السينما تتفوق في السعودية مع بقاء ضوابط العرض
كتب كمال صالح في “الخليج أونلاين” هذا التقرير عن وضع السينما في السعودية بعد 5 سنوات من ترسيخ الانتاج والعرض والسماح بتصوير أفلام أجنبية، ضمن السياسة الاصلاحية الكبيرة التي تشهدها المملكة.. وننشر هنا هذا التقرير في سياق رصد مواضيع وقضايا السينما في الصحافة العربية…
يوماً بعد آخر تثبت المملكة العربية السعودية أنها ماضية في طريقة التحول بشكل حاسم، لتطوي بذلك مرحلة كانت التابوهات تهيمن على معظم مجالات الحياة، وفي مقدمتها الفن والسينما أيضاً.
فحتى خمس سنوات مضت كانت السينما محظورة في المملكة، وكانت مشاهدة العروض الأولى للأفلام العالمية مسألة صعبة.
لكن المشهد اليوم بدا مختلفاً، والتحول في هذا المجال أصبح محط اهتمام وإعجاب كبريات الصحف العالمية، التي سلطت الضوء على حالة الزهو السينمائي التي تعيشها السعودية، مستدلّة بها على أن “مملكة اليوم” مختلفة جذرياً عن “مملكة الأمس“.
“باربي” والتحول المثير
صحيفة “نيويورك تايمز”، وموقع “هوليوود ريبورتر”، الأمريكيين، سلطا الضوء على هذا التحوّل، انطلاقاً من فيلم “باربي”، الذي مُنع من العرض في دولة الكويت؛ ما دفع البعض للتوجه نحو السعودية لمشاهدته.
وسمحت السعودية والإمارات والبحرين بعرض الفيلم المثير للجدل، ابتداءً من 10 أغسطس الجاري، في حين اعتبرته الكويت “مخالفاً لقيم المجتمع”، وفقاً لوكالة الأنباء الكويتية “كونا“.
وجاء عرضه في السعودية بعد إحداث تعديلات على الفيلم بما يتوافق مع معايير المحتوى بالمملكة، وسط إقبال كبير على شباك التذاكر.
وتسابق شباب كويتيون على شراء التذاكر لحضور فيلم “باربي” في دور السينما السعودية، الواقعة في المنطقة الشرقية، على بعد ساعتين على الحدود الكويتية، وفق “هوليوود ريبورتر“.
وتخطت إيرادات الفيلم المثير للجدل، وفقاً لـ”وارنر براذرز بيكتشرز“، مليار دولار حول العالم، منذ بدء عرضه في 21 يوليو الماضي، وأثار الكثير من النقاش حول موضوع النسوية والذكورية، خصوصاً في الشرق الأوسط، ودول الخليج تحديداً.
صحيفة “نيويورك تايمز” أشارت إلى أن استقبال الجمهور السعودي لفيلم “باربي” يعكس المشهد المتغير في المملكة، التي كانت خالية قبل ثمان سنوات من دور العرض السينمائي.
وتطرقت الصحيفة في تقرير لها، 14 أغسطس الجاري، إلى تفاعل الشباب في السعودية مع فيلم “باربي”، من خلال “ارتداء الأزياء الوردية، ووضع الفتيات طلاء الأظافر الوردي، خلال توجههم لصالات العرض السينمائي يوم افتتاح الفيلم“.
وسابقاً، كان السعوديون يسافرون إلى دول الخليج لمشاهدة الأفلام الشهيرة حين عرضها في دور السينما؛ بسبب عدم وجود دور عرض في المملكة، وكانت الوجهة البحرين والإمارات.
وكان رئيس بلدية الرياض أوضح، عام 2012، أن حوالي 230 ألف سائح من السعودية سافروا إلى الإمارات صيف عام 2010 لمشاهدة الأفلام فقط، في حين تمتلك المملكة الآن سينما مزدهرة، ولديها شباك تذاكر الأسرع نمواً في العالم، وفق “هوليوود ريبورتر“.
ضوابط حازمة
حالة الانفتاح غير المسبوقة على السينما في السعودية ليست مطلقة، بل ثمة ضوابط مهمة، وحازمة، كانت سبباً في منع العديد من الأفلام الشهيرة، كما حصل مع فيلم “دكتور سترينغ 2″، من شركة “مارفل” الأمريكية، الذي مُنع في المملكة، لاحتوائه على مشاهد تدعم المثلية الجنسية.
وقالت صفحة “السينما السعودية”، التابعة للهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، منتصف يونيو الماضي، إنها لن تجيز “أي فيلم يتعارض مع ضوابط المحتوى المعمول بها في نظام الإعلام المرئي والمسموع ولائحته التنفيذية، ما لم تلتزم شركات الإنتاج بتنفيذ التعديلات المطلوبة”، وذلك انطلاقاً من حرص الهيئة “على سلامة المحتوى المعروض في صالات السينما، ومسؤوليتنا تجاه المشاهدين“.
واعتمدت الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع في المملكة، في أبريل 2018، نظام تصنيف المحتوى للأفلام التي ستعرض في دور السينما، بما يتناسب مع مختلف الأعمار.
ويشمل نظام فسح وتصنيف المحتوى المعتمد 6 فئات، تتناسب كل فئة مع العمر والمشاهد والموضوعات التي يتناولها الفيلم، حيث سيمنع الأطفال أو من تقل أعمارهم عن 12 عاماً من مشاهدة أفلام تحتوي على بعض المشاهد التي لا تتناسب مع طبيعة سنّهم، كما لن يسمح بدخولهم ما لم يكونوا بصحبة شخص بالغ من ذويهم.
تفوق شباك التذاكر السعودي
في أبريل من العام 2018 افتتحت أول دار عرض سينمائي في المملكة، بعد غياب استمر قرابة 35 عاماً.
ومنذ ذلك الحين تطور قطاع السينما تطوراً كبيراً، حتى أصبحت المملكة الأسرع نمواً في شباك التذاكر على مستوى المنطقة، حيث ارتفعت حصة إيرادات السينما بالسعودية من 15% لنحو 40% من إيرادات الشرق الأوسط.
وذكرت إحصائية صادرة عن الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع مؤخراً، أن إجمالي إيرادات شباك التذاكر لدور السينما السعودية عام 2022، بلغت حوالي 250 مليون دولار، بزيادة 9% مقارنة بالعام 2021.
وحتى نهاية العام 2022، أصبح لدى المملكة 63 دار سينما، مقابل 54 في 2021، في حين تخطط الحكومة لزيادة عدد دور العرض إلى 350 داراً، تعرض 2500 فيلم في عموم المملكة، ضمن “رؤية 2030″، وفق تقرير صادر عن شركة برايس ووتر هاوس كوبرز (PWC) الاستشارية.
استثمار طموح
وعلى صعيد الاستثمار في مجال السينما، قال الرئيس التنفيذي لشركة “موفي سينما” السعودية، أدون كوين، إن الشركة تعتزم ضخّ 600 مليون ريال (160 مليون دولار) لإنتاج المحتوى السينمائي على مدى 5 سنوات في المملكة، وفق ما نشرته قناة “الشرق للأخبار” السعودية، في يناير من العام الجاري.
ومطلع العام الجاري أطلقت “موفي ستوديوز” أول فيلمين من إنتاجها في صالات السينما وهما الفيلم السعودي “سطّار” والمصري “اثنين للإيجار“.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة السعودية: “سيرتفع إنتاج الشركة إلى 8 أفلام خلال العام المقبل، ليصل إلى 20 فيلماً سنوياً ابتداءً من عام 2025 فصاعداً“.
وتأتي خطط الشركة السعودية مدفوعة بالإقبال الكبير من رواد السينما على الأفلام المحلية، حيث حقق فيلما “سطار” و”الهامور” 30% من إجمالي عدد التذاكر المبيعة في يناير الماضي، وحطم الأول الرقم القياسي كأعلى فيلم سعودي حضوراً على الإطلاق بتسجيله 900 ألف تذكرة دخول، حسب كوين.
وخلال العامين المنصرمين، جرى تصوير العديد من الأفلام الشهيرة لشركتي “هوليوود” و”بوليوود” داخل السعودية، أبرزها فيلم “قندهار” الذي أنتج هذا العام، و”محارب الصحراء”، الذي أنتج عام 2022.
كما جرى تصوير فيلم “Dunki”، للنجم الهندي شاه روخان، في صحراء العُلا، الذي من المتوقع أن يُطرح للعرض في ديسمبر المقبل.