أفلام مهمة في التظاهرات الموازية بمهرجان “كان”
إلى جانب “البرنامج الرسمي” لمهرجان كان السينمائي الذي يشمل المسابقة الرسمية وقسم “نظرة ما” التالي في الأهمية للمسابقة، ثم عروض خارج المسابقة ومنتصف الليل والعروض الخاصة، تأتي التظاهرة الموازية المهمة “نصف شهر المخرجين”، هي تظاهرة “غير رسمية” لكنها أصبحت مع مرور الزمن، ركنا أساسيا من أركان المهرجان العريق، تليها تظاهرة “أسبوع النقاد”، وكلا القسمين يمنحان جوائزهما الخاصة.
“نصف شهر المخرجين”
تأسست هذه التظاهرة البارزة التي تستقطب عادة اهتمام جمهور كبير والكثير من النقاد والصحفيين، من طرف نقابة المخرجين الفرنسيين في أعقاب الانتفاضة الثورية التي وقعت في مايو 1968، وانتقلت من باريس إلى شاطيء الكروازيت الشهير في كان، وتزعمها مخرجو الموجة الجديدة الفرنسية أمثال جان لوك غودار ولوي مال وفرنسوا تريفو وغيرهم، وأتت في إطار الاحتجاج على الاتجاهات السائدة التجارية في السينما الفرنسية التي أطلق عليها السينمائيون الغاضبون وقتذاك “السينما البورجوازية” اي سينما التسلية الوقتية، في مقابل سينما النقد السياسي والاجتماعي والتعبير الذاتي عن العالم من خلال ما أصبح يعرف بـ “سينما المؤلف”.
وقد تحولت تظاهرة السينمائيين في “كان” إلى اجتماعات ولجان عمل أصبحت تجذب الكثير من السينمائيين من ضيوف المهرجان الذين أيدوا الحركة وانضموا إليها مثل رومان بولانسكي وميلوش فورمان ومونيكا فيتي (بطلة أنطونيوني) وكان ثلاثتهم أعضاء في لجنة التحكيم الدولية، وقد أدت الضغوط التي مورست في النهاية، إلى استقالة لجنة التحكيم، وكان طبيعيا أن يعقب ذلك وقف العروض ثم اغلاق المهرجان قبل أن يصل إلى موعد الختام!
وقد كتب الناقد البريطاني بيتر كوي فيما بعد يقول إن هدف السينمائيين الفرنسيين الثائرين كان “إحداث تغيير جذرى في مؤسسات السينما الفرنسية، وظهرت دعوات تطالب بإضراب عام لكل العاملين فى السينما وفى الوسائل السمعية- البصرية، واستجاب الجميع للدعوة، والأكثر من ذلك، انهم طالبوا بايقاف مهرجان كان، وكان المسؤول عن ذلك فرنسوا تريفو ورفاقه الشيوعيون فى الريفييرا الذين لم يتهاونوا من أجل تحقيق هذه الهدف”.
كان من الطبيعي أن يصل الغضب على المهرجان الرسمي بصيغته التي حافظ عليها روبير فافر لوبريه، مدير المهرجان، إلى حد إقامة “مهرجان بديل” في العام التالي 1969، أطلقت عليه نقابة المخرجين الفرنسيين ” أسبوعا المخرجين” أو في ترجمة أفضل، “نصف شهر المحرجين”. وتعتبر هذه التظاهرة التي تنافس المهرجان الرسمي، أكثر انفتاحا على السنيما الطليعية والتجريبية وخصوصا أفلام السينمائيين الشباب الذين لم تكن الادارة الرسمية للمهرجان ترحب بها. وقد ساهمت تظاهرة “نصف شهر المخرجين” بالتالي في اكتشاف الكثير من الأسماء التي أصبحت من الأسماء المرموقة فيما بعد، ثم وجدت طريقها بسهولة إلى البرنامج الرسمي. وقد عرضت هذه التظاهرة- على سبيل المثال- الأفلام الأولى لمخرجين مرموقين أمثال الألماني فيرنر هيرتزوغ، والبرتغالي (الذي رحل مؤخرا) مانويل دي أوليفييرا، والبلجيكيين الأخوين داردين، والفرنسي روبير بريسون، والبريطاني كن لوتش، والبولندي يرجي سكوليموفسكي، والأمريكيين المشاهير مارتن سكورسيزي، وليم فريدكن، وفرنسيس كوبولا ثم إبنة الأخير صوفيا كوبولا.
تتميز هذه التظاهرة أيضا بالاستقلالية والابتعاد عن التنافسية فهي لا تنظم مسابقة بل تمنح جائزة واحدة ذات قيمة شرفية لمخرج سينمائي تقديرا لمسيرته السينمائية، لكن هناك جوائز فرعية تمنحها جهات أخرى مثل الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية، وتتيح التظاهرة الفرصة لجمهور كان لشراء بطاقة واحدة لمشاهدة جميع الأفلام في البرنامج، كما تهتم بعرض الأفلام الوثائقية والقصيرة الى جانب الأفلام الروائية الطويلة.
يدير التظاهرة منذ 2011 الناقد السينمائي الفرنسي إدوار وينتروب الذي يكتب النقد السينمائي لصحيفة “ليبراسيون” منذ 26 عاما، وقد أدار مهرجان فريبورغ السينمائي لمدة أربع سنوات.
شعار نصف شهر المخرجين هذا العام
هذا العام وكما حدث من قبل كثيرا، رفض المهرجان الرسمي قبول أفلام لسينمائيين مرموقين في المسابقة الرسمية لأسباب متعددة بالطبع، فتجد طريقها- لحسن الحظ- إلى “نصف شهرالمخرجين” كما هو الحال بالنسبة لفيلم “العهد الجديد” للمخرج الكندي (من مونتريال) جاكو فان دورميل صاحب الفيلم- التحفة “توتو البطل” الحاصل على عدد كبير من الجوائز الدولية، وفيلم “الحرب العظمى” للعالم السفلي للياباني تاكاشي مييكي، و”أيامي الذهبية” للفرنسي أرنو ديسبليشن، و”الغرفة الخضراء” للأمريكي جيريمي سولنيير، و”ليالي عربية” (أو ألف ليلة وليلة) للبرتغالي الشهير ميغيل غوميز، وهو أطول أفلام المهرجان قاطبة، فزمن عرضه يصل إلى أكثر من ست ساعات وسيعرض على ثلاثة أيام.
تضم التظاهرة، وهي السابعة والأربعون، 17 فيلما، وتفتتح يوم 14 مايو بالفيلم الفرنسي “في ظل النساء” وهو الفيلم الخامس والعشرون للمخرج فيليب غاريل، بطولة كلوتيد كورو وستانسلاس ميرهر ولينا بوغام. وتختتم في الثالث والعشرين من مايو بالفيلم الفرنسي”مخدرات”الذي يروي قصة صبي مراهق من السود الأمريكيين، يسعى للالتحاق بجامعة هارفارد لكنه يتورط في توزيع المخدرات لتدبير مصاريف الدراسة، والفيلم من اخراج ريك فاموياوا.
فاطمة
في التظاهرة خمسة أفلام فرنسية من بينها فيلم “فاطمة” للمخرج فيليب فوكو. وهو يستند إلى قصة حياة المغربية فاطمة الأيوبي التي صدرت في كتاب بعنوان “صلاة للقمر”، ويطرح الفيلم موضوع المهاجرين المغرب العربي ومقاومتهم للاندماج في المجتمع الفرنسي، من خلال قصة سيدة تتحما وحدها مسؤولية تربية إبنتيها طبقا لمفهومها الخاصة وسط مجتمع مخالف للأعراف والتقاليد السائدة في ابلاد العربية فرنسا. وتضم التظاهرة أيضا ثلاثة أفلام لمخرجات نساء هي “الأغاني التي علمها لي أخي” للمخرجة الأمريكية كلويه زاو، وهو فيلم عن السكان الأصليين في الولايات المتحدة، وفيلم “موستانغ” للمخرجة التركية دميز إرغوفين، وفيلم “ما بعد جدي الليندي” للمخرجة الشيلية مارسيا تامبوتي وهي حفيدة الرئيس الشيلي سلفادور الليندي الذي قتل وهو يواجه قوات الانقلاب العسكري التي أطاحت بحكمه عام 1973.
يعرض بالتظاهرة الفيلم المغربي الجديد للمخرج نبيل عيوش (صاحب “ياخيل الله”) وهو بعنوان “محبوبة جدا”. وكانت مجلة فاريتي الأمريكية قد ذكرت أن عيوش اعترف بأنه استجوب حوالي 100 من العاهرات المحترفات في مدن مراكش والدار البيضاء وطنجة، من أجل التحضير لفيلمه هذا.
“أسبوع النقاد”
هذه التظاهرة تقام منذ عام 1961 وينظمها “الاتحاد الفرنسي للنقد السينمائي” بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية والنقد (فيبريسكي)، وهي تنظم مسابقة بين الأفلام الأولى والثانية للمخرجين، أي أنها تساهم في تسليط الأضواء على المواهب السينمائية الجديدة، واكتشافها، وخصوصا من خلال أفلام تتميز بالتعبير الفني الرفيع.
تعرض بالتظاهرة سبعة أفلام بمعدل فيلم واحد يوميا، وهي الأفلام التي تتنافس للفوز بجائزة النقاد. من بين هذه الأفلام الفيلم الفلسطيني “تحلل” الذي اشترك في اخراجه اثنان من شباب قطاع غزة هما طرزان وعرب أبو ناصر، وهذا هو فيلمهما الأول. وتدور معظم الأحداث داخل محل كوافير نسائي، ويستعرض تناقضات العيش في غزة في ظل الاضطراب السياسي والعنف. والفيلم من بطولة الممثلة الكبيرة هيام عباس.
ويعرض أيضا فيلم “ميديتيرانو” ليوناس كابرينانو من ايطاليا ويستعرض حياة بعض المهاجرين الافارقة في ايطاليا، كما يشارك في المسابقة الفيلم الفرنسي “لا السماء ولا الأرض” لكليمو كوجيتور، الذي يصور حياة الجنود الفرنسيين في افغانستان. وهناك فيلم “بولينا” من الأرجنتين للمخرج سانتياجو ميتر، ومن كندا يشارك بالمسابقة فيلم “العملاق النائم” لأندرو سوفيدينو.
ومن كولومبيا يشارك المخرج أوجستو سيزار بفيلمه “الظل”. ويعرض خلال الأسبوع فيلم “كريشا” للمخرج الألماني تري ادوارد شولتس. وتم اختيار الأفلام السبعة من بين 1100 فيلم حسبما أعلن المنظمون.
يفتتح الاسبوع بالفيلم الفرنسي “الفوضويون” للمخرج إيلي واغمان بطولة طاهر رحيم، ويختتم بالفيلم الفرنسي أيضا “الحياة على اتساعها” للمخرج ماتيو فادبيه. ويعرض الفيلمان خارج المسابقة.
نشر هذا الموضوع في جريدة “العرب” اللندنية أولا