“الحياة”: فيلم نادين خان عالم سحري لفئة العشوائيات
في جريدة “الحياة” اللبنانية كتبت فيكي حبيب مقالا بعنوان “أصوات نائية متمردة تصدح أملا” بتاريخ الجمعة 14 ديسكبر، توقفت خلاله أمام عدد من أفلام المخرجات العربيات المعروضة في مهرجان دبي نقتطف منه الجزء التالي المتعلق بفيلم “هرج ومرج” لنادين خان…
موهبة نسائية أخرى من شأنها ان تكون عنصراً بارزاً في السينما العربية الجديدة، قدّمها هذه المرة مهرجان دبي من مصر، هي نادين خان ابنة المخرج الكبير محمد خان التي عرضت فيلمها الروائي الطويل الأول “هرج ومرج“بعدما عملت كمساعدة مخرج مع عدد من المخرجين المكرّسين، مثل يسري نصرالله في “باب الشمس“و “جنينة الأسماك“ومحمد خان في “بنات وسط البلد“.
واللافت ان “هرج ومرج“الذي ظل لفترة طويلة معلقاً بعدما رفضته الرقابة على المصنفات الفنية في مصر قبل ثورة 25يناير، خيّب آمال الذين قصدوه وفي ذهنهم شريط سينمائي يوجه النقد اللاذع الى عهد مبارك… ففي هذا الفيلم لا نقد سياسياً مباشراً أو كلاماً عن فساد رجال شرطة أو المحسوبيات. كل ما في الأمر اننا أمام قرية ريفية تعيش في عزلة منقطعة النظير ولا تربطها بالعالم الخارجي إلا عربة تأتي محمّلة باحتياجات السكان الأساسية، من مشرب ومأكل وقوارير غاز… بيئة استنبطتها المخرجة من أحد المخيمات الفلسطينية في لبنان أثناء مشاركتها في تصوير فيلم “باب الشمس“، فأسقطتها على قرية ريفية مصرية، تناستها يد الدولة، ما فتح الباب واسعاً أمام سطوة الفتوّات. “ففي حارتنا إما أن يكون الرجل فتوّة وإما أن يُعدّ قفاه للصفع (…) ومن عجب أن أهل حارتنا يضحكون! علام يضحكون؟ إنهم يهتفون للمنتصر أياً كان المنتصر، ويهللون للقوي أياً كان القوي“… انه وصف يرد في رواية نجيب محفوظ “أولاد حارتنا“، يبدو أنه ألهم نادين خان، وهي ترسم بعض شخصيات فيلمها، خصوصاً لناحية نفوذ “الفتوّات“الذي شدّدت عليه في أكثر من مشهد، مثل مشاهد الطوابير الطويلة التي تتجاوزها، مثلاً، من دون اي اعتراض، ابنة “الحاج سيد“، كبير الحارة، في كل مرة تصل عربة المؤن الى الساحة.
ففي هذا المجتمع، يحظى الأقوى بامتيازات ترفعه أشواطاً عن إخوته في الطبقة المسحوقة. وعلى هذا المنوال، تدور الأحداث على مدار سبعة أيام، مُستَهَلّة بجنازة لا نعرف صاحبها فجر الاثنين لتعود وتنتهي في اليوم ذاته وقد عرفنا هوية الفقيد بعد مباراة تنافسية في كرة القدم بين “منير“و“زكي“للفوز بقلب ابنة “الحاج سيد“، وتصفيق اهل الحارة للمنتصر، أياً كان المنتصر، سواء كان “الطيب“أو “الشرير“.
أمام هذا المشهد، يبدو قرار الرقابة محيّراً، بما ان الشريط، لا يتضمن ما يُفترض أن يزعج عهد مبارك. كذلك الأمر بالنسبة الى جواب نادين التي اعتبرت أن السبب قد يكون كامناً في تصوير الفيلم بلدة من دون ماء أو غاز. طبعاً سبب مثل هذا، ما كان ليثير حفيظة الرقابة، خصوصاً أن أفلاماً مصرية كثيرة تضمنت ما هو أكثر من ذلك ومرّت امام مقص الرقيب بسلام.
لكنّ من قرأ السيناريو رأى فيه ما لم تجسده كاميرا نادين خان، ولعل هنا بيت القصيد الذي يفسّر الموقف من الفيلم قبل الثورة.
أياً يكن الامر، وسواء قدمت نادين خان تنازلات شخصية أو ارتأت أن يبتعد فيلمها عن أي استفزاز، خصوصاً في ما يتعلق بالاستفزاز اللفظي الذي قيل ان جرعته كانت مكثفة جداً في السيناريو خلافاً للفيلم، فمما لا شك فيه أنها نجحت في خلق عالم “سحري“لفئة العشوائيات، مختلف عن السائد في السينما المصرية… والأهم أنها نجحت في السيطرة على مجاميع كبيرة (استعانت بأكثر من 500 شخص) واستخراج جماليات من عمق القسوة القاتمة مهما كان رأينا في القصة وتناولها بسطحية