الصراع مازال مستمرا على مهرجان القاهرة السينمائي

تحت عنوان “تجاوزات مالية بمهرجان القاهرة السينمائي: مدير عام المهرجان يستقيل لمخالفات متعددة” كتب الصحفي الفني أحمد عاطف في جريدة “الأهرام” المصرية مقالا شن فيه هجوما شديدا على الرئيس الحالي لمهرجان القاهرة السينمائي الناقد السينمائي سمير فريد، ووجه الكثير من الانتقادات الحادة إلى إدارته للمهرجان، مركزا على النقاط التي أثارها محمد يوسف، وهو مدير للمكتب الفني لوزير الثقافة، وكان سمير فريد قد عينه أيضا، مديرا عاما لمهرجان القاهرة في سابقة لا نظير لها، فليس من المعروف تماما ما هي وظيفة المدير العام، بل هناك عادة المدير الفني والمدير التنفيذي إذا لزم الأمر، والأقرب الى التفسير الصحيح أن سمير أراد أن يجعل المسؤول في مكتب الوزير ضمن طاقم العاملين في المهرجان، مشرفا على النواحي الإدارية، وكان الأصح بالتالي أن يقول إنه المدير الإداري للمهرجان.
وقد خصص له سمير أيضا مكافأة شهرية قيمتها 4 آلاف جنيه مصري تدفع له بالإضافة الى راتبه الذي يتقاضاه عن قيامه بمهام وظيفته ومن أولياتها الإشراف الإداري على المهرجانات السينمائية التي تقيمها وزارة الثقافة المصرية. ولكن هذا التمييز لمحمد يوسف ودفع تلك “الإتاوة” اليه تجنبا لما يمكن أن يعرقله من اجراءات يبدو أنها لم تنفع، بل يتردد أنه طالب بالمزيد، لنفسه ولبعض موظفي مكتبه، وأراد أن يكون له دور في تحديد مكافآت العاملين بالوزارة. إلا أنه مع رفض سمير فريد تلبية مطالبه هذه، دفعته الى تقدم استقالة يوجه خلالها اتهامات خطيرة إلى الناقد سمير فريد كنوع من الضغط وممارسة مزيد من الابتزاز. وهي الاستقالة التي بادر الى نشرها في الصحف والمواع الالكترونية، والتي يستند إليها الصحفي أحمد عاطف في مقاله الطويل. والطريف أن محمد يوسف المعروف عنه الحصول على مكافآت من كل مهرجانات وزارة الثقافة السينمائية وغير السينمائية، كنوه من “الإتاوة” التي يفرضها مثل قطاع الطرق على مديري المهرجانات ويرضخون له تجنبا لعرقلته حصول مهرجاناتهم على دعم الوزارة، يدعي في استقالته الشرف والنزاهة ويتساءل: لماذا تخصص مكافآت لموظفين يقومون سوى بمهام وظائفهم الطبيعية، وهو نفس ما يمكن قوله عن محمد يوسف نفسه، فكيف قبل مكافأة 4 آلاف جنيه له من ميزانية المهرجان رغم أن الاشراف العام على المهرجان من بعيد من صميم عمله؟ فهل أصبح محمد يوسف فجأة خبيرا في تنظيم مهرجانات السينما بحيث يصبح “المدير العام لمهرجان القاهرة السينمائي” تلك التسمية المضحكة أصلا؟! وهل أصبح محمد يوسف “وطنيا” يعمل لمصلحة الوطن ونحن “على أعتاب دولة جديدة يحاول كل منا التصدى للفساد والرشوة” كما جاء في استقالته؟!
يبدأ أحمد عاطف مقاله كالتالي:
“منذ أيام تقدم محمد يوسف مدير عام مهرجان القاهرة السينمائى الدولى باستقالة مُسببة من منصبه للناقد الكبير سمير فريد رئيس المهرجان موضحا فيها اعتراضه على ما وصفه بابتزاز أعضاء الوحدة الحسابية المعنية بتسوية ميزانية المهرجان.
وأعرب يوسف باستقالته عن تحفظه على عدم التزام رئيس المهرجان، بقرار مجلس الإدارة الذى أوصى بأن يقوم ثلاثى يوسف ،فريد، ومعها هالة قدرى بتوقيع الشيكات البنكية.

الاستقالة المريبة

وجاء فى نص الاستقالة الموجهة لفريد “أتقدم لسيادتكم بطلب إعفائى من منصب مدير عام مهرجان القاهرة السينمائي. سبق أن ابديت اعتراضى الشديد على الرضوخ لأعضاء الوحدة الحسابية الذين يقومون بتسوية ميزانية المهرجان وطلبهم الفج بصرف مكافأة قدرها 18 ألف جنيه لهم دون وجه حق وذلك فى مقابل تحويل باقى ميزانية المهرجان، وعدم ابداء ملاحظات على مستندات تسوية الدفعة الاولى التى تم تحويلها للمهرجان. كما أوضحت لسيادتكم بأن ما يقومون به من أعمال مراجعة وتسوية من صميم عملهم الذى يتقاضون عليه رواتبهم. وأن موافقتنا على هذا الابتزاز يعد تشجيعا لهمعلى هذه الممارسات، وقد تشاطرونى سيادتكم الرأى بأن هذا لا يستوى ونحن على أعتاب دولة جديدة يحاول كل منا التصدى للفساد والرشوة.
واضاف يوسف ان السبب الثانى للاستقالة هو اعتراضى على ما تفضلتم به سيادتكم من موافقات خاصة ببيع أثاث مقر المهرجان للعاملين بالمهرجان دون اتباع الإجراءات اللازمة فىهذا الشأن من تشكيل لجنة لتحديد القيمة السعرية لهذه الأصناف وعلى أساسها يتم البيع وعدم اخطارى كمدير عام المهرجان بهذا الإجراء حتى يتسنى العرض على سيادتكم بالاجراءات القانونية والمالية اللازم اتباعها فى هذا الشأن”. وأردف يوسف أن ثالث أسباب انسحابه من عمله بالمهرجان هو أنه “سبق وأنه وافق مجلس الإدارة فى اجتماعه رقم 17 المؤرخ 24 فبراير 2014 على الاقتراح المقدم من سيادتكم بتفويضى بالتوقيع على المذكرات المالية ويكون التوقيع على الشيكات لسيادتكم والسيدة هالة قدري. وواقع الحال قيام سيادتكم باستخراج معظم الشيكات دون مذكرات مالية يتم عرضها او موافقتى عليها”.
ويعلق كاتب المقال بقوله: “الاستقالة مليئة بالاتهامات: وحدة حسابية تطلب 18 الف جنيه لصرف دفعة من ميزانية المهرجان وعدم ابداء ملاحظات على ما صرفوه من قبل. لماذا؟ هل فيما تم صرفه تجاوزات أو بنود غير قانونية؟ ثم ينبه مدير المهرجان رئيسه بأنه سبق أن أوضح له ذلك. لماذا سكت الرئيس على ابتزاز الوحدة الحسابية إن صح هذا؟ ثم كانت الصاعقة عندما قال المدير المستقيل إن رئيس المهرجان باع أثاث المقر للعاملين بالمهرجان. ويضيف عاطف أنه باستطلاع “مندوب الأهرام” للأمر وجد ان البيع تم بأسعار زهيدة تصل لعشرات الجنيهات لأثاث بالالاف، وذلك مجاملة لموظفى المهرجان المقربين.

زيارة مهرجان كان
وكان سمير فريد قد أوفد مكونا من ثلاثة من أعضاء ما يسمى بـ “مجلس إدارة المهرجان” إلى مهرجان كان السينمائي على نفقة مهرجان القاهرة السينمائي، منهم عصام زكريا المسؤول عن لجنة مشاهدة واختيار الأفلام، وهو الوحيد الذي يمكن فهم وجوده في “كان”. والثاني مسؤول العلاقات العامة في المهرجان جوزيف فهيم، أما الثالث الذي أصبح وجوده في كان محل تساؤل ودهشة من الجميع فهو مخرج فيلم “المسافر” أحمد ماهر الذي جعله سمير فريد مسؤولا عن تنسيق قسم الأفلام الكلاسيكية التي سيعرضها مهرجان القاهرة، وهو ما يمكن ترتيبه بالاتصالات وليس مطلوبا التواجد في مهرجان كان أصلا لأن هذا المهرجان يعلن مسبقا عن قائمة الكلاسيكيات التي سيعرضها ويمكن الاتصال بأصحابها لاستقدامها وان كان ذلك سيصبح استنساخا لما عرضه “كان” في حين يحرص سمير فريد على التصريح بأنه لن يكرر ما تعرضه مهرجانات أخرى، رغم أنه أعاد الى مهرجان القاهرة قسما ان قد ألغي بقرار صائب تماما، يدعى (مهرجان المهرجانات) الذي سيعرض مختارات من أهم ما عرض من أفلام في مهرجانات العالم السينمائية، الأمر الذي لا يوجد سوى في المهرجانات التي لا تقيم مسابقات دولية معترف بها مثل لندن وروتردا ونيويورك وغيرهما.

سمير فريد

وقد قيل أيضا إن وجود أحمد ماهر في مهرجان كان وهو الوحيد من بين الموفدين من المهرجان الذي لا علاقة له أصلا بالعمل في المهرجانات، جاء نتيجة علاقته الوثيقة بمحمد يوسف (الذي كان المشرف على انتاج فيلمه المسافر- الذي أنتجته وزارة الثقافة المصرية وتجاوزت ميزانيته 25 مليون جنيه، ولكنه فشل ولم يحقق شيئا من عرضه الذي لم يتجاوز بضعة أيام، كما نشر الكثير عن احتمال وجود مخالفات مالية جسيمة أثناء الانتاج). لكن ها هو محمد يوسف نفسه، يعلن استقالته المسببة التي نشرها علانية، الأمر الذي يضع علامة استفهام كبيرة حول طبيعة “المشكلة” التي وقعت بين يوسف وسمير فريد!
عن الوفد الذي مثل المهرجان في “كان” يقول أحمد عاطف في مقاله:
“هل الحفاظ على المال العام يدفع رئيس المهرجان لسفر وفد من سبعة أشخاص على حساب المهرجان فى وقت البلد كله يتجه الى ترشيد فى النفقات. ماذا كانت الحاجة مثلا فى سفر سيد فؤاد مسئول برنامج السينما العربية الذى تقيمه نقابة السينمائيين على هامش مهرجان القاهرة. يقول موظفو النقابة أنهم فوجئوا بارسال خطاب من رئيس المهرجان يفيد سفر سيد فؤاد دون ان تطلب النقابة حتى ذلك باعتبارها المسئولة عن هذا البرنامج. الا يلقى فريد بالا بأن هناك شبهة مجاملة فى هذا خاصة أن فؤاد هو رئيس مهرجان الاقصر للسينما الافريقية الذى يعمل فريد مستشارا له منذ إنشائه. ولا تسأل هنا عن تعدد المناصب بكل آفاته من سيطرة واحتكار وعدم انجاز فى العمل الواحد بسبب عدم التفرغ والتركيز. إن ما لدينا عن كم الأخطاء فى ادارة المهرجان فى رئاسته الجديدة الكثير، وهى بالأساس لا تبرر نبرة الاستعلاء التى تكلم بها فريد فى تصريحاته الصحفية فى الشهور الماضية عن التاريخ الفاشل لمهرجان القاهرة السينمائى فى كل اداراته، وخاصة مايدعيه بفشل دورة 2012 التى اقيمت على الرغم من حكم الاخوان الفاشى وفى ظروف استثنائية وفى وقت ضيق وشملت مزيجا من فريق قديم وجديد منهم خبراء مشهود لهم عالميا كالمنتجة ماريان خوري.
وقد علمنا من مصادر كانت حاضرة في مهرجان “كان” أن السيناريست سيد فؤاد لم يكن في كان بحكم علاقته بمهرجان القاهرة بل على نفقة مهرجان الأقصر السينمائي الذي يرأسه. وكما أن غيره من العاملين بمهرجان القاهرة أيضا كانوا موجودين على نفقتهم مثل المخرج سعد هنداوي ولكن سمير أعلن أسماءهم ضمن وفد المهرجان من أجل زيادة حجمه!!
ويمضي أحمد عاطف في مقاله متسائلا: “هل يتصور أحد أن إدراة مهرجان القاهرة السينمائى الحالية لم تصنع له بوسترا حتى الآن، فالذي وفروه مجرد لوجو أحمر بائس أشبه بعلامات المرور الخاصة بحوادث الطرق. بل لم توزع ادارة القاهرة السينمائى أى مطبوعات ذات قيمة بمهرجان كان السابق. مجرد مطوية ضعيفة المستوى مليئة بالاخطاء باللغة الإنجليزية مثل كتابة Cinema guest of honor باعتبار أن ذلك هو ترجمة ضيف شرف المهرجان!! وغيرها الكثير. حتى الموقع الالكترونى للمهرجان وهو عنوانه الأهم وطريقة الاستدلال عليه فى عالم اليوم، مازال شبه متوقف وكان مكتوبا عليه وقت مهرجان كان انه تحت الانشاء حتى 1 مايو علما بأن مهرجان كان اقيم من 14 حتى26 مايو الماضي. وحتى اليوم الموقع مازال تحت الانشاء. رغم ان الادارة السابقة للمهرجان كانت قد تركته يعمل وكان مليئا بالمعلومات والصور وملفات الفيديو عن الدورات السابقة، إلا أن فريد ألغى الموقع باكمله. حتما إنه الكبر والرغبة فى تشويه الآخرين. وفى النهاية مصر كلها ستدفع الثمن من هذه الإدارة السيئة للمهرجان”.

احتمال الإلغاء
وينهي عاطف مقاله بالتساؤل: هل يفكر سمير فريد فى الغاء مهرجان القاهره بسبب تصوراته للأمور للمرة الثالثة؟ ففى حواره مع مجلة فارايتى الأمريكية اثناء مهرجان كان الأخير يرد على سؤال محاوره عما اذا كان المهرجان سيلغى هذا العام أيضا أم لا، فيرد فريد بأنه يتمنى ان تعود الأمور الى الشكل الطبيعى بعد الانتخابات الرئاسية. والرد يوحى بأن احتمالية الالغاء واردة. والغريب أن فريد تحدث مع الكثير من الشخصيات الدولية عن احتمالية الالغاء وعن أنه ربما يترك رئاسته للمهرجان .ومن ضمن هؤلاء ماركو مولر رئيس مهرجان فينيسيا السابق الذى أعلن ذلك صراحة نقلا عن فريد. وربما هذا ما دعا فريد لاصدار بيان بعد فوز المشير السيسى بانتخابات رئاسة الجمهورية يعلن فيه ان المهرجان سيعقد فى موعده وأن العاملين بالمهرجان يتعهدون بالعمل والاخلاص. لا أعرف هل الاخلاص هو ما ذكره مدير المهرجان فى استقالته عن تجاوزات وبيع لاثاث المهرجان. وهل ونحن على اعتاب بداية شهر يوليو قبل اربعة أشهر من المهرجان حصل المهرجان عل ىموافقة أى ضيف مهم أو أى فيلم مهم. بالطبع لا. مجرد مراسلات يرسلها المهرجان هنا وهناك لمحاولة الحصول على أى شيء.
سمير فريد من جهته قال إن كل ماورد فى استقالة محمد يوسف غير صحيح وأنه قام بتحويل الاستقالة للمستشار القانونى لوزير الثقافة للتحقيق فيما جاء بها من اتهامات وإنه سيعلن نتيجة التحقيقات للرأى العام بكل شفافية.
ومعروف أن كاتب المقال أحمد عاطف كان قد عمل مديرا تنفيذيا في دورة مهرجان القاهرة 2012 بقرار من وزير الثقافة السابق صابر عرب، لكن سمير فريد لم يضمه للعمل ضمن التشكيل الجديد للمهرجان. وقد أصبح الآن هناك وزير جديد (سابق) للثقافة هو جابر عصفور، وهو صديق لسمير فريد، ومن المؤكد أنه سيدعمه في صراعه الممتد مع موظفي وزارة الثقافة بقيادة محمد يوسف الذي يصفه البعض بأنه “أخطر رجال الوزارة الذين يديرون الأمور من وراء الستار”. ولكن من المستبعد أن يطيح جابر عصفور بمحمد يوسف، لأن يوسف- شأنه شأن عصفور- من صنائع الوزير الأسبق فاروق حسني، كما لا يتوقع بالتأكيد أن يتخلى عصفور عن أي من قيادات الوزارة التي عينت في زمن فاروق حسني، مهما بلغت الدلائل على إنحرافاتها وفسادها!

Visited 18 times, 1 visit(s) today