الشرق الأوسط: السينما في سنوات أوباما رئيسا
من يرقب السينما الأميركية عن كثب يدرك أن وجود رئيس أفرو- أميركي في البيت الأبيض ليس كوجود سواه، وأن الأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة لوّنت عددا كبيرا من الأفلام الجديدة بمعايير مختلفة.
في الأساس، وجود رئيس أفرو ـ أميركي لأوّل مرّة كان لا بد له من أن يُثير التكهّنات حول الحياة تحت سلطة رئيس “مختلف“تبلغ حدودها القصوى مع طرح السؤال حول إذا ما كان بالإمكان للعالم أن ينتهي في فترة وجوده رئيسا؟
حين أخرج رونالد إيميريش “يوم الاستقلال“سنة 1996 اختار رئيس جمهورية أبيض اسمه توماس ويتمور (قام بدوره بل بولمان) لكن فخر الأمة كان شخصين أحدهما أسود (ول سميث) والثاني يهودي (جف غولدبلوم). في ذلك الفيلم تم تدمير العالم إلا قليلا إذ أنقذه من النهاية ذلك الثنائي المثالي.
بعد ثلاث عشرة سنة كان لا بد للمخرج إيميريش من محاولة تدمير العالم مرّة أخرى (بين الفيلمين دمّره كاملا أو جزئيا مرّتين) مختارا هذه المرّة نبوءة إحدى قبائل المايا بأن نهاية العالم ستقع في سنة 2012. إذ لم يجد إيميريش اسما يستثمره أفضل من ذلك الرقم عنوانا للفيلم، وضع الممثل الأفرو – أميركي داني كلور في دور الرئيس الأميركي ثم مضى يقص حكاية غير قابلة للتصديق لا جملة ولا تفصيلا وازن فيها بين حدوث كارثة في عهد هذا الرئيس وبين أن جنوب أفريقيا ستكون الملاذ الوحيد للباقين على قيد الحياة.
لكن ليس على رئيس الجمهورية أن يكون أسود البشرة لكي يحيك الفيلم نهاية قاتمة للبشرية. مجرد تكاثر الأفلام التي تتحدّث عن نهاية حتمية للإنسان على الأرض في الفترة التي شهدت رئاسة أوباما لأميركا قد يحمل دلالات أكثر أهمية. أميركا (وأحيانا العالم) تحت الخطر في “معركة: لوس أنجليس“و“ترانسفورمرز 4“و“المنتقمون” و“سفينة حربية“وكل واحد من هذه الأفلام لديه خطة مختلفة (ولو بعض الشيء) لإنقاذ أميركا ليس من بينها قيادي أفرو – أميركي.
هذه الأفلام، وكثير سواها، تشترك في أنها أفلام عسكرية أيضا. “معركة: لوس أنجليس“يتحدّث عن ضابط من المارينز خدم في العراق وعاد إلى الولايات المتحدة ليجد نفسه أمام حرب أكثر ضراوة. في “سفينة حربية“يؤول الأمر إلى فريق من شباب المارينز الأميركيين ردع قوة فضائية هائلة لكن بالعودة إلى استخدام بارجة خاضت الحرب العالمية الثانية.
هذه الحروب بدت، في معظم الحالات، ضرورية ليس فقط لإنقاذ أميركا من الدمار، بل لتسجيل إصابة عسكرية تعيد الثقة لما اعتبر إخفاقات واقعية في كل من العراق وأفغانستان. ومفعول هذه الأفلام، التي لا ترتفع عن مستوى الرغبة في تدمير جماعي، هو كبير في أوساط الأميركيين سواء الذين يدركون أن الولايات المتحدة (في عهد أوباما أو بوش الابن) خسرت أكثر مما كسبت في جولاتها العسكرية أو الذين لا يدركون هذا الواقع بعد.
في “فجر أحمر“يختلف الغازي فهو ليس مخلوقا فضائيا من أي نوع، بل بشر مقبل من العمق الآسيوي، فقد وجد الكوريون الشماليون طريقة لمفاجأة الأميركيين فوق أراضيهم والأمر متروك، لا لمسؤولين، بينهم أفرو – أميركيين، لتحرير البلاد بل لمجموعة من الفتيان (بيض باستثناء واحد ليس في القيادة). من ناحية فيلم عسكري آخر ومن ناحية أخرى يغازل جمهور الشبيبة على أساس أنه إذا ما كان هناك من يقدر على الدفاع عن أميركا فهم الشبّان وليس السياسيين والمسؤولين التقليديين.
وإذا ما برهن “زيرو دارك ثيرتي“عن شيء، فعن أن النفاذ لتحقيق نجاح ما للسياسة الأميركية لا يستطيع أن يبنى على التمنيات فقط: “سي آي إيه“تؤمن بأن ممارسة التعذيب ضرورة للحصول على الاعتراف (ولو أنه أيضا نوع صارم من العقوبة البدنية والانتقام لفشل أسبق). هذا مع علم أو من دون علم باراك أوباما الذي يظهر على الشاشة الصغيرة متحدّثا عن عدم ممارسة أميركا للتعذيب في تحقيقاتها. تأكيدا على أن التمنيات وحدها لا تفيد في النيل من العدو، تقوم بطلة الفيلم (جسيكا شستين) بالسعي الحثيث لإنجاح مهمة معرفة مكان اختباء بن لادن. والمشهد الأخير لها، إثر نجاح عملية اغتياله، لا تختلف عن مشاهدها الأولى: لا تشعر بالفرح للمهمة وهيأكثر عزلة مما كانت عليه.
باراك أوباما يظهر أيضا على شاشة تلفزيون فيلم “أقتلهم بنعومKilling Them Softly هذا يحدث مرّتين، الثانية – والأهم – عندما يختم ذلك الفيلم البوليسي لأندرو دومونيك ومن إنتاج وبطولة براد بت، حكايته بمحاولة الربط بين واقع الجريمة وواقع الاقتصاد والمجتمع ككل.
في خطاب أوباما الأخير إبداء لرغبة أكيدة في معالجة الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالولايات المتحدة ومستقبلها. وفي فترته رئاسته الأولى وجدنا خروج خمسة أفلام تتناولها تحديدا. وهي – باستثناء واحد منها- لا تتحدّى نظريته أو منهجه في التطبيق، لكن ثلاثة منها تطرح السؤال حول جدوى ذلك وتلتقي مع الفيلم الأول في إبداء أقل قدر من الرضا حول النتائج.
هذه الأفلام، من دون ترتيب معيّن، هي “نداء هامشي“(2011) من إخراج ج. س. شاندور وبطولة كيفن سبايسي وبول بيتاني وديمي مور وجيرومي آيرونز وهم، وآخرون، يدورون في فلك مؤسسة مالية ستنقذ نفسها من الإفلاس بعملية نصب أخرى لمصلحة الحفاظ على سدّة رئاستها (يمثلها جيرومي آيرونز). في سياق ذلك، يتساقط الموظّفون الصغار لينضمّوا إلى جموع الغالبية التي تجد نفسها عاطلة عن العمل أو مهددة بذلك.
هذا الفيلم يلتقي، لدرجة الالتصاق، بفيلم “رجال الشركة“(2011) لجون وَلز وبطولة بن أفلك، تومي لي جونز، كريس كوبر وكَن كوستنر: مرّة ثانية هناك المؤسسة الاقتصادية (واحدة من تلك المحظوظة التي لم يستطع أوباما التغلّب على جشع مديريها) التي تسعى لكي تبقى عائمة وفي سبيل ذلك لا تتردد في إحالة موظفيها إلى البطالة.
“مراجحة“لنيكولاس جاريكي (2012) يبقى قريبا من رصف الحالة ذاتها وإن كان بطلها ريتشارد غير يجمع في كيانه بعض الخير وبعض الشر والكثير من البقع الرمادية. لكن هذا الفيلم يبقى أفضل من ذلك الذي حققه أوليفر ستون تحت عنوان «وول ستريت: المال لا ينام» كتكملة لفيلم سابق أفضل، بينما آثر هنا تحويل المسألة إلى قصّة حب وشاب يرفض التخلي عن مبادئه.
وحده فيلم مايكل مور “الرأسمالية: قصّة حب“الذي جهر بمعاداته لخطّة أوباما تعويم المذنبين الذين أودوا بالحياة الاقتصادية إلى الحضيض.
مع دخول الولايات المتحدة أربع سنوات أخرى أوباميّة، تعكس السينما حاليا حالات تدعو للتفكير: الحرب على الإرهاب في “زيرو دارك ثيرتي“، الدعوة للعودة إلى المبادئ في “لينكولن“والحرب على العنصرية في “دجانغو طليقا“.