“استمرارية الرؤية”: نقد القرن الـ21 لستانلي كوفمان
اري بيتينسو
ترجمة: رشا كمال
لمحبي الناقد ستانلي كوفمان – كبير نقاد جريدة ذا نيو ريبابليك في الفترة من عام 1985 وحتى وفاته في عام 2013 عن عمر ناهز الواحد وتسعين عاماً – صدر كتاب جديد طال انتظاره يحوي مجموعة من مقالاته النقدية.
وكانت آخر مجموعة من مقالاته لتقدير الأفلام قد نُشِرت منذ ما يقرب من خمسة عشر عاما تحت عنوان بخصوص الافلام: تعليقات ونقد الأفلام. والان قام الكاتب بيرت كاردولو بتجميع مجموعة منتقاة من المقالات النقدية للناقد، ومقالات تكريم للذكرى، وكذلك تقارير كان قد كتبها في الفترة ما بين عامي 2000 و2013، وقد سبق وان نشر كاردولو عدة حوارات قيّمة أجراها مع الناقد الكبير.
وأطلق على المجموعة الحديثة عنوان “استمرارية الرؤية“ Persistence of Vision: The 21st-Century Film Criticism of Stanley Kauffmann ، ويعتبر هذا الكتاب ذكرى مناسبة في التوقيت الملائم بعد رحيل كاتبه باعتباره واحد من اهم الاصوات النقدية التي لها صداها في عالم النقد السينمائي.
وكما لاحظ المعلقون بأن معايير كوفمان الخاصة بفن الفيلم كانت تنبع من إيمانه الراسخ بأن السينما تقف على قدم المساواة مع الفنون التقليدية الأخرى، ويكاد يكون هذا رأي معاصر في عام 1958 عندما بدأ الناقد مسيرته في كتابة النقد السينمائي.
ويؤكد الكتاب الجديد على فكرة عميقة كانت تشغل بال الناقد وهي أن معاييره الجمالية تدور حول دافع إنساني عميق. بمعنى أكثر وضوحاً إن كوفمان كان يسعى نحو الحقيقة. قم باختيار أي مجموعة من مقالاته من أي فترة زمنية وستجد كلمات كثيرة تتكرر فيها مثل الحقيقة، الاصالة، الواقع، الفعلية، والواقعية، رغم أنه من الواضح أن الواقعية ما هي إلا جانب واحد من جوانب الحقيقة لدى ستانلي كوفمان. وعلى اعتبار أن ذروة الإنتاج الفني يمكن تقديمها من خلال أداء أحد الممثلين، بعض الجمل الحوارية، طريقة ذكية للمونتاج، او اي مكون فني آخر، بهدف الوصول إلى قيمة الحقيقة التي تتلاءم مع المادة الأساسية للفيلم.
لذلك حتى الأفلام التي يصعب تصديقها مثل فيلم (حرب العوالم-The war of the worlds) للمخرج ستيفن سبيلبيرج، قد يبرز فيها بعض من أوجه الحقيقة الفنية. ويبدو أن الناقد كان منجذبا بشكل خاص لنوعية الأفلام التي تهزأ بالقوالب الجاهزة، تلك الأفلام التي تغمرنا في عادية الحدث اليومي، ويزخر نسيجها البصري بالفنية، والاتزان، وصدف الواقع اليومي. وقد أشار إلى هذا النوع من الأفلام في مقال قد نشره في عام 2010 واصفاً إياها “إنها تجربة منعشة في عصر فيلم (أفاتار-Avatar)”.
ومثل الأفلام التي يكن لها اعجابا فإن كتاباته النقدية تحمل سمة التميز بالحقيقة، فهو لم يتملق ولم يجامل. وكما تشهد عليه تجميعة مقالات استمرارية الرؤية، فإن كتابته تبدو منيعة أمام الظواهر الشعبية العابرة. فلن تجد تناول تفصيلي لفيلم (عودة سوبرمان- Superman Returns ) للمخرج براين سنجر، او فيلم (الرجل الحديدي-Iron Man )للمخرج جون فافرو، وفي الكتاب الجديد وكما كان حاله دائما يتحرى الكاتب الحقائق البديهية. فنجد في قراءته النقدية لفيلم (الطيار- The Aviator) أستشهاده بأفلام عظيمة مثل (سائق التاكسي-Taxi Driver) و(الثور الهائج-Raging Bull) قبل أن يؤكد على أن المخرج مارتن سكورسيزي لم يقدم رائعته الفنية بعد.
كما قال عن طفل الموجة الفرنسية الجديدة الشقي جان لوك غودار “قد ولى عهده الجمالي الموثوق، وأصبحت ابداعاته تقليدية قابلة للتنبؤ”. وبالاضافة لسعيه نحو الحقيقة كان قادرا ايضاً على الاعتراف بتقلبات مهنته.
وإذا كان النقاد الاخرون يعاملون ارائهم على أنها بديهيات، فان كوفمان قد قام ببناء منهج نقدي قابل للتصويب; ولذا كان من التواضع، والشجاعة عندما غير موقفه وامتدح فيلم (Le Doulos) للمخرج الفرنسي جان بيير ملفيل، وهو الفيلم الذي لطالما كرهه. وبالتأكيد فإن كل صفحة من صفحات الكتاب تزخر بالنصوص النثرية البسيطة التي تثير مخيلة القارئ. عندما يصف بإيجاز بلاغة الأسلوب والإحساس في لحظات معينة من الفيلم، مثلما جاء في وصفه للفيلم القصير (اليد-The Hand) للمخرج وونج كار واي، بقوله “تبدو جدران الغرف مثيرة للغاية، كما لو كانت الكاميرا تنزلق من فوقها”. ويصف الأجواء المرئية لفيلم (نور الشمس- Sunshine) للمخرج استفان زابو بالكلمات التالية “تمتلئ الأجواء الداخلية للمنازل بدفء المرق الغني المنبعث في الشقق الاوروبية الفاخرة في مطلع القرن، كما لو أن قاطنيها يعيشوا في عبق مرق اللحم الهنغاري”.
ولا يقل بلاغة عندما يناقش أداء الممثلين. أشار واصفاً أداء الممثل جاك نيكلسون في دور رائد الفضاء في فيلم (شروط إظهار العاطفة- Terms of Endearment) للمخرج جيمس بروكس ” استطاع أن ينمي جاذبيته الهادئة حتى أصبحت مكتنزة ومفرطة النضج مثل الفاكهة التي تركت خارج البراد لفترة طويلة”.
أما انتقاداته فكانت لاذعة مثل كعكة الفواكه اللذيذة. عن أداء الممثلة كاثرين كينر، أكد على انها عندما تحاول الاتيان بأي مشاعر مثل أدائها في فيلم (سيمون-Simone) للمخرج أندرو نيكول تتحول إلي مجرد هاوية. ويبدي أسفه على فيلم (الاقتباس-The Adaptation) للمخرج سبايك جونز – فيلم كوميديا ساخرة ابطالها توأمان – لتقديمه جرعة زائدة من الممثل نيكولاس كيدج، الممثل البائس على حد وصفه. قد يؤخذ كلامه على محمل التوبيخ إن لم تكن معرفته واهتمامه بالتمثيل امراً واضحا. وعادة ما تكون ملاحظاته حول أحد الممثلين ذكية وسابقة لأوانها: عند ملاحظته للموهبة الفائقة التي تتمتع بها الممثلة جوينيث بالترو تعتمد على المخرجين الموهوبين من اجل ان تزدهر. في حين أن ممثلين آخرين مثل كينيث براناه، وييف شرايبر رغم موهبتهم الاستثنائية إلا أنهم لم يتمتعوا بتلك السمة التي تميز نجوم السينما. ويُبدي كوفمان شغفاً سينمائياً خاصاً تجاه الممثلين فقد عمل ممثلا مسرحيا في بداية حياته، ويعترف بالحميمية التي نشعر بها مع هؤلاء الغرباء من عالم السليلويد. ووصف عند تأبينه لنجوم قدامى امثال ويندي هيللر – تاكاشي شيمورا بأنهم أصدقائه القدامى، رغم عدم وجود معرفة شخصية بينهم.
وابتعاده عن تقدير أعلام الثقافة الشعبية لا يعد دليلا على مخالفة الشائع بقدر ما هو رغبة في تدارك المغالطات النقدية. ونسترجع بالذاكرة عودة الممثل مايكل كين الذي وصفه الناقد آنذاك بانه كان واحدا من أفضل ممثلي الفن السابع، وأكد على أن الممثل عندما أخذ استراحة لمدة خمس سنوات في منتصف التسعينيات قد عاد بدون موهبته، كان كلامه هذا بعد حصول الممثل للمرة الثانية على جائزة الأوسكار. وعند مراجعته لفيلم (الجبل البارد- The cold mountain). للمخرج انتوني مانجيلا، عبر عن شكوكه في الاحتفاء المبالغ فيه بالممثلة نيكول كيدمان والتي نالت هي أيضا بدورها تقدير اكاديمية العلوم والفنون، واشاد بها زملاءه مثل الناقد ديفيد تومبسون، كما اعتبر أن نجمي شباك التذاكر ليوناردو ديكابريو، وكولين فاريل كان تأثيرهما سيئاً على افلام (الطيار- The Aviator)، (الإسكندر- Alexander).
ورغم أنه يجد أن الممثل توم هانكس يتمتع بطلة محببة على الشاشة، إلا إن هذا لا يتساوى مع تقديم أداء جيداً. ورغم نقده اللاذع لأسماء كبيرة، تمكن ايضاً من رفع شأن آخرين مهمشين. فمثلاً الممثلة أنجيليكا هيوستن واحتمال أن تكون ممثلة مهمة، يتأسف على عجز الفنون الدرامية على خدمة موهبتها بشكل كافي، ويسلط الضوء على نجوم أوروبيين مثل ستيلان سكارسغارد، والممثلة إيزابيل أوبير، والممثل دانيال اوتويل، كما يفرط في مدح أداء الممثلين غير المحترفين في أفلام الفن الأجنبية مثل (جبل بلا أشجار-Treeless Mountain) للمخرج سو جونغ كيم،( غداء في منتصف أغسطس- Mid-August Lunch) للمخرج جياني در جريجوريو،(الجسر صفر- Zero bridge) للمخرج طارق طابا. ويدافع عن ممثلين ذوي شهرة الواسعة، تعرضوا للنقد في الآونة الأخيرة. عندما وبخ النقاد الحاليين الممثل آل باتشينو على استعراض قدراته التمثيلية، وهو اتهام وجه لأعمال مختلفة مثل (الحرارة- Heat) للمخرج مايكل مان، (محامي الشيطان- Devil’s Advocate) للمخرج تايلور هاكفورد، إلا أن كوفمان تحفظ على ان الممثل لا يستعرض مهاراته، بل يعامل كل دور كما لو أنه قد خلق من أجله. وفيما يخص موقفه هذا من استهجان الأنماط المنتشرة، فهو يحضنا على التعامل بتشكك مع الأحكام النقدية السائدة في عصرنا الحالي.
في فترة أوائل السبعينيات ذكر الممثل جاك نيكلسون “أن ستانلي كوفمان لم يعجبه أداء الممثل مارلون براندو في فيلم “الأب الروحي”، وهو يعلل كلامه بأمثلة جيدة، جميعها بالنسبة لي اشياء اعتقد انها لصالح الممثلين.
ولكن فيما يتعلق بسياق مقالاته، وما يكتبه عن الفيلم، فأنا أقرأه، واوليه اهتماما كبيرا”. ويعتبر اتجاه الناقد لتبرير أحكامه من خلال تفسير السياق ميزة حقاً، وهذا واضح تماماً في الكتاب الجديد. وكان في بعض الأحيان يلجأ إلى السياق التاريخي كمعيار للتقييم، على سبيل المثال أداء الممثلة نيكول كيدمان، والممثل جود لو في فيلم (الجبل البارد-Cold mountain) يعد فقيرا إذا ما قورن بجاذبية نجوم الشاشة السابقين هنري فوندا، وأوليفيا دي هافيلاند، وهما المعيار الذهبي لدي كوفمان. ويستخدم هذا السياق عموماً لإلقاء الضوء على كل من الفيلم محل القراءة واستنتاجاته النقدية.
بالنسبة لفيلم (الكوز الذهبي-The golden bowl) للمخرج جيمس إيفوري، أسس الناقد نص فرعي تفصيلي بشكل موسع وموجز، ووثيق الصلة بالفيلم محل القراءة. يذكر فيه كوفمان مسرحية غي دومفيل للكاتب هنري جيمس انتاج عام 1895، والتقييم السلبي الذي حازت عليه من نقاد أمثال جورج برنارد شو، واستشهد بمؤلف السيرة الذاتية للمؤلف المسرحي، ورد فعل الكاتب المشؤوم على منتقديه عن صعوبة اقتباس أعماله. ويستمر المقال في صقل السياقات المباشرة لصالح الاقتباس الحالي للمسرحية، وخصوصاً معالجة الكاتبة روث براوير جهابفالا، ونسختها الفيلمية الحديثة لرواية تراثية أخرى البوسطنيون لهنري جيمس ايضاً، قبل أن ينتقل إلي ذكر محاسن ومساوئ الفيلم الجديد. وهذا النوع من الاطر المرجعية تلقي لنا الضوء على التجسيد الحديث لمسرحية جيمس بواسطة كلا من جهابفالا، وإيفوري، وتقييم كوفمان للفيلم. وهي لم تمكن الناقد من الإشارة إلى عيوب الفيلم فحسب، بل والكشف عن منهجه الخاص في التقييم.
الشكل التنظيمي للكتاب واضح. في الإصدارات السابقة كان يتم تنظيم مقالات الناقد حسب مبادئ مجردة مثل (المفهومي، المنطقي، وحسب الترتيب الأبجدي)، بينما قام كاردولو بترتيب المقالات حسب التتابع الزمني، أتاح بذلك الفرصة لعرض أعمال ثانوية.
ويسمح هذا النوع من الترتيب بتراكم العلاقات الضمنية، فالمقالات النقدية المتتابعة لكل من افلام (الرجل الذي لم يكن هناك- The man who wasn’t there) للأخوين كوين، (الشريط- Tape) للمخرج ريتشارد لينكليتر، (ذا رويال تينينبوم- The royal Tenenbaums) للمخرج لويس اندرسون- جميعهم صدروا في عام 2001- توضح مدى الاختلاف في مستوى براعة السينما المستقلة، على الرغم من عدم إشارة الكاتب لهذه الأفلام صراحاً، ولكن تحليلاته المتتابعة لأفكارهم الغريبة تميز السطحي عند (كوين – اندرسون) من الجوهري عند ( لينكلاتر). وعبر صفحات الكتاب تصبح مهارات الوعي الذاتي للسينما الامريكية المستقلة موضوع متكرر، ومتباين. على سبيل المثال فيلم (أن تكون جون مالكوفيتش- Being John Malkovich)، (اقتباس- Adaptation) للمخرج سبايك جونز. أدانهم الناقد بحجة الاستعراض الصبياني.
ومن خلال ترتيب المقالات بالتسلسل الزمني تبلور ايضاً تغير آراء الناقد بشكل متكرر عن بعض الأشخاص. بعدما ابدى اسفه على استعراض فيلم (الساموراي الأخير-The last samurai) للمخرج إدورد زويك لتسليع شخصية توم كروز كنجم، استطاع أن يستعيد الناقد إيمانه بقدرات كروز التمثيلية في فيلم (حرب العوالم-the war of the worlds) للمخرج ستيفن سبيلبرغ. كما قاد فيلم (الشريط- Tape) للمخرج ريتشارد لينكلاتر، كوفمان للوعي بقدرات الممثلة أوما ثورمان بعدما كانت غامضة بالنسبة إليه. ويستحضر أسلوب تنظيم الكتاب حس السيرة الذاتية، كما لو أننا من خلال قراءة الترتيب الزمني للمقالات نصاحب الناقد في اهتماماته، وقناعاته، ونزعاته في آخر فترة من حياته. ويزيد من احساس السيرة الذاتية أقسام تأطير الكتاب لمجموعة منتقاة من الشهادات، والسيرة الذاتية، والتسلسل الزمني، قائمة المراجع، وكذلك توفير لمحة عامة على مهنة كوفمان قدمها كاردولو.
وبالطبع سيختار القراء تسلسلهم الخاص عند تصفح هذه المجموعة سواء بالتقدم أو بالرجوع إلى مقالات الأفلام المفضلة لديهم، وبكل تأكيد يمكن أن تصبح هذه الطريقة ممتعة في تصفح مقالاته، ولكن قراءتها بترتيبها الزمني سيعمق من الإحساس بالاكتشاف المشترك، والتواصل الحميم مع الناقد، وإعادة بناء تغيرات الفترة التي كتبهم فيها.
ونأسف لوجود بعض الثغرات. لكن جميع مقالات كوفمان في الخمس عشر عاما الماضية تحوي رؤى تستحق إعادة إلقاء نظرة عليها. وكاردللو قام بتجميع مجموعة من المقالات التي تعتبر خير دليل على معرفة الناقد الواسعة، وذكائه، ومجاله الواسع.
ومما لا شك فيه أن مقاومته لأي ميل إلى تحرير النصوص الاصلية أمر يستحق بالثناء، ولكن ربما يكون قد تم تعديل بعض الاخطاء،
فمثلا نجد أن الممثلان جين هاكمان، واوين ويلسون لم يتشاركا بطولة فيلم (لعبة الجاسوسية-Spy Game) للمخرج توني سكوت كما ورد في مقاله عن فيلم (ذا رويال تينينبوم- The royal Tenenbaums) ولكن كانا في فيلم (خلف خطوط العدو-Behind Enemy Lines) للمخرج جون مور. وكان يوجد خطأ في هجاء اسم نجم الكرة الفرنسي إيريك كانتونا في المقال النقدي عن فيلم (البحث عن ايريك- Looking for Eric) للمخرج كين لوتش. وبالنظر الي فيلم ( منزل الرمال والضباب- House of sand and fog) للمخرج فاديم بيرلمان يشيد الناقد بأداء الممثل بين كينغسلي بين حالتين قائمتين من التمثيل التحولي، ونظراً لأن المراجعة قد تم اختيارها من سياقها الأصلي فقد تركنا نتساءل عن ماهية الحالة الثانية.
وبالقاء نظرة شاملة أخيرة على هذه المجموعة للناقد الراحل، فهو أثر من الصعب اختزاله، ولم تكن أقل حدة عندما يلقى كوفمان نظرة على تقدم المخرجين في العمر، والأفلام حول هذا الموضوع. منذ عشر سنوات ماضية تبادلت بعض الخطابات مع كوفمان عبر فيها ضمن أمور اخرى بخط يد مرتعشة اعجابه بالمخرج مايكل انجلو انطونيوني.
وفي الكتاب الجديد نجد حزن الناقد على تضاؤل قوة المخرج الكبير ومشاركته في إخراج فيلم(ايروس-Eros) كانت بدون مضمون يُذكر، وآثار باهتة الملامح من أسلوبه المعهود. كما استشعر بكوامن القلق في الأعمال الأخيرة للمخرج عباس كيارستمي، ويكتب بشكل مؤثر عن مخرجين مجتهدين مثل جاك ريفيت، برتراند تافيرنييه، كلود شابرول، كتب عنه “يمكننا أن نبتهج لاستمراره”، وعن المخرج آلان رينيه “من الرائع انه في 91 من العمر، ولا يزال قادر على تقديم الجديد”. في حين أن الدراسة الراسخة التي قدمها المخرج مايكل هانيكه عن التقدم في العمر في فيلمه (الحب- Amour) أجبرت كوفمان على نشر “بأن هذا هو الواقع الذي يوسع مفهومنا عن المصطلح”.
وفي فصل لاحق في الكتاب، يذكر اختلاف رئيسي بين المسرح والسينما، وهو أن الاخيرة تعتبر وسيط يخلد انتاجاته، وكمثال يكتب في نعي ويندي هيللر “بأن من لديه نسخة من فيلمها (بيجماليون-Pygmalion) يستطيع استحضار روح الممثلة، لإن أدائها لا يعيش في الوجدان فحسب، بل يتحول ليصبح مثل أساطير فوندا، ودي هافيلاند معياراً”. وعلى هذا النحو نستطيع أن نبتهج بإن كتابات ستانلي كوفمان والمعايير التي وضعها لتقدير الفيلم ستظل باقية بعد رحيله.