“البعض لا يذهب للمأذون مرتين”.. بين الكوميديا والتهريج
يفتح اسم فيلم “البعض لا يذهب للمأذون مرتين” المجال أمام طرح الأسئلة حول اختياره وقربه من الفيلم القديم الذي أنتج عام 1978 بعنوان “البعض يذهب للمأذون مرتين” هل بسبب أن الفيلم الجديد يعتبر جزء ثان من القديم أم أن صناع العمل يلتمسون مع نفس الفكرة أم نوع من التكريم من قبل كريم عبد العزيز بطل الفيلم الجديد لوالده المخرج الكبير محمد عبد العزيز مخرج الفيلم القديم، لكن بعد مشاهدة الفيلم الجديد الذي عرض مؤخرا في دور العرض يتضح ان الأمر مجرد فقر ومحدودية إبداعية ليس أكثر ومحاولة فقط من استغلال نجاح سابق لفيلم قديم يعتبر من أبرز الأفلام الكوميدية خلال فترة السبعينيات.
الاختيار الأول المتعلق بأنه جزء ثان تلاشى مبكرا فالأبطال مختلفون والقصة أيضا، أما الاختيار الثالث المرتبط بتكريم النجم لوالده المخرج الكبير فهو أمر مقبول على المستوى الإنساني ومحمد عبد العزيز يستحق لما قدمه خلال مشواره لكن بالتأكيد سينمائيا الوضع مختلف، أما الاختيار الثالث الذي يدور حول الالتماس او التقارب مع الفيلم القديم فهو الأمر الذي بدأ بشكل مبشر خلال البداية فقط حيث أن الفيلمان يطرحا فكرة العلاقات الزوجية ومفهوم الطلاق، الفارق أن الفيلم القديم جعل الرجال ضحايا إلى حد ما إلى عيوب زوجاتهم سواء بسبب الغيرة أو بسبب كثرة الانجاب، لكن الميزة في الفيلم الجديد كان الطرح الحيادي بين الزوجين فلاكهما متسبب في توتر أو فشل العلاقة.
احتوى فيلم “البعض لا يذهب للمأذون مرتين” للمخرج أحمد الجندي على ثلاث نقاط من الضوء التي تظهر وتتوهج لكن سرعان ما تخفت وتنزلق داخل مستنقع الاستسهال والاستظراف والمشاهد الكوميدية المتكلفة و الأحداث الغير مترابطة، النقطة الأولى كانت الطرح الجديد الخاص بالحيادية بين الزوجين خفت سريعا وراء الرسم السيئ لشخصيتي الزوجين الإعلامي خالد مختار “كريم عبد العزيز” وطبيبة العلاقات الزوجية ثريا الببلاوي “دينا الشربيني” والتأسيس الغير واضح لطبيعة العلاقة بينهما وأسباب توترها.
يلجأ خالد إلى صديقه المحامي الشهير في قضايا الطلاق أنيس الببلاوي “ماجد الكدواني” الذي هو في نفس الوقت شقيق زوجته ويتحدث معه حول الطلاق ونفس الحال يحدث مع ثريا التي ترغب في الطلاق أيضا لكنها تخشى على أن تتأثر أمام مريديها حيث أنها من أشد أعداء الطلاق، وبعد ما يقرب من مرور نصف الفيلم (45 دقيقة) والفيلم مدته (100 دقيقة) من المشاهد الضعيفة والغير مترابطة والهدف منها إطلاق “الإفيهات” المستهلكة ليس اكثر خاصة بعد ظهور المحامي أنيس الذي انزلق الفيلم في قضاياه الخاصة بالطلاق ليضفي جانب جديد من المشاهد المتكلفة والساذجة التي جعلت الفيلم أقرب إلى تهريج سخيف ثقيل الظل.
ظهرت نقطة الضوء الثانية والتي كانت من خلال الحدث الأبرز وهو قيام خالد بإتلاف النظام الخاص بكل مواثيق وعقود الزواج في مصر مما جعل أن كل الزيجات في البلد غير صحيحة وأن هناك حالة من “الطلاق الجماعي”، وبصرف النظر على أن الحدث “الجميل” جاء بعد فترة من التخبط وعدم وجود بناء جيد له من الأساس أو حتى معرفة مدى صحة هذا الوضع في الواقع لكن الحدث نفسه جديد وخفيف الظل ويمكن تطويعه دراميا بشكل جيد.
سريعا خفتت نقطة الضوء الثانية حيث انحرف الفيلم عن الحدث الجيد ليدخل مسار مختلف شديد التكلف والسذاجة من خلال إظهار حالة الثلاثي خالد وثريا وأنيس خاصة عندما ينتقل أنيس للعيش معهما في نفس المنزل وظهور شخصيات أخرى ساعدت على التراجع أكثر على غرار شخصية الأب “أحمد حلاوة” و”محمد ثروت”.
نقطة الضوء الثالثة ظهرت مع وجود شخصية أبوهيف “بيومي فؤاد” المسئول الذي اقترح على الثنائي فكرة أنهما “القدوة” ويجب أن يجتذي الجميع بينهما من خلال قيام الثنائي بالزواج مرة أخرى وقام بإجبارهما على التنفيذ، وهنا الإفيه الجميل كيف يكون ثنائي اتفقا على الطلاق أن يكونا قدوة لكل المتزوجين من الشعب المصري.
لكن سرعان ما اكتسى السواد الضوء مرة أخرى عندما انزلق الفيلم في الأمرين الأول تقليدية تواجد بيومي فؤاد مؤخرا وظهور معه محيي “شخصية لا محل لها من الإعراب”، والأمر الثاني اختطاف ثريا من قبل “السنجاب” الشخصية التي قدمها عمرو عبد الجليل زوج “همس التمني” التي قدمتها نسرين أمين وهما شخصيتين تم اقحامهما في الأحداث دون داع او ضرورة بالعكس فقد انحرف الفيلم معهما عن مساره من جديد ليدخل وصلات جديدة من التهريج وثقل الظل مع الشخصيتين ونفس الأمر مع كل ضيوف الشرف الذين ظهروا في الأحدث (شيكو – مصطفى قمر – أحمد فهمي) فقد كان الهدف من ظهورهم هو السخرية من أعمالهم فقط دون وجود أي جدوى درامية.
يعد كريم عبد العزيز من أفضل وأنجح النجوم الرجال على الساحة حاليا فهو الممثل الوحيد القادر على الجمع بين جميع الانواع “اللايت كوميدي” و”الأكشن” و”الغموض”، ممثل يجيد في كل الأنواع خاصة خفة ظله التي جعلته يحتل مكانة خاصة عن بقية أقرانه لدى الجماهير لكن هذا لا يمنع أن خطوات كريم في السينما تشهد تراجع كبير في أخر أفلامه بداية من الجزء الثاني لفيلم “الفيل الأزرق” ثم “نادي الرجال السري” الذي قدمه مع نفس مؤلف فيلمه الاخير أيمن وتار والذي احتوى على نفس الأزمات أفكار واعدة لكن ضلت الطريق وانزلقت وراء الاستخفاف والاستظراف لكن يظل “نادي الرجال السري” أكثر تماسكا وجمالا في فكرته لكن بدون مبالغة “البعض لا يذهب للمأذون مرتين” أسوأ فيلم في مسيرة كريم عبد العزيز.
الفيلم القديم “البعض يذهب للمأذون مرتين” تجربة كوميدية خالصة ارتبطت بشكل العلاقات الزوجية في السبعينيات من خلال سرد مترابط ومحكم توج بوجود شخصية “عزت الشرنوبي” التي قدمها الراحل سمير غانم وارتباطه بكتاب مستر “هوبنز” الشهير “كيف تخون زوجتك وتسعدها” قد تبدو فكرة غريبة لكنها دراميا ظهرت محكمة على الشاشة مثلما ظهرت بوضوح أزمات الأبطال (نور الشريف وعادل إمام) مع زوجاتهم (ميرفت أمين ولبلبة) ومساعدة ابن العم في تقديم الحلول التي جعلت الثنائي عرضة للمواقف الطريفة من هنا تفجرت الكوميديا لهذا فهذا الفيلم يستحق ان يقترن اسمه بفيلم على نفس القدر من المستوى وأن يتلامس الطرح الجديد مع القديم لكن هذا لم يحدث لأن هناك خيط رفيع بين الكوميديا والتهريج.