“الأبواب المغلقة”.. كيف تصنع قنبلة بشرية؟
يظل حضور الأفلام السينمائية قويا عبر الزمن من خلال أمرين: قوة وجرأة موضوعاتها، وبراعة معالجاتها لهذه الموضوعات بأدوات الفن، وهي أدوات ماكرة وغير مباشرة، لا تنقل الواقع، وإنما تعيد قراءته، فتصنع واقعا موازيا مؤثرا، وترى ما هو أعمق من الوصف السطحي، أو النظرة العامة العابرة.
من هذه الزاوية، فإن الفيلم المصري “الأبواب المغلقة” تأليف وإخراج عاطف حتاتة، والذي عرض في العام 2001، عمل مدهش في جرأته وتحليله للطريقة التي يتحول بها شاب من طالب حالم الى قنبلة بشرية، هو بطل الحكاية من الألف الى الياء، ولكن الفيلم يقوم بتشريح حياته العائلية، وظروف المجتمع كله، ولا يتردد في مواجهة مجتمع في أزمة، لا يستطيع أن يتقدم الى الأمام، ولا يمكنه حل مشاكله، وتدفعه قوى كثيرة الى الخلف.
ليست المسألة في الظرف المحلي فقط، فالعالم كله في صراع يؤثر على المجتمع سياسيا واقتصاديا، يقلل من فرص العمل، ويجعل المستقبل غامضا، الحكاية كما يوجزها عنوان الفيلم البليغ في وجود أبواب مغلقة في كل مكان،في مقابل طاقة هائلة مكبوتة، وقوى تشد بطلنا في كل الإتجاهات حتى يتمزق، يصبح ضحية وجانيا في نفس الوقت، ويصنع نموذجا قابلا للتكرار، بل هو يتكرر يوميا تقريبا في كل مكان من هذه المنطقة المنكوبة.
وما كان لهذه الرؤية التحليلية الثاقبة أن تكون جيدة لولا الطريقة التي صنعت بها: سيناريو جيد ومتماسك، ورسم بارع لكل الشخصيات، وليس لشخصية البطل الشاب فحسب، وتفاصيل واقعية تحقق الإيهام المطلوب، سواء في الشارع أو في المدرسة، أو في الديكورات الداخلية، ومخرج يعرف كيف يدير ممثليه، وكيف يتحكم في إيقاع السرد وصولا الى ذروة صادمة، ويتيح للجمهور أن يتأمل أيضا هذه العلاقات الغريبة، التي نمر بها أحيانا فلا نراها.
مع الأسف لم يخرج عاطف حتاتة سوى هذا الفيلم الروائي الطويل، الذي يكشف عن موهبة عظيمة في الكتابة والإخراج، وفي قراءة الواقع ومعالجته بصورة لامعة.
لا خطب ولا شعارات
أفلام كثيرة عالجت مسائل انحراف الشباب والطلاب، وكان الهدف الأخلاقي واضحا دائما، والنبرة الوعظية الأبوية حاضرة، بل إن فيلما مثل “أحنا التلامذة” يتحول في نهايته الى خطبة مباشرة، ولكن “الأبواب المغلقة” لا يخطب ولا يصرخ، وإنما يعرض أمامنا قطعة من الحياة، ويجتهد في دراسة شخصية بطله، وفي بناء تفاصيل حياته النفسية والإجتماعية، ثم يتركنا نتأمل تحوّل شاب هاديء يريد أن يكون طيارا، الى قاتل عنيف، ويجعلنا نتساءل عما هو أهم: كيف ينتهي هذا التزاحم الى فراغ كبير وهائل؟ وكيف يؤدى عدم التحقق الى انفجارات في كل الإتجاهات؟
وبينما يبدو غياب الأب والأم هو الشكل التقليدي لهذا النوع من الدراما، فإن محمد أو حمادة بطل الفيلم يعاني من حضور مكثف للآباء والأمهات، ولكن هذا التزاحم يلقي عليه أعباء مضاعفة، لا يحل مشاكله، ولكنه يعقدها.
هناك ثلاث أمهات، وأربعة آباء ، واثنين من الأخوة، إذا لم تصدق فلنحلل ونرى:
هناك الأم الطبيعية فاطمة، وهي امرأة بمائة رجل، تعمل في البيوت لكي تنفق على محمد، بعد أن تركها والده، جرت في يده الأموال من خلال مكتب سفريات يمتلكه، فتزوج على فاطمة، تنظر فاطمة الى حمادة باعتباره رجلها الوحيد والأخير، بعد أن سافر أخوه صلاح الى العراق، وانقطعت أخباره منذ ثلاث سنوات.
تمثل فاطمة بالنسبة لحمادة نقطة ضعفه، لا هو قادر على إعالتها، ولا هو قادر على تركها، رغم رغبته العارمة في السفر، هي أيضا جسد يريد حمادة أن يحميه، ويغار عليه، وعندما يكسب حمادة من عمله، تتضخم سلطته على أمه، إنها فعلا امرأة بمائة رجل، ولكن مشاكل حمادة أكبر وأخطر.
الأم الثانية افتراضية: الجارة زينب التي تدعي أنها ممرضة، بينما هي عاهرة محترفة، وزوجها يعلم، ولكنه يدعي أنه لا يعلم، زينب تذكر حمادة بأنه كان منذ وقت قليل صبيا صغيرا، وأنه كبر فجأة، تستدعيه ليونسها، تكتشف أنه صار رجلا، ويكتشف أنها أنثى مشتهاة، يريدها ولكن أشياء كثيرة تمنعه، وحتى عندما يلمس جسدها، يتركها ويهرب في المرتين، هذه الأم الافتراضية تزيد من صراع حمادة الجسدي والأخلاقي، يشك دائما في أن “مشيها بطّال”، وتظل دوما جسدا فائرا يتحدى غرائزه المكبوتة.
الأم الثالثة عابرة تماما، وهي لبنى هانم التي تعمل عندها أمه كخادمة، يزور حمادة أمه فاطمة عند مخدومتها، فتشجعه لبنى هانم ببعض الكلمات، تتمنى أن يصبح طيارا، وتمنح أمه 50 جنيها لشراء احتياجات حمادة في العام الدراسي الجديد، لبنى هانم تؤثر على حياة حمادة أيضا، تثبت له وتذكره بأن مستقبله رهن بقاء أمه في الشقة، وعندما تطرد لبنى أمه فاطمة، يضطر حمادة للعمل، وتتوطد علاقة أمه بالمدرس منصور، مما يقود الى النهاية الدموية.
أما آباء حمادة، فأولهم والده الطبيعي صاحب مكتب السفريات، وهو حاضر غائب، تلجأ إليه فاطمة لينقذ ابنهما من صراعاته، فلا يتجاوب، يذهب إليه حمادة بشأن الحصول على دروس، فلا يعود إلا بقلم هدية، الأب هو أيضا الذي شجع ابنه صلاح على السفر الى العراق، ولا يتردد في نصيحة حمادة بأن يسافر مثل أخيه، غياب الأب رغم حضوره سيكون سببا في انفتاح الباب أمام آباء آخرين لحمادة.
الأب الثاني افتراضي وهو منصور مدرس اللغة العربية، الشخصية كما رسمها السيناريو رمادية، يمكنك أن تراه قد أساء معاملة حمادة في الفصل، لكي يضمه الى المجموعات والدروس، وهذا ما سيحدث فعلا، ولكن يبدو أن سلوك منصور سيتغير مع إعجابه بفاطمة، يشعر حمادة بذلك، فيتجه العنف ناحية هدف محدد، يحافظ الفيلم بذكاء على غموض العلاقة بين فاطمة ومنصور، يتركنا نخمن هل تزوجا أم لا؟، لن يضيف ذلك الكثير الى موقف حمادة الذي تحول نهائيا الى قنبلة تريد أن تنفجر، وهذا الموقف الغامض نموذجي في مجال تفجير القنابل.
الأب الثالث هو المدرس المتطرف حسن، ويمكن أن نضيف أيضا في هذه الفئة الشيخ المتطرف خالد، الاثنان يسيطران على عقل حمادة الباحث عمن يسمعه، يشكو صراعاته الجسدية للمشايخ، ويسعد بمعاملتهم الودودة، يتحدثون بالقرآن والأحاديث، ويقدمون الزواج المبكر حلا لمشاكل حمادة الجنسية، ولكن المشايخ يريدون أيضا أمه، وهم يكفرون كل المجتمع، وهكذا تتحول الحلول الى مشكلات، تزيد من أزمة حمادة، الآباء المشايخ يريدون أن يحلوا محل الأب الطبيعي مجازا وواقعا، وهو أمر يزيد من معاناة البطل الحائر.
أما في دائرة الأخوة، فهناك بالطبع صلاح الأخ الطبيعي لحمادة، هذه الشخصية لن نراها إلا كصور وخطابات، علاقته مع حمادة لم تكن جيدة، كان صلاح يضرب حمادة باستمرار قبل السفر الى العراق، ولكنه يسأل عنه في الخطابات، سيمزق حمادة هذه الخطابات ، وهو يحاول أن يحسم صراعاته الى الأبد، حمادة فقد الأب والأخ مع أنهما على قيد الحياة، يقول لصديقه عوضين إن صلاح مات، لقد مات فعلا بالنسبة له، أما الأب فيقوم حمادة بقص صورته، لكي يفصلها عن أمه.
الأخ الثاني ل حمادة افتراضي وهو صديقه عوضين بائع المناديل والزهور في الإشارات، حالته أسوأ من حمادة، ويفتح له طريق العمل وكسب بعض النقود، عوضين بلا أسرة، كان في الجامعة وتركها، طردته أمه من البيت بسبب تحرشاته بأخواته البنات، كوم من اللحم والرغبات في حجرة صغيرة، والأم بائعة في سوق التوفيقية.
عوضين يصبح أخا بديلا وسندا حقيقيا، ولكنه يزيد بحكاياته وبموته المفاجيء من صراعات حمادة الداخلية، كان عوضين يعلق على النساء الخائنات لأزواجهم، ومات فجأة بعد أن صدمته سيارة، غطوا جثته بالجرائد، وصمت حمادة متألما خوفا من الدخول في مشكلات، أدرك وقتها أن موت صديقه كان مجانيا، تماما مثل حياته القصيرة.
زحام وفراغ
يفضي هذا التحليل والبناء الذكي للعلاقات الى قانون الفيلم الخاص، حيث لا يؤدي هذا الزحام الى إثراء حياة حمادة، بل يؤدي الى زيادة صراعاته، وشعوره بفراغ وحيرة هائلين، إنه زحام التشوش والفوضى، وبينما يفترض أن تفتح هذه العلاقات أبواب الأمل أمام حمادة، فإنها تمثل في الواقع أبوابا مغلقة إضافية، وقيودا راسخة تشده الى الأرض، بينما هو يحلم بالتحليق مثل الحمام.
حياة مكبوتة في كل اتجاه: في الجنس وفي المدرسة وفي الشارع، وحتى مع المشايخ، عليه أن يدرب نفسه على قمع رغباته، وجود أم بديلة وأب وبديل وأخ بديل، لا يعوض حمادة، ولكنه يذكره بأزمته مع أمه الطبيعية، ومع أبيه الطبيعي، ومع شقيقه الطبيعي الغائب، في البيت أجساد تطارده، وفي المدرسة يضربونه بالعصا، وفي الشارع بهدلة لانتزاع النقود، وفي المسجد التزام لا يقدر عليه، فما الذي يستطيعه شاب خرج توا من طور الصبا الى طور الرجولة؟
لا يمكن أن يخرج هذا الكبت إلا في شكل عنف عارم يبحث عن موضوع أو شخص ما، يتطور الأمر بالنسبة لحمادة من مطاردته لراكب دراجة عاكس أمه، الى مشاجرات دموية مع زملاء الشارع، الى رؤية حمادة لرجل قتل امرأته، بعد أن انتظرها على باب السينما هي وعشيقها، يحكي حمادة تفاصيل تلك الجريمةىالتي شاهدها بهدوء لأمه وللجارة زينب، يبدو شخصا آخر غير حمادة الهاديء والخجول.
تتجلى صراعات حمادة الداخلية في عنف وثورة على الأم، وفي التردد على المسجد، ثم في محاولة التحرش بالجارة زينب، طاقة هائلة تغلي وراء أبواب الجسد المغلقة، حتى تجد طريقها للإنفجار في مشهد قتل الأم فاطمة والمدرس منصور، يتجاوز هجومه عليهما بشراسة معنى الإنتقام، إنه يبدو كما لو كان يقتل صراعاته التي دمرته تماما، فلا هو طالب، ولا هو شيخ، ولا هو ابن شوارع، ولا هو يستطيع أن يسافر، ولا هو يمكن أن يكون طيارا.
من النادر أن نجد تحليلا عميقا لأزمة هذا الجيل والأجيال التالية على هذا النحو العميق، الفيلم يبدأ بعد غزو صدام للكويت بشهر تقريبا، هذا التحول العميق سيغلق مزيدا من الأبواب، سواء في فرص حمادة للسفر، أو في تراجع فرص أمه للحصول على عمل، بعد أن عاد الكثيرون من العراق والكويت، أو في صعود التيار الديني المشتدد، حيث ضرب الغزو الفكرة القومية العربية في مقتل، وأدى الى أن يحارب شاب مصري في العراق، شقيقه المصري في الكويت، يظهر هذا الشاب في مؤتمر للمتطرفين وهو يقول إن وطنه الوحيد هو الإسلام، فيزيد من حيرة وصراعات حمادة.
مجتمع عدو
المزيد من الأبواب المغلقة في الداخل والخارج، والتشوش والغموض في كل شيء، اما المستقبل فلا وجود له، وحول حمادة مجتمع كافر، عليه أن يفارقه، أما جسده فهو عدو يقوده الى المعصية، المرأة أيضا عدو، حتى جسد الأم يغويه، طاقة الحياة المكبوتة تتحول الى طاقة موت متفجرة، هذا التحليل النفسي صائب تماما، ولكنه ليس هو العنصر الوحيد للتطرف والإنفجار، فلابد من فشل في التحقق والتكيف مع المجتمع، ولابد من فراغ هائل رغم حضور الكثيرين، ولابد من حاضنة دينية تعرف كيف تملأ الفراغ، وتبث الثقة، وتدرب على الطاعة، وتوجه العنف، وتبعث القنابل الى أهدافها، حاضنة تستغل الهزيمة والجهل وفشل التعليم والفقر وانكسار الروح وعدم إشباع الجسد وفوضى مراحل الإنتقال، ستكسب هذه الحاضنة مؤقتا، لكنها لن تحل مشكلات المجتمع ولا الأفراد، بل ستزيد من الفشل، وستكون عنوانا على الغيبوبة، وليس على الصحوة.
يفتح الفيلم الباب أمام تأملات لا حصر لها، رغم أنه لا يقول أي كلمات مباشرة، وليس فيه خطب أو مواعظ، ولكننا نتمزق ونحن نشاهد انهيار شاب هاديء رقيق ورومانسي، نعتبره قاتلا وضحية في نفس الوقت، نتعاطف كثيرا مع أمه المكافحة، لا تستحق أبدا هذه النهاية، حتى منصور المدرس نتعاطف معه وهو يحكي عن شقيقه العائد من السعودية، والذي تزوج حيببته، ودخل بها في حجرته بالشقة، بينما ظل منصور نائما في الصالة، كوميديا سوداء.
أما عن الصورة فهي شديدة الثراء والدلالة: أكوام القمامة التي تجاور سور المدرسة، ثم هروب حمادة بالقفز من فوق السور، لقطة حمادة جالسا في يأس على الرصيف بعد أن فشل في تسويق الزهور، حمادة وأمه في المرآة في ملابس جديدة، طابور الطلاب المتأخرين عن الطابور وهم يتلقون ضربات بالعصا على أيديهم، الرجل ذي الجلباب النائم أسفل حائط كتبوا عليه مواعيد رحلات السفر الى ليبيا والعراق وجدة، الطالبة ذات الشعر المفكوك التي يتأملها حمادة من فصله بالحركة البطيئة، صورة شادية في التليفزيون وهي تصارع صوت كاسيت أطلقه حمادة لخطبة من أحد مشايخ التطرف والتشدد، القطع من حمادة الضائع الى أفيش فيلم بعنوان “البطل”.
وكأن مأساة فاطمة وابنها حمادة انعكاس لفوضى وتخبط مجتمع بأكمله، وبينما يسخر منصور المدرس من تشتت تركيز حمادة قائلا: ” دي مدرسة يا بني مش سيما”، فإن السينما تثبت بهذا الفيلم أنها تشهد على زمنها، وتفضح عيوبنا، وتعلمنا من أين تأتي الكوارث وقنابل الموت، وأنها أصدق وأقوى من كل الشعارات الخاوية، التي تحاول الهروب من المشاكل، وليس مواجهتها.
براعة عاطف حتاتة كانت أيضا في اختياره للممثلين، وعلى رأسهم سوسن بدر التي قدمت أحد أفضل أدوارها السينمائية، فاطمة المرأة والأم، المكافحة والصابرة، الحنونة والثائرة والشاهدة على تفكك عائلتها، مشهد بكائها بدون صوت في التليفون بعد مواجهتها لزوجها من أفضل مشاهدها في الفيلم، ترتعش شفتاها، صعبت عليها نفسها وحياتها وانهارت قوتها أمام خذلان الزوج، فاطمة تمثل بطلات مصريات كثيرات مقاتلات تخسرن معاركهن في كل يوم.
كان اختيار الموهوب أحمد عزمي لدور حمادة موفقا تماما سنا وأداء، وكأن عزمي يمثل نفسه وجيله، لا غربة ولا تكلف، صراعات حمادة هي صراعات هذا الجيل بتنويعات مختلفة، الشخصية تمر بمراحل كثيرة وصولا الى القتل، كلها لعبها عزمي بامتياز، له أدوار جيدة مختلفة بعد ذلك، ولكن ما زال دور حمادة هو أفضل أدواره، سواء في السينما أو في التليفزيون,
محمود حميدة لعب دور منصور المدرس بطريقة تؤكد غموضه، ربما كان ذلك مقصودا، لأن منصور شخصية مكسورة وعملية في الوقت نفسه، هو ضحية ولكنه أيضا جزء من مجتمع متغير، لا شك في أنه أحب فاطمة، ولا شك في أنها أحبته أيضا، ولكننا لن نعرف المدى الذي وصلا إليه في ترجمة هذا الحب، من الوارد جدا أنهما تزوجا، وأخفيا الخبر عن الجميع، تركيبة فاطمة، وحديثها عن كونها متزوجة أمام المشايخ تشير الى أنها ربما تكون قد تزوجت، ولكن السيناريو ترك مهمة التخمين للمتفرج، في كل ألأحوال، فإن قتل الابن للأم جريمة كبرى حتى لو لم تكن متزوجة.
منال عفيفي ممثلة مميزة للغاية اختفت فجأة، لعبت دور زينب بطريقة جيدة، الشخصية تعي اختياراتها، ولكنها أيضا جزء من تناقضات زمنها، وتناقضات ظروفها الزوجية.
ماهر عصام ممتازا في دور عوضين، ابن الشارع والصديق الذي يمثل بديل الأخ، شخصية ثرية ومؤثرة سواء في ماضيها أوفي حاضرها ونهايتها، ماهر عصام من أفضل المواهب التمثيلية التي رحلت مبكرا.
لعب ضياء عبد الخالق وأحمد قؤاد سليم دورا الشيخ حسن والشيخ خالد بطريقة مقنعة، لهما حضور وهيبة، كما لعبت سلوي محمد على دور لبنى هانم بشكل جيد، المرأة الثرية العملية التي يعذبها عدم إخلاص زوجها، والتي تعرف متى تتباسط مع فاطمة، ومتى تحذفها من حياتها,
يبدو إيقاع الفيلم (مونتاج داليا الناصر) مثل وتر مشدود، تتصاعد الأحداث في سلاسة وتكثيف وصولا الى لحظة الذروة، الواقع حاضر بتفاصيله في الأماكن وفي ديكورات حامد حمدان وفي ملابس ناهد نصرالله، وموسيقى هشام نزيه لا تستخدم إلآ آلات قليلة لكي تجسد المأساة، لا صخب ولا ضجيج ولا كورال ينوح، ولكنها أنغام البيانو والتشيللو والناي (أو ربما الكولة)، التي تثير شجنا عميقا بحجم الفشل والخذلان.
يبدأ “الأبواب المغلقة” بعين حمادة وهي تطل من فتحة في الجدار على بنات المدرسة المجاورة، قرب النهاية يغلق حمادة هذه الفتحة، وينتهي الفيلم بصوت طرقات على الباب بعد أن قتل حمادة أمه فاطمة والمدرس منصور، وجلس بجوارهما ملطخا بالدماء، ويستمر صوت الطرق على عناوين النهاية، ليحذرنا من كوارث لا تنتهي.
مشاهد قتل الأم نادرة في السينما المصرية، وتأتي دوما في إطار الحد الأقصي من المأساة والإنفجار، أو تجاوز كل الحدود، هكذا مثلا فعل علي بقتل أمه في نهاية فيلم “عودة الابن الضال”، وهو الذي كان الأمل المرتجى للنجاة.
مازال الخطر قائما حتى اليوم ما بقيت الظروف التي فجرته، ترى كم حمادة يسير في الشوارع؟ وكم فاطمة بائسة ينتظرها الموت؟