على تشكيل ستوديو تارسولاس لسبب بسيط وهو أنهم كانوا يعانون جميعاً من تقلص التمويل الحكومى لصناعة السينما، ووجود ستوديو آخر معناه تقسيم هذا الأموال بين خمسة ستوديوهات بدلاً من أربعة، وبعد ست سنوات من المقاومة – فى عام 1985 – تم إغلاق ستوديو تارسولاس الذى كان يمثل الصيغة المؤسسية الوحيدة للسينما المجرية التى تنتهج الروح الإبتكارية.

أخرج بيلا تار فيلمين لإستوديو تارسولاس، وهما “ناس جاهزون” و فيلم “التقويم الشتوى”Almanac of Fall1985، وفى نفس العام تمت موافقة الإستوديو على فيلمه “تانجو الشيطان” لكن إنتاج الفيلم لم يبدأ، وبسبب إغلاق ستوديو تارسولاس، فإن الفرص التى كانت متاحة لإنتاج هذا الفيلم إنتهت تماماً، وحاول بيلا تار ان يبيع الفكرة إلى العديد من الإستوديوهات الباقية، ولكن جهوده لم تُكلل بالنجاح، ووصل الأمر إلى حد أن قيل له من رئيس أحد هذه الإستوديوهات والذى كان من زملاءه المخرجين، إنه كان هاوياً ومن الأفضل له ان يعتزل الإخراج السينمائى للأبد.

من فيلم “التقويم الشتوي”

وجد بيلا تار نفسه مُهمشاً فى صناعة السينما المجرية، التى لم يكن ينتمى إليها على أيه حال، وبدا الأمر كما لو أنه لن يكون قادراً على الإستمرار كمخرج ضمن الهيكل المؤسسى الموجود، وبدأ مشروعاً سينمائياً جديداً أقل طموحاً من فيلم “تانجو الشيطان” وكان عبارة عن فكرة كانت لديه منذ وقت طويل عن مُغنية بلدة صغيرة وزوجها، فكتب سيناريو فيلم “الإدانة” “Damnation” بالإشتراك مع لازلو كرانزناهوركاى، وهو مؤلف الرواية المأخوذ عنها فيلم “تانجو الشيطان”.

كان بيلا تار معتاداً على فكرة كونه دخيلاً وكان متقبلاً لحالة التهميش التى يعيشها، لقد جمع العديد من الرعاة الذين ليست لهم علاقة مباشرة بالإنتاج السينمائى، مثل معهد السينما المجرى، ووكالة الإعلانات المجرية، والتليفزيون المجرى، والشركة الحكومية لتوزيع الأفلام “MOKÉP” – التى إنضمت إلى المشروع لاحقاً- وإذا كان التليفزيون المجرى لم يُشارك فى إنتاج الفيلم لكان هذا الفيلم هو أول الأفلام المجرية الروائية الذى يتم إنتاجه كاملاً بعد الحرب العالمية الثانية خارج النظام الرسمى لصناعة السينما المجرية.

كان بيلا تار حتى ذلك الوقت غير معروف على نطاق واسع، وكل خطوة فى مسيرته الفنية كانت عشوائية وكانت تبقيه على هامش صناعة السينما، أو كما وصفت زوجته “آنيس هرانتيزاكى” الموقف على النحو التالى “لم يعامل بجدية كمخرج سينمائى، فهو بالنسبة للأستوديوهات كان مجرد حالم”، وتم تصنيفه كشخص ينتمى إلى حركة السينما الذى تلتزم أسلوباً يجمع التسجيلية بالروائية ولكن بدون ألمعية، إنه لم يرق حتى لمستوى رموز هذه الحركة من المخرجين الآخرين، وطبقاً لهذا الرأى فأفلامه لم تكن تكشف عن إهتمام كبير بالمباشرة السياسية، فيلم “التقويم الشتوى” كان بالفعل غير شبيه بفيلمه السابق وأثار حماس النقاد فى الخارج أكثر مما أثاره بالنسبة للنقاد فى المجر، لكن هذا الفيلم وضع الأساس لشهرته العالمية، وأصبح التناقض – بين الوضع الهامشي له في المجر وشهرته الدولية المتزايدة – أكثر وضوحا مع فيلمه التالى “الإدانة”.

أثار هذا الفيلم عاصفة من المقالات النقدية الساخرة والقاسية، ورُفض بالإجماع من لجنة تحكيم “أسبوع الفيلم المجرى” عام 1988، لكنه وفى نفس الوقت نال عن هذا الفيلم “جائزة النقاد العالميين” كما حصل على جائزتين عالميتين من مهرجان “كان” وهمرجان “برجامكو”، كما ترشح لجائزة “الفيلم الأوروبى” وحصل على دعوات من عدد من مهرجانات السينما العالمية الأخرى فى جميع أنحاء العالم.

تانجو الشيطان

وفى العام التالى حصل بيلا تار على عضوية “DAAD2” للفنانين ليقضى عاماً فى برلين الغربية، وعند عودته، ترك بيلا تار وزوجته إنيس هرانيتزاكى شقتهما فى وسط بودابست وإنتقلوا إلى قرية صغيرة تبعد حوالى 30 كيلو متراً عن بودابست، وهناك بدأ الزوجان فى إعدادهما للتحفة السينمائية “تانجو الشيطان” وبدا الأمر كما لو أن إنتقال بيلا تار للعيش فى هذه القرية كان بسبب إستمرار تهميشه من الوسط السينمائى الإحترافى فى المجر، فهو لم يشارك فى أى نقاش إحترافى ولم يكن على إتصال بمعظم الشخصيات القيادية فى إنتاج السينما المجرية، وعلى أية حال، فمنذ هذا الوقت أصبح بيلا تار أستاذاً زائراً فى معهد السينما فى برلين، حيث كان يذهب إليه شهرين من كل عام، ومن المتناقضات أنه لم يتسلم أى دعوة على الإطلاق للتدريس فى معهد السينما المجرى.

وفى عام 1994 عُرض فيلم “تانجو الشيطان” فى “أسبوع الفيلم المجرى”، وإعتبر منظموا هذا الأسبوع ان إشتراك بيلا تار كان حدثاً هامشياً، فالفيلم لم يحظ بمشاهدة كبيرة بسبب الطول الكبير جداً لمدة عرض الفيلم، فهو يدون سبع ساعات ونصف، وتم عرضه فى دار سينما صغيرة، فعدة مئات من المشاهدين رأوا هذا الفيلم، وعبروا عن سخطهم بأصوات عالية أثناء المُشاهدة، وهذا الفيلم حقق لبيلا تار شهرة كبيرة عالمية وسط عشاق السينما فى جميع انحاء العالم، كما أشاد به النقاد المعروفين.

من فيلم “تانجو الشيطان”

ونتيجة لواقع ان بيلا تار كان هو من يؤمن مصادر تمويل أفلامه على مدى الخمسة عشر عاماً السابقة، فلم يكن مجرد مخرجاً بل كان مُنتجاً منفذاً، وبعد عرض فيلمه التالى “هارمونيات ريكميستر”، أنشأ بيلا تار شكرته الخاصة للإنتاج “T. T. Filmműhely”بالإشتراك مع المنتج جابور تينى.

ومع حلول عام 2000 لم يعد بيلا تار مُهمشاً، فقد كان معروفاً جدا بسبب نجاحاته العالمية، كما نال الإعتبار بصفته مخرج شاذ ولكنه شخصية هامة فى السينما المجرية، وعلى الرغم من ان تجميع رعاة فيلم “هارمونيات ريكميستر إستغرق وقتاً طويلاً، فقد إستطاع أن يؤمن التمويل لهذا الفيلم أيضاً بما فى ذلك المنح الهامة الحكومية، ونال بيلا تار فى عام 2003 أعلى جائزة قومية يمكن لفنان مجرى ان يحصل عليها، وفى عام 2009 وافق على عرض بان يكون مرشحاً لرئاسة مؤسسة السينما المجرية، لكن لم يمر وقت طويل حتى أدرك أن هناك دعم صغير جداً لتصوره الراديكالى عن كيفية إدارة المؤسسة فتراجع عن الترشح، وفى عام 2010 اُنتخب رئيساً لجمعية المخرجين المجريين.

صادف فيلمه “رجل من لندن” “The Man from London” إخفاقاً على عكس التوقعات بنجاحه الساحق، وكان هذا يُرهص بالصعوبات التى أحاطت بفيلمه التالى “حصات تورينو”Turin Horse2011، وهو الفيلم الذى اعلن بيلا تار انه سيكون آخر أفلامه وسوف يتقاعد بعده، لقد أعلن عن ذلك عندما كان ناجحاً فعلا على المستوى المحلى والعالمى، وكان يحظى بالشهرة والتقدير فى الأوساط السينمائية الدولية، ففى لوس أجلوس كانت تُباع “تى شرتات” مكتوب عليها إسمه، كما ان مخرجين آخرين كانوا يقلدون أسلوبه السينمائى، وأصبح من المخرجين الذى يعشقه جمهور الفن السينمائى فى جميع انحاء العالم، فعندما إنتهت حالة التهميش ووضعية الدخيل التى كانت تصف حالته، وعندما أصبح واحد من أهم المخرجين فى ثقافة السينما الطليعية، إتخذ قراره بان الوقت قد حان لإعتزاله.

المصدر:

http://www.cinecollage.net/bela-tarr.html
Visited 62 times, 1 visit(s) today