“الغسالة”.. طموح يعجز عن التحقق
قبل مشاهدة فيلم “قصة حب” العام الماضي لم يكن التفاؤل هو المسيطر على مسألة المستوى لكن كانت المفاجأة السارة أنه جاء عملا جيدا يستحق المشاهدة خصوصا الأداء المميز للثنائي أحمد حاتم وهنا زاهد، فالأول عاد للتألق من جديد والثانية قدمت نفسها كممثلة موهوبة للمرة الأولى.
على النقيض جاءت التجربة الثانية للثنائي نفسه في فيلم “الغسالة”، فقبل المشاهدة كانت هناك آمال وطموحات بنيت على أساس التجربة السابقة وأيضا وجود ممثل بقيمة وحجم محمود حميدة لذا كانت التوقعات أن التجربة الجديدة ان لم تكن أفضل ستكون على نفس المستوى أو أقل فليلا لكن المفاجأة أن فيلم “الغسالة” – حتى وان كان أول فيلم يتم طرحه بعد كورونا- خرج بصورة متواضعة فنيا ويبتعد كثيرا عن جمال التجربة السابقة.
من عنوان الفيلم “الغسالة” توقعت أن تكون الاحداث قريبة من تحفة المخرج الأمريكي ستيفن سودربرج “The Laundromat” الذي تناول فيه قضية وثائق بنما بصورة كوميدية، خاصة وان الفيلم المصري قريب من هذه الفكرة التي تتعلق بقضايا غسيل الأموال بشكل عام والتي تنتشر في مصر منذ سنوات، لكن ذهبت تلك التوقعات أو التمنيات أدراج الرياح لأن الغسالة المصرية لم تكن سوى آلة للزمن من تأليف عادل صليب وإخراج عصام عبد الحميد في تجربتهما الأولى.
في المشهد الأول الذي تدور أحداثه عام 2048 نجد حوارا يدور بين “عمر” (محمود حميدة) و “سامح” (طاهر أبو ليلة) حول عايدة، ثم تنتقل الكاميرا إلى الغسالة، وبعد التتر تعود الأحداث إلى عام 2018 حول عمر “أحمد حاتم” شاب في الـ30 دكتور متخصص في الفيزياء يعيش مع والده “بيومي فؤاد” في وجود “المغسلة” التي تركتها الوالدة بعد رحيلها، يعاني عمر من أمرين الأول معاملة قاسية من الوالد والثاني تجاهل عايدة “هنا الزاهد” التي يحبها وهي أيضا ودكتورة في العلوم، ويستعين دائما بصديقه سامح “محمد سلام” وهو دكتور في الزراعة، وعم سيد “أحمد فتحي” حارس الامن في الجامعة التي يعمل بها الثلاثي.
يكتشف عمر تلك المغسلة التي تتسبب في السفر عبر الزمن ليظهر بجانب عمر الثلاثيني، عمر الطفل في العاشرة من عمره، وعمر صاحب ال 60 عاما، ويقرر الثلاثي العودة إلى عام 1998 بهدف كشف الأسرار ومحاولة تغيير الماضي حتى يستطيع عمر انقاذ حبه لعايدة التي يكتشف انها ستتزوج من صديقه سامح في المستقبل، وتلك التفصيلة كانت مميزة جدا في السيناريو وجديدة على السينما المصرية لكن لم يستطع صناع الفيلم إبرازها بالشكل المناسب أو استغلالها لتكون طرح كوميدي شديد التلقائية.
التأسيس للشخصيات جاء ضعيفا ومفككا في مشاهد طويلة دون أي ضرورة درامية إما بهدف إلقاء “إفيهات” بها قدر كبير من السخافة أو لإبراز تفاصيل معينة في الشخصيات لا تضيف شيئا للسياق الدرامي، تنقلات بين الأبطال غير مفهومة تجعلنا نطرح الأسئلة دائما لأن التفاصيل دائما غير مكتملة، والتقطيع في المونتاج كان مبالغا فيه ففي اللقطة الواحدة نجد أن حركة تتغير كثيرا دون أي ضرورة سوى الإزعاج البصري كأن المخرج يقدم فيديو كليب وليس فيلما، مجرد شخصيات كارتونية سواء على مستوى الأداء التمثيلي والشكلي، ومن ثم إغراق المشاهد في تفاصيل ليس لها محل من الإعراب وفي منتهى السذاجة.
فكرة العبور الزمني للماضي أو للمستقبل مادة خصبة يمكن تشكيلها وإعادة صياغتها والتمكن فيها يكون في خلق تفاصيل كوميدية عن المرحلة التي سيعبر لها الفيلم على غرار “سمير وشهير وبهير” مثلا الذي برع صناعه في إظهار تفاصيل عصر السبعينيات على كافة المستويات ولم يقتصر على المستوى الشكلي فقط، لكن المرور الزمني في “الغسالة” لم يكن يحتوي على تلك التفاصيل الخاصة بعام 1998 لدرجة أن من يشاهد الفيلم لا يشعر بتلك العودة او النقلة الزمنية.
الجزء الثاني من الفيلم جاء أفضل نسبيا وهذا يعود إلى التفصيلة الدرامية الوحيدة الجيدة التي ظهرت من خلال صدمة لقاء شخصيتي سامح “الثلاثيني والستيني”، والذهول الكوميدي الذي أصاب محمد سلام بعد أن وجد نفسه في المستقبل طاهر أبو ليلة وهو الممثل المعروف بالتلعثم في الكلمات حيث ينطق دائما عبارات غير مفهمومة، وكانت هذه المرة الأولى التي يجيد فيلم توظيف هذا الممثل، فقد خلق هذا التناقض بين الشخصيتين بعد درامي افتقده الفيلم منذ البداية ليكون هذا الخط الدرامي كطير يغرد منفردا خارج السرب الممل الساذج.
يستمر الفيلم في الإغراق في مستنقع من اللامنطقية والسطحية إلى أن تأتي النهاية ومشاهد المواجهة بين الأبطال الستة “عمر وسامح في ال 30″ و”عمر وسامح في 60″ و”عمر وسامح الأطفال” بانتصار حب عمر وعايدة الثلاثي الأبعاد وتظهر شخصية عايدة في الـ60 لتكون “شيرين رضا” وهو ظهور مميز أضفى بعض الكوميديا الحقيقية على الأحداث البائسة التي لم تستمر طويلا ليختتم الفيلم بنهاية وعظية في صيغة مباشرة ركيكة ليشرح فيها “رسالة” العمل لإضفاء عمق في غياب المضمون.
أحمد حاتم ممثل موهوب يمكن توظيفه في كل الأشكال الدرامية، أجاد عندما قدم أفلام من نوعية “اللايت كوميدي” يمكن أن يتميز في هذا النوع خصوصا بعد غياب أحمد حلمي وتركيز كريم عبد العزيز على الأكشن والغموض بعض الشئ، وانفصال الثلاثي أحمد فهمي وهشام ماجد وشيكو، فيلم “قصة حب” حقق لحاتم جزء من التفوق في هذا الملعب وعليه ان يراجع نفسه في المرحلة المقبلة فالفرصة مازلت قائمة وعليه ان يستغلها مرة أخرى في تجربة جديدة، برغم تواضع مستوى فيلم “الغسالة” لكن يظل حاتم ممثلا قادرا على الأداء الجيد ويبدو أن النجاح السابق الذي حققه مع هنا الزاهد جعلهما يكررا العمل معا لكنهما لم يوفقا في الاختيار هذه المرة.
ظهور بيومي فؤاد وأحمد فتحي أصبح مملا وثقيلا حتى على مستوى الكوميديا الباهتة التي أصبح يقدمها كلا منهما فوجودهما أصبح عبئا على الأعمال وليس العكس، أما الصدمة الكبرى كانت في محمود حميدة الذي ظهر مستسلما للمرة الأولى على مستوى الأداء وعلى مستوى تفاصيل الشخصية. حميدة على مدار تاريخه قدم أعمالا دون المستوى لكن كان أداءه مميزا وحضوره طاغيا باستثناء دوره في فيلم “ليلة البيبي دول” الذي يعتبر أسوأ أدواره، لكن في “الغسالة” نجد حميدة في حالة من الاستسلام التام الغير مبرر لممثل قدير صحيح أنه اختار التواجد الساحة وهو أمر يحترم ويقدر لكن الفكرة تكون في كيفية الظهور والتواجد.