أوسكار 2019: “الكتاب الأخضر” أفضل فيلم ورامي مالك أفضل ممثل
لم تحمل نتائج مسابقة الأوسكار الأميركية مفاجآت كثيرة فقد جاءت متفقة مع معظم توقعاتنا، وليس معنى هذا أن الجوائز ذهبت جميعها إلى من يستحقونها، لكن هناك أفلاما لم تحصل على ما كانت تستحقه، ولكن هذه هي طبيعة الأمور في مسابقة لا تخضع للجنة تحكيم من الخبراء والمتخصصين، بل لنظام التصويت السري الذي يشارك فيه أكثر من ستة آلاف من أعضاء الأكاديمية الأميركية للعلوم والفنون السينمائية، يمثلون الفروع المختلفة لصناعة السينما.
ولعل المفاجأة الأكبر في أوسكار 2019 هي فوز فيلم “الكتاب الأخضر” بجائزة أفضل فيلم. كانت هناك ثمانية أفلام مرشحة لجائزة أفضل فيلم وهي أرفع وأهم جوائز الأوسكار، أولها فيلم “روما” وهو فيلم مكسيكي ناطق بالإسبانية فاز بالجائزة الذهبية في مهرجان فينيسيا السينمائي على غير عادة الأوسكار في التركيز على الأفلام الأمريكية أو الناطقة باللغة الإنجليزية، كما أنه من إنتاج شبكة نتفليكس الرقمية التي تبث بالاشتراكات عبر الانترنت. وضمت قائمة الترشيحات أيضا فيلم “الملحمة البوهيمية”، و”المفضلة” و”الكتاب الأخضر” و”الكلانسمان الأسود” و”الفهد الأسود” و”مولد نجمة” و”فايس”.
فاز فيلم “الكتاب الأخضر” الذي ينتمي لأفلام رحلات الطريق بالجائزة متغلبا على فيلم “روما” الذي كان على قمة الأفلام المرشحة، وبذلك حُرمت شبكة نتفليكس من فرصة أن تكون أول خدمة بث تتفوق على استوديوهات هوليوود في عقر دارها.ولا شك في أن “الكتاب الأخضر” فيلم بديع وبسيط، لكنه لا يرقى بالطبع الى مستوى “روما”، ولا إلى تألق وأصالة “المفضلة”. أما “الفهد الأسود” فهو يمثل هوليوود التقليدية وأفلام التسلية التي تقوم على الأساطير والاثارة مع رسالة رمزية مستترة عن “القوة السوداء”.
فاز المكسيكي ألفونسو كوارون مخرج فيلم “روما” بجائزة أفضل مخرج عن العمل الفني المصور بالأبيض والأسود والذي يحكي عن طفولته في المكسيك في أوائل السبعينات في سياق سياسي اجتماعي من خلال أسلوب بديع، كما حصد الفيلم جائزتين أخريين منهما أفضل فيلم أجنبي. وبذلك تفوق ألفونسو كوارون على مخرجين أربعة هم اليوناني يوجس لانتيموس مخرج “المفضلة” والأمريكي سبايك لي مخرج “الكلانسمان الأسود” وبافل بافلكوفسكي مخرج الفيلم البديع “الحرب الباردة” وآدم ماكاي مخرج فيلم “فايس” (النائب).
أفضل ممثلة
ومن أكبر مفاجآت ليلة الجوائز، حصول الممثلة البريطانية أوليفيا كولمان على أول أوسكار لها بنيل جائزة أفضل ممثلة عن تجسيدها لدور الملكة آن في فيلم “المفضلة” متفوقة على غلين كلوز التي كانت أقوى مرشحة لنيل الجائزة عن دورها في فيلم “الزوجة”. ولكن البريطانية كولمان أدت أداء رائعا في فيلم كان يستحق تقديرا أكبر من هذه الجائزة. لكن كولمان كانت قد حصلت أيضا على جائزة أفضل ممثلة في مسابقة “بافتا” البريطانية. والغريب أنها لم تكن معروفة كثيرا في السينما قبل دورها في هذا الفيلم فهي أساسا ممثلة مسرح.
وقالت كولمان التي بدت عليها المفاجأة “هذا الأمر حقا يبعث على التوتر! هذا مثير للغاية… غلين كلوز.. لقد كنت مثلي الأعلى لفترة طويلة وليس هذا ما أردت أن يحدث” موجهة حديثها للممثلة الجالسة بين الجمهور.
وحصل الأميركي من أصل مصري رامي مالك، على جائزة أوسكار أفضل ممثل عن تجسيده لدور فريدي ميركوري المغني الرئيسي الراحل في فريق كوين في فيلم “الملحمة البوهيمية” (بوهيميان رابسودي) الذي كان أكبر صائد للجوائز في الليلة إذ حصد في الإجمال أربع جوائز.
رامي مالك وجائزة أفضل ممثل
ورغم تفوق مالك في أداء الدور إلا أن الممثل الأفضل في رأيي الذي كان يستحق الجائزة عن جدارة هو الممثل الأمريكي وليم دافو هم دور فان كوخ في الفيلم التحفة “عند بوابة الأبدية” وهو أيضا أكثر الأفلام طموحا من الناحية الفنية وإن لم يرشح لجائزة أحسن فيلم.كما تفوق عل مالك أيضا الممثل الأمريكي من أصل إيطالي فيغو مورتنسن بطل “الكتاب الأخضر”.
وقال مالك، الذي كان أبرز المرشحين بالفعل وهو يستلم الجائزة “ربما لم أكن الخيار الواضح، لكن أظن أن الأمر نجح”، مشيرا الى أنه قام ببطولة فيلم عن مثلي مهاجر وأنه هو نفسه ابن لمهاجرين من مصرفي رسالة مبطنة الى الرئيس دونالد ترمب الذي ينتهج سياسة مناهضة المهاجرين، ويسعى لبناء سور بين بلاده والمكسيك، وكذلك إلى اليمين الذي يناهض المثلية الجنسية بوجه عام.
توازن ثقافي
شهد حفل اعلان الجوائز تنوعا ثقافيا مع حصول ممثلين من السود الأمريكيين (الأميركيين الأفارقة) على جائزتي أفضل ممثل مساعد وأفضل ممثلة مساعدة وهما ماهرشالا علي عن دوره في الفيلم البديع “الكتاب الأخضر”، وريجينا كينج عن دورها في فيلم “إذا كان بيل ستريت يمكن أن يتكلم”، فيما فاز سبايك لي عن فيلم “الكلانزمان الأسود” (بلاك كلانزمان) بجائزة أفضل سيناريو مقتبس عن أصل أدبي.
وحصل فيلم “الفهد الأسود” الذي يهيمن السود على فريق التمثيل فيه على ثلاث جوائز أوسكار، من بينها تصميم الأزياء، عن رؤيته لعالم مملكة واكاندا الأفريقية الخيالية.
كما حصل “الكتاب الأخضر” الذي يصور صداقة غير مألوفة تنشأ بين عازف بيانو أسود وسائقه الأبيض وهما يجوبان الجنوب الأمريكي في الستينيات حيث كان يشيع التمييز العنصري، على جائزتي أفضل سيناريو أصلي وأفضل ممثل مساعد لماهرعلي شالا كما ذكرت من قبل.
لقطة من فيلم “الكتاب الأخضر”
وخرج الحفل دون مقدم للمرة الأولى منذ عام 1989 وامتلأ بدلا من ذلك بالكثير من العروض الغنائية والموسيقية من فريق كوين وبيت ميدلر وجنيفر هدسن. كما أدت ليدي غاغا وبرادلي كوبر أغنية (شالو) بشكل مشترك وهي الأغنية التي جاءت لليدي غاغا بأول أوسكار في مسيرتها الفنية لكنها فقدت جائزة أفضل ممثلة التي كانت مرشحة لها.
وقالت ليدي جاجا وهي تبكي من فرط التأثر “عملت بجد لفترة طويلة والأمر لا يتعلق بالفوز ولكنه يتعلق بعدم اليأس… الأمر لا يتعلق بعدد المرات التي عانيت فيها من الرفض… بل بعدد المرات التي تتحلى فيها بالشجاعة وتواصل العمل”.
توقعات خابت
ومن التوقعات الكبيرة التي لم تتحقق عدم حصول الممثلة الأمريكية إيما ستون وزميلتها البريطانية رتشيل ويتز على جائزة أفضل ممثلة مساعدة (عن دوريهما في الفيلم البديع “المفضلة”) التي ذهبت الى ريجينا كنج عن “لو كان بيل ستريت يمكن أن يتكلم”.
جائزة أفضل فيلم أجنبي أي ناطق بلغة غير الإنجليزية (في تناقض واضح مع ترشيحات أفضل فيلم التي يسمح فيها بتنافس أفلام غير ناطقة بالانجليزية أيضا في تطور يعكس تشوشا وتخبطافي التعديلات التي أدخلت على مسابقة الأوسكار) ذهبت كما كان متوقعا الى فيلم “روما”. وتفوق الفيلم المكسيكي بالتالي على الفيلم اللبناني “كفر ناحوم” لنادين لبكي، والفيلم البولندي “الحرب الباردة” وهو في رأيي من أفضل الأفلام الخمسة المرشحة لهذه الجائزة، والفيلم الياباني “سارقو المتاجر” وهو من نوع الميلودراما التقليدية ولم يكن يستحق الترشيح أصلا لولا أنه فاز بالسعفة الذهبية بمهرجان كان عن غير استحقاق وكان الأحق منه “الحرب الباردة”، وهناك أخيرا الفيلم الألماني “أبدا لا تنظر بعيدا”.
مسابقة “الأوسكار” عادة لا تعتبر تقييما للمستوى الفني للأفلام فهي تهدف أساسا إلى تسليط الأضواء على أفلام معينة للترويج للصناعة وليس للفن، كما يهتم القائمون عليها بتوجيه رسائل سياسية وتحقيق توازنات تمثلت هذا العام بوضوح في الاهتمام بمنح الجوائز على سينمائيين وصناع أفلام من البيض والسود على السواء بعد الشكوى التي ثارت منذ عامين واتهمت الأوسكار بالانحياز للبيض على حساب السود، والاهتمام بدور الأقليات وتسليط الأضواء على قضية المهاجرين.