إقالة مدير المركز القومي للسينما وشبهات الفساد وأشياء أخرى!
كتب إياد إبراهيم في جريدة “الشروق” المصرية تحقيقا طويلا طرح فيه الكثير من النقاط التي تتعلق بفساد العمل السينمائي الحكومي في مصر وفساد البيئة التي لا تنتج في النهاية سوى مجموعة من الفاسدين والمنتفعين من الفساد، وتعكس الصراعات التي تجري فيما بينهم، طبيعة “الحالة السينمائية” وتناقضاتها.
كان وزير الثقافة الجديد الدكتور جابر عصفور قد أصدر مؤخرا قرارا باقالة الرئيس السابق للمركز القومي للسينما المصور السينمائي كمال عبد العزيز، وتعيين الناقد وليد سيف بديلا له في رئاسة المركز.
والأمر الغريب أن عددا كبيرا من موظفي المركز القومي للسينما كانوا قد تظاهروا أمام مكتب وزير الثقافة السابق محمد صابر عرب مطالبين بعدم تعيين وليد سيف، والابقاء على كمال عبد العزيز. حدث هذا في شهر فبراير الماضي 2014، ونشرت وقتها الصحف أنباء كثيرة حول الانذار الذي وجهه العاملون بالمركز للوزير صابر عرب والتهديد بتصعيد وقفتهم الاحتجاجية والاعتصام أمام مكتبه لحين تنفيذ مطالبهم التي تتمثل في رفض تعيين الدكتور وليد سيف رئيسًا للمركز، ووصفوا تعيين سيف بأنه “يهدد بتفكيك المركز من الداخل، ويعد تدخلاً سافراً في الاختصاصات الممنوحة بالمركز بموجب القرار الجمهوري رقم 150 لسنة 82 بشأن إنشاء المركز القومي للسينما وتنظيم الاختصاصات الخاصة به”.
وطالب العاملون في بيانهم ”الدخلاء عن المركز برفع أيديهم وإلا سوف يتم منع أي فرد أيًا كان منصبه من دخول المركز” – على حد قولهم.
وما حدث وقتها بكل بساطة، أن الوزير صابر عرب استجاب لهذه التهديدات وأبقى على كمال عبد العزيز الذي يعتقد انه كان وراء كتابة هذا البيان، بالتعاون مع بعض العاملين بالمركز.، والغى الوزير قرار تعيين وليد سيف الذي يبدو أنه مسنود بقوة من قبل سامح مهران رئيس أكاديمية الفنون، ومعروف أن سيف وقف الى جانب مهران في صراعه مع الدكتور علاء عبد العزيز والدكتور ناجي فوزي، كما شن سيف وبعض أتباعه من الصحفيات، حملة شرسة ضد علاء عبد العزيز عقب توليه منصب وزير الثقافة، ويرى كثيرون أن سامح مهران الذي قدمت ضده شكاوى عديدة بالفساد، يتمتع برضا ودعم من جانب أجهزة الأمن المصرية، ولذلك فشل حتى الوزير المحايد شاكر عبد الحميد عندما تولى الوزارة، في اعفائه من منصبه رغم ثبوت تجاوزاته العديدة!
الآن يقول تحقيق جريدة “الشروق” أن كمال عبد العزيز وصف ما حدث ضده أخيرا بأنه “تمثيلية رخيصة، ويضيف حسب تقرير الشروق: فقد قام البعض بتحريض بعض الموظفين ليذهبوا للوزير ويقدموا شكوى من بعض الاشياء منها عدم حصولهم على مكافآت او بدلات، وعليه قام الوزير بإنهاء مهمتى بالمركز وتعيين وليد سيف دون حتى الرجوع إلى او سؤالى ماذا حدث، وكلف احد موظفى مكتبه بإبلاغى بالامر وقال لى “الوزير بيشكرك على المدة التى قضيتها معنا وبداية من يوم الاحد سيكون هناك شخص اخر معنا”، وكاننا نعمل على عربة بطاطا! وانا لى عتاب كبير على الوزير فى هذا، فبدلا من شكرى على ما أقدمه لمصر وللاقتصاد ونجاحى فى اعادة الافلام الكبرى للتصوير فى مصر مجددا تتم إقالتى بهذا الشكل الغريب”!
واضاف كمال عبد العزيز: وقد طالب هؤلاء الموظفون بحل مجلس الادارة المشكل من عمر عبد العزيز ومحمد العدل وشريف مندور وليلى علوى ومسعد فودة ومحمد حفظى وتشكيل المجلس الجديد منهم ليرأسه الناقد على ابو شادى، وقد صدر قرار بتعيين ابو شادى رئيسا لمجلس ادارة المركز ووليد سيف يدير المركز فى غير أوقات العمل الرسمية كما ينص قرار الوزير.
وقال: أتعجب جدا هل من أجل مصلحة شخصية محدودة يتم تدمير المركز القومى للسينما، وبعدما كنا نناقش تحويل المركز إلى قطاع ونبحث دعم تصوير الافلام الاجنبية فى مصر واستعادة اصول السينما، يأتى رئيس ليدير المركز فى اوقات فراغه.
ملف مخالفات فيلم أحمد ماهر
وقال كمال إن لديه ملف فيلم “بأى أرض تموت” للمخرج احمد ماهر وهو به مخالفات “وحولته للتحقيق أكثر من مرة وأن هناك اصرارا من بعض القيادات على صرف 2 مليون جنيه بدون حق، وقد حولت الملف للتحقيق ورفضت أى ضغوط”.
واضاف: أثناء وجودى فى الخارج فوجئت بمديرة الشئون المالية بالمركز تخبرنى ان محمد ابو سعدة يطلب ملف الفيلم فأبلغتها انه فى حال تم هذا الامر سأحولها إلى النيابة، وذهبت به إلى جابر عصفور بعد توليه وزارة الثقافة وحول الملف إلى الشئون القانونية وبعدها تمت إقالتى.
موقف علي أبو شادي
في التحقيق المنشور في “الشروق” يعلق الناقد على ابو شادى رئيس المركز القومى للسينما الاسبق قائلا: ليس لى علاقة بالأمر من قريب أو بعيد، ولا ادرى لماذا يتم الزج باسمى فى مثل هذا الامر، وأنا علاقتى طيبة بالجميع، ولا يوجد مجلس تشكل من الأصل لأكون فيه او أرأسه.
واضاف: أنا لا اعود للخلف أبدا فى حياتى والمركز ترأسته منذ 14 عاما، واذا عرض على أي منصب بالمركز القومى فأنا أعلنها صريحة من الان لن ارضى.
وتعليقا على انه شارك فى صنع هذه التمثيلية قال: هذا كلام عيب ومن رشح وليد سيف حسب معلوماتى سامح مهران رئيس أكاديمية الفنون، وعلمت ان هناك مجموعة من موظفى المركز ذهبوا إلى وزير الثقافة واشتكوا من بعض الاشياء وعلمت ان بعضهم طلب وضع اسمى فى مجلس الادارة ورفضت وأعلنها مرة اخرى الان لن يكون لى اى دور بهذا المركز.
مطالب الإقالة
يقول اياد ابراهيم في تحقيقه المنشور في “الشروق” إنه استطاع التوصل إلى نص الشكوى التى قدمت إلى وزير الثقافة جابر عصفور التى على اثرها تم عزل كمال عبدالعزيز من منصبه، وهي شكوى موقعة من 73 من العاملين بالمركز تنوعت وظائفهم بين الاخراج والتصوير والمونتاج والكتابة والاعمال الفنية، ما يفيد بشعور العاملين بتعمد تعطيل انتاج الافلام وشعورهم بالتمييز فى صرف المكافآت، كما كتبوا إلى الوزير فى الشكوى عن مخاوفهم من هيكلة المركز القومى التى اعلنت من قبل فى ظل ما اسموه “هيمنة اعضاء مجلس الادارة” وعدم طرح الامر عليهم.
وطالب العاملون فى البيان الذى قدم للوزير بعدة مطالب هى: إعادة تشكيل مجلس الادارة من ابناء المركز ووجهوا اتهاما إلى محمد حفظى احد اعضاء مجلس الادارة بالاستفادة من دعم 3 افلام لشركته الخاصة من صندوق دعم السينما.
كما طالبوا بتفعيل تشكيل اللجنة الخاصة بصرف المكافآت والحوافز الخاصة بالعمل، وطالبوا ايضا بتشكيل لجنة لمراجعة التصرفات المالية والادارية فى الفترة الاخيرة ، حيث ان هناك العديد من التجاوزات ــ على حد تعبيرهم ــ تمثلت فى قيام رئيس المركز بتشكيل لجنة لمتابعة انتاج افلام ادارة الانتاج ماليا واداريا وقانونيا ضمت سائق رئيس المركز وفردا من الامن وسكرتارية رئيس المركز وارفقوا صورة من القرار مع الشكوى للوزير. واخيرا طالبوا بانتخاب الادارة الفنية لادارة الانتاج من العاملين بالادارة اسوة بالبيت الفنى للمسرح.
خلاصة ما هو منشور كالتالي:
1- هناك شكوك أن علي أبو شادي يقف وراء خطة الاطاحة بكمال عبد العزيز لأنه يرغب في العودة الى لعب دور مؤثر في السينما والثقافة بعد تعيين صديقه القديم جابر عصفور وزيرا للثقافة، ومعروف أن عصفور المحدود الأفق فيما يتعلق بفهمه للسينما لا يثق سوى في أبو شادي باعتباره موظفا سابقا مخضرما في وزارة الثقافة الى جانب أنه يلقى القبول من قبل الأجهزة التي يستشيرها الوزراء عادة قبل تعيين أي مسؤول. لكن علي أبو شادي ينكر ويقول انه لن يقبل. وكان ائتلاف وزارة الثقافة المصرية قد قال إن رغبة أبو شادي في الاطاحة بكمال من منصبه، تعود إلى أن “أنباء تسربت تفيد بأن كمال عبد العزيز حصل على مستندات تدين الناقد الفنى على أبو شادى فى العديد من الموضوعات دون تحديد طبيعة هذه الموضوعات، محل الخلاف”. وكان هذا ما نشرته جريدة “اليوم السابع” بالنص في عددها الصادر في 22 فبراير 2014، أي أن الموضوع قديم.
2- أن وليد سيف جاء الى هذا المنصب بفضل علاقته (الخاصة جدا) بسامح مهران (الذي تدور حوله الكثير من علامات الاستفهام التي تتعلق بالفساد)، رغم محدودية خبرة وليد سيف بالعمل الإداري أو القيادي خصوصا بعد أن فشل في ادارة مهرجان الاسكندرية فشلا ذريعا، وتم اقصاؤه عنه بطريقة مهينة من قبل جمعية نقاد وكتاب السينما، وكان قد فشل من قبل في إدارة قصر السينما وأقيل من رئاسته، كما أنه لا يمتلك علاقات خارجية تؤهله للاتصال بالعالم، ومعروف أنه لم يذهب أصلا إلى أي مهرجان سينمائي خارج مصر حتى الى مهرجانات التي تقام في البلدان العربية، كما لا يتمتع بأي صلات تربطه بالمثقفين والسينمائيين العرب، كما أن تجربته في النقد لا تزيد عن نشر بعض المقالات الصحفية عن الأفلام التجارية المصرية، وقد فشل في العمل ككاتب سيناريو بعد أن كتب السيناريو لعدد من أفلام المقاولات التي سقطت حسب اعترافاته المنشورة.
3- أن هناك شبهات بوقوع تجاوزات مالية حدثت داخل المركز القومي للسينما في عهد كمال عبد العزيز.
4- أن هناك اختلاسات وفسادا ماليا يحيط بملف فيلم “بأي أرض تموت” للمخرج أحمد ماهر المعروف بصلاته الوثيقة بالمسؤولين في وزارة الثقافة من وقت انتاج فيلم “المسافر” الذي تكلف ملايين عديدة، وعلى رأسهم محمد أبو سعدة رئيس صندوق التنمية الثقافية (الجهاز الممول لوزارة الثقافة) مع ملاحظة أن أبو سعدة هو الذي كان يسعى الى الاستيلاء على ملف فيلم أحمد ماهر لكي لا يترك بين يدي كمال عبد العزيز هذه الورقة يلعب بها.
5- أن المنتج السينمائي محمد حفظي أحد اعضاء مجلس إدارة المركز القومي للسينما (الذي عينه كمال عبد العزيز مديرا لمهرجان الاسماعيلية) استفاد من دعم ثلاثة من الافلام التي أنتجتها شركته الخاصة من صندوق دعم السينما، بمباركة كمال عبد العزيز.
6- أن الذين تظاهروا واحتجوا وهددوا بالاعتصام والاضراب قبل أقل من 5 أشهر فقط من أجل الأبقاء على كمال عبد العزيز في منصبه، انقلبوا عليه ورفعوا شكوى جماعية للوزير الجديد من أجل أن تتم اقالته، وبعد ان كانوا يهددون بمنع وليد سيف من دخول المركز بالقوة، ها هم يستسلمون للأمر الواقع، بل يرحبون بدخول وليد سيف لقيادة مركزهم الذي يحتاج في الواقع الى دخول غرفة العناية المركزة.. فما الذي حدث بالضبط خلال هذه المدة الوجيزة وأدى الى هذا الانقلاب الكامل في موقف هؤلاء الموظفين!!
هذا السؤال متروك للأيام القادمة تجيب عليه.