الباحث في عالم الأفكار والصور وتواصل المتغيرات التقنية المتقدمة
ازدادت ظاهرة الانتساب الى حقول المعرفة والبحث العلمي والدراسات، ذلك المؤشر الذي يكشف ظاهرة انتعاش الدراسات المتقدمة في حقول المعرفة والعلوم المختلفة، وهذه الحقول لا تتاقلم مع من لا تنطبق عليه سمات العلمية والحذاقة والمهارة والموهبة والجدارة والوعي والذكاء والالتزام بالامانة العلمية، فالبحث العلمي هو ان نفتش وننقب ونتساءل عن كثير من الاشياء والظواهر والعناصر، وان نبحث عن المخبوء والغامض والمنزوي، وان نجيد فن تركيب العلاقات بين عناصر الاشياء مع بعضها، وان نكتشف بعضا من الحقائق والعلاقات فيما بينها، وان نسعىى الى خوض التجربة فيما لو جمعنا س مع ص وبنسب معينة وماذا ينتج؟
وماذا سيحصل لو حذفنا عنصرا معينا، وبأي مستوى يتم التفاعل بين الأشياء والعناصر وتحت اي طرف كان؟
والبحث كذلك يحفزنا ان نسموا في تشخيص أهمية ودور العناصر والاشياء في منظوماتها، وما هي نسبة وجودها او طغيانها او خلوها تماما؟ والبحث العلمي يجدر به ان يسعى الى تطابق الأفكار والمفاهيم مع الحقول العملية بقدر متطابق أو متفاوت، وبما يعزز من أهمية وجمالية العناصر ودورها الوظيفي الفاعل من اجل تحسين مستوى الاداء وزيادة الانتاج مع ضمان الجودة والجدوى النافعة لصالح الفرد والمجتمع، وعلى الباحث أن يزج عمله في الحقول والمختبرات التطبيقية.
فالباحث الطبيب ميدانه المستشفى والباحث المهندس الزراعي ميدانه الحقل الزراعي والباحث السينمائي والتلفزيوني ميدانه الاستديوهات ومنظومات المونتاج ومواقع التصوير، وهكذا، ونعتقد أن أهم عنصر من عناصر البحث العلمي هو دقة اختيار الموضوع وحداثته واهميته وما يحمل من اهتمام لدى الاوساط المعنية بالامر، وعلى الباحث ان يعي بعين الاهتمام جملة من الاشتراطات وهي:
1. البحث والتنقيب عن كل ما يتعلق ويحيط بالموضوع المختار مع مراقبة التطورات التي تحصل اثناء عملية البحث.
2. الذهاب والإحاطة باعرق المصادر الأصلية وعدم الاعتماد على المصادر الثانوية والوسيطة والمستنسخة.
3. تحسين لغة الكتابة بحكم الاختصاص.
4. الاهتمام بالمعلومات الواردة من لغات اخرى والعمل على ترجمتها.
5. التقيد بالامانة العلمية وعدم المساس بها باي شكل من الاشكال.
6. وضع مخطط زمني مدروس لمدة البحث ومراعاة ما يطراء من متغيرات.
7. إثبات شخصية الباحث في الكتابة بطرح وجهة نظره (قبول او رفض او تحفظ الى حد ما) في هذا وذاك وعدم تحويل ذاته الى جهاز استنساخ ونقل وتجميع للمعلومات التي قراها في مصادر مختلفة.
8. عدم زُج البحث بالمعلومات والأفكار غير الموثوقة والمشكوك بصحتها.
9. العمل على تحقيق الفائدة المعرفية والحرفية المهنية العملية في تجربة البحث وعدم الاعتماد على الحصول على الدرجة والشهادة الخالية من القيمة العلمية.
10. التمسك بأسلوب التفكير والتحليل العميق والتطرق الى المزيد من الزوايا والأجنحة المرتبطة بموضوع البحث وعدم اهمالها.
11. التخلي عن اُسلوب حشر المصطلحات. البراقة والمعقدة في البحث اعتقادا من الباحث انها ستثري القيمة العلمية للبحث، والتمسك بالأسلوب العلمي المنهجي الدقيق في تناول الأفكار والمفاهيم في البحث.
12. إدامة الصِّلة مع الاستاذ المشرف واستمرار المداولات والاستشارات باعتباره (نقطة عبور نقية وصائبة) للمعلومات ولا تسمح بمرور الاخطاء والمغالطات والشوائب من الأفكار والمفاهيم.
13. اعتماد سياقات البحث العلمي في الكتابة والمنهجية البحثية المتداولة عالميا وعدم تجاوز الشروط والتعليمات في أصول الكتابة وطريقة البحث.
14. على الباحث السعي الى الابتكار وطرح ما هو جديد وإبداعي وكسر كل ما هو عائق امام التقدم العلمي وبجرأة عالية لا تخشى الروتين والقيود الكلاسيكية.
15. اختيار دقيق للعينات التي تخضع للتحليل من اجل التوصل الى تحقيق التطابق والاشتغال لمؤشرات الرحلة البحثية (الإطار النظري).
16. على الباحث ان يفهم وفق المنهجية أصول معنى وكيفيات العمل بالاستدلال والاستنباط والقياس والاستقراء والتجريب والمسح والاستبيان والافتراض والتفسير والتحليل والى ما يدفع الى نتائج مهمة واستنتاجات جديدة وتحقيق الأهداف المخطط لها من قبل الباحث.
17. البحث في مواضيع السينما لها من الخصوصية المهمة، فهي تشع محمولات فلسفية وجمالية، وهي عالم الضوء وموسيقاه المرئية، وعالم الصورة وتكويناتها ومعماريتها وحركتها والزوايا المصممة لها هي نافذة للرؤيا كوجهات نظر متعددة حسب المقتضى.
والسينما عالم المرئي واللامرئي، وأشكاله مغلقة ومفتوحة، بواقعيتها وانطباعيتها، وهي الحاملة للخطاب السمعي البصري، وهي فسحة واسعة للتعامل مع الاستعارة والكناية والانزياح والايحاء والاختلاف والغياب والحضور والفراغ والفسحة والحيز والاضمار وهي التي تتخذ من العلامات والاشارات والأيقونات والشفرات سيميائية للخطاب الفيلمي.
فعالم الفيلم ليس عالم الواقع، فهو مختلف عنه حتى في فيزياءيته، وعالم الخيال والأحلام حجة في التصديق والإقناع لكل ما تبيح به المخيلة من صنع الافلام والعوالم الفيلمية، اما عالم التقنيات البصرية والصوتية الحديثة والرقمية فقد احدثت طفرة كبيرة في خلق عوالم افتراضية تخطت حدود الحداثة وما وراءها من تنبؤات وتصورات مستقبلية، ويبقى الباحث منهمكا بعالم الحكاية الفيلمية وأسلوب سردها والطريقة التي تمت معالجتها وباي نوع من المونتاج وكيف ظهرت الاشكال والأماكن والديكورات وكيف ظهرت الوقائع والحوادث وباي نوع وشكل من الشخصيات وكيف تحقق التماهي معها ومع العناصر الاخرى ؟
وكيف تداخلت الازمنة في القصة وما هو مستوى الايقاع في الفيلم ووفق اي اتجاه ومذهب بني الفيلم وما هو مستوى الادهاش والإقناع المتحقق وكيف استطاع المخرج ان يختزل ويخبى ما يرغب باخفاءه تاركا الحرية للمتلقي في خيارات البحث عن المعنى والمعنى المتحقق. اشياء كثيرة في متناول الباحث ان يذهب اليها وسيجد الى اي مدى يمكن ان تتحقق ثنائية الفكر والجمال في عالم الفيلم؟.