أفلام كبار المخرجين تتنافس في مهرجان فينيسيا السينمائي

يوحي البرنامج الرسمي للدورة الـ 73 من مهرجان فينيسيا السينمائي، التي ستفتتح مساء الأربعاء، بأننا أمام دورة استثنائية تزخر بعدد كبير من الأفلام الجديدة لكبار السينمائيين في العالم، على نحو لم يشهده المهرجان منذ سنوات.

يشمل البرنامج الرسمي المسابقة الرسمية التي تضم 20 فيلما، وقسم “آفاق” الذي ينظم بدوره مسابقة ثانية موازية، تعرض 18 فيلما وفيلما واحدا خارجها في عرض خاص، اي أن المجموع هو (19 فيلما طويلا) أما خارج المسابقة فيعرض 17 فيلما طويلا، وبذلك يصل المجموع الكلي لأفلام البرنامج الرسمي 58 فيلما. وتضم مسابقة الأفلام القصيرة 14 فيلما، كما يعرض فيلمان قصيران خارج المسابقة. وهناك بعد ذلك قسم الأفلام الكلاسيكية التي تمت ترميمها واستعادتها في نسخ رقمية جديدة، مع الأفلام التي تدور عن السينما وعمل كبار المخرجين، من الأفلام الروائية والتسجيلية، ويبلغ عدد أفلام النوعين معا 30 فيلما. وتم تشكيل لجنة تحكيم من طلاب السينما تمنح جائزة لأحسن فيلم تم ترميمه في كل من الفرعين الروائي والتسجيلي.

يقيم المهرجان تكريما، أو بالأحرى “تأبينا” خاصا في تذكر اثنين من المخرجين الكبار الذين رحلوا مؤخرا هما الأميركي مايكل شيمينو، وسيعرض فيلمه “عام التنين”، والإيراني عباس كياروستامي الذي سيعرض المهرجان فيلمه “24 إطارا”. أما الجائزة التكريمية الخاصة (الأسد الذهبي) التي تمنح سنويا لشخصية سينمائية عن مجمل مساهمتها في السينما، فستمنح هذا العام لشخصيتين هما الممثل الفرنسي جون بول بلموندو، والمخرج البولندي يرزي سكوليموفسكي.

للمرة الأولى منذ سنوات، تغيب الأفلام العربية غيابا تاما عن البرامج الرسمية للمهرجان مع وجود فيلم واحد في تظاهرة “أيام فينيسيا” الموازية التي تماثل تظاهرة “نصف شهر المخرجين” في مهرجان كان، هو فيلم “استعراض الحرب” الذي اشترك في اخراجه المخرج السوري الشاب عبيدة زيتون مع المخرج الدنماركي اندرياس دالسغارد، وهو من الانتاج المشترك بين الدنمارك وفنلندا، ويتابع تجربة عبيدة زيتون ورفاقه في الثورة السورية في ربوع سوريا ثم رصد تحول الأحداث في اتجاه  الحرب الأهلية التي مازالت مشتعلة.

لقطة من فيلم الافتتاح “لا لا لاند”

فيلم الافتتاح

يفتتح المهرجان بالفيلم الموسيقي الجديد “لا لا لاند” الذي يستعيد أجواء العصر الذهبي في هوليوود الذي تميز بالأفلام الموسيقية الاستعراضية، وسيكون هذا الفيلم الثاني للمخرج الأميركي الشاب داميان شازيل الذي حقق فيلمه الأول قبل عامين “ويبلاش” نجاحا كبيرا. ويقوم ببطولة الفيلم الجديد إيما ستون أمام ريان كوسلنغ وجون ليجند، وسيحضر أبطال الفيلم للسير فوق البساط الأحمر الذي أصبح منذ سنوات، ينافس في جاذبيته، التقليد المستقر في مهرجان كان الشهير، ويعتبر مهرجان فينيسيا المهرجان التالي في أهميته بعد “كان”، وهو بمثابة البوابة الأوروبية لسينما العالم، خاصة الأميركية، في فصل الخريف، وعادة ما تذهب بعض الأفلام التي يختارها المهرجان خاصة ما يعرض في افتتاحه مثل “الجاذبية الأرضية” و”بيردمان” أو الرجل الطائر،  إلى ترشيحات الأوسكار وتحصل على الجوائز.

يختتم المهرجان بالفيلم الأميركي الجديد “العظماء السبعة” من إخراج المخرج الأفرو- أميركي أنطوان فوكوا، وهو إنتاج جديد للفيلم القديم بالعنوان نفسه الذي أخرجه جون سترجس عام 1960 وقام ببطولته يول برينر وإيلي والاش وستيف ماكوين وتشارلز برونسون وجيمس كوبرن. أما الفيلم الجديد فهو من بطولة دانزيل واشنطن وايتان هوك وكريس برات وبيتر ساراغارد. وجدير بالذكر أن الفيلم الأميركي الأصلي كان بدوره مقتبسا من فيلم “الساموراي السبعة” أحد أهم أفلام العملاق الياباني كيروساوا.

في المسابقة

يشارك فيلم الافتتاح “لا لا لاند” في المسابقة مع 19 فيلما آخر تتنافس على الأسد الذهبي، الجائزة الكبرى للمهرجان وجوائز أخرى في الاخراج والتمثيل. وتمثل الأفلام العشرون في المسابقة 17 دولة هي الولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا وايطاليا واسبانيا وهولندا وألمانيا والأرجنتين والفليبين وسويسرا والمكسيك وروسيا والسويد وصربيا وشيلي وبريطانيا واستراليا، هذا بالطبع بحساب أفلام الانتاج المشترك. ويلاحظ غياب السينما اليابانية والصينية، وتشهد المسابقة منافسة شديدة بين عدد من كبار السينمائيين في العالم الذين يعودون إلى المهرجان وعلى رأسهم المخرج الأميركي تيرنس ماليك، “فيلسوف السينما الأميركية”، وستشهد المسابقة العرض العالمي الأول لفيلمه التسجيلي الطويل “رحلة الزمن” الذي قضى أربعين عاما في صنعه، وهو أحد الأفلام المنتظرة منذ فترة طويلة، وكان يفترض عرضه في مهرجان كان الأخير إلا أن مخرجه لم ينته من عمل المونتاج له سوى مؤخرا، وسيعرض في نسخته الطويلة (90 دقيقة) بتعليق صوتي من الممثلة كيت بلانشيت. 

بطلا فيلم “حيوانات ليلية” جاك غلينهال وآمي آدامز

يعرض بالمسابقة من الولايات المتحدة 7 أفلام، وهو أكبر عدد لأي دولة منذ سنوات بعيدة، (منها فيلم الافتتاح وفيلم “رحلة الزمن”) أما الأفلام الخمسة الأخرى فهي “حيوانات ليلية” لتوم فورد، بطولة جاك غلينهال وآمي آدامز، و”الدفعة السيئة” للمخرجة آني ليلي أميربور (من أصل إيراني) بطولة كينو ريفز وجيم كاري، و”الضوء بين المحيطات” للمخرج ديريك سينافرانس، بطولة مايكل فاسبندر وأليسيا فيكاندر وراشيل ويز، و”الوصول” وهو من نوع الخيال العلمي، من اخراج الكندي الفرنسي دينيس فيلنييف. وهذا هو الفيلم الثاني في المسابقة الذي تقوم ببطولته آمي آدامز أمام جيرمي رينر وفورست ويتيكر. وأخيرا هناك الفيلم المنتظر “جاكي” للمخرج التشيلي بابلو لارين، وهو عن تجربة جاكلين كنيدي أرملة الرئيس الأمريكي جون كنيدي وما مرت به عقب اغتياله مباشرة عام 1963. وتقوم ببطولة الفيلم ناتالي بورتمان.

فيلم “الدفعة السيئة” للمخرجة الإيرانية الشابة المقيمة في أميركا هو فيلمها الثاني بعد الفيلم الأول “فتاة وحيدة تسير في الليل إلى بيتها” وكان أحد الاكتشافات الفنية المذهلة قبل ثلاث سنوات، بسبب أسلوب مخرجته السينمائي البديع الذي يستعيد تقاليد الأبيض والأسود والشاشة العريضة (سكوب) ويمزج الرعب ابكوميديا بالموسيقى الصاخبة في رؤية متوحشة لعالم داخلي ينطلق من خيالها الخاص ومن خلفيتها الثقافية “الإيرانية” إذا جاز التعبير.  والفيلم الجديد يصور أيضا قصة حب – ليس بين مصاصة دماء وشاب عادي مثل الفيلم السابق- بل بين آكلي اللحم البشري، وتدور احداثه في تكساس على خلفية شبيهة بافلام الغرب الأمريكي.

تشارك الدولة المضيفة، إيطاليا، بثلاثة أفلام في المسابقة هي “هذه الأيام” لجيوسيبي بوتشيوني، و”بيوما” لروان جونسون، والفيلم التسجيلي الطويل “سبيرا ميرابليس” الذي اشترك في اخراجه مايسمو بانولفي ومارتينا بارينتي.

ومن الإنتاج الفرنسي- الألماني المشترك، يشارك المخرج الألماني الكبير فيم فيندرز بفيلمه الجديد “الأيام الجميلة لدارنجويز” وهو من سينما الأبعاد الثلاثة، مقتبس عن مسرحية للكاتب الألماني بيتر هاندكه، تدور أحداثها في باريس في يوم واحد، حيث يتشارك رجل وزوجته في التعبير عما في مكنونات نفسيهما ورؤيتهما للحب والرغبة والمشاعر من خلال حوار أقرب إلى لغة الشعر.

 كوستوريتشا ومونيكا بيللوتشي

في درب اللبانة

وفي المسابقة يعرض الفيلم الجديد “في درب اللبانة” (من الإنتاج الصربي البريطاني الأميركي) للمخرج الصربي الشهير أمير كوستوريتشا، الذي يقوم ببطولته كوستوريتشا نفسه أمام مونيكا بيللوتشي، وكان متوقعا أن يعرض الفيلم في مسابقة مهرجان كان، وأثير كثير من اللغط حول الأسباب التي حالت دون عرضه في مايو الماضي، كما ترددت أنباء عن عرضه في مهرجان صغير في روسيا. وعموما كان مدير مهرجان فينسيا البرتو باربيرا قد أبدى في تصريحا صحفية استياءه من القيود التي تفرض على اختياراته بسبب النص الذي لا يسمح له بادراج أفلام سبق عرضها في مسابقات مهرجانات أخرى، ويبدو أنه لم يعد يهتم كثيرا بمراعاة هذا الشرط على الأقل بالنسبة لما يعرض في مهرجانات صغيرة مجهولة.

ويعود المخرج الروسي الكبير أندريه كونتشالوفسكي، إلى مسابقة فينيسيا بفيلم “الفردوس” من الإنتاج المشترك مع ألمانيا، بعد أن حصل فيلمه “ليالي ساعي البريد البيضاء” بجائزة الأسد الفضي قبل عامين. والفيلم الجديد يروي بعض القصص الشخصية التي تعود إلى زمن الحرب العالمية الثانية.

ومن فرنسا هناك 3 أفلام بالمسابقة أهمها فيلم “فرانتز” لفرنسوا أوزون، و”حياة” لستيفان بريزيه. وهناك فيلم من كل من الأرجنتين والمكسيك وهولندا واسبانيا، وبعد فيلمه الذي استغرق زمن عرضه 8 ساعات والذي عرض في مهرجان برلين في فبراير الماضي، يأتي المخرج الفليبيني “لاف دياز” بفيلم جديد هو “المرأة التي غادرت” ويبلغ زمن عرضه 226 دقيقة أي ما يقرب من أربع ساعات. ولا أحد يعرف بالضبط متى يتمكن دياز من تصوير كل هذه الأفلام بالغة الطول!

لجنة التحكيم

تكونت لجنة تحكيم المسابقة من المخرج البريطاني سام منديس رئيسا (صاحب الجمال الأميركي) وعضوية كل من المخرجة والمغنية الأميركية لوري أندرسون، والممثلة البريطانية جيما أرتيرتون، والممثلة الألمانية نينا هوس، والممثلة الفرنسية كيارا ماستروياني، والمخرج الأميركي جوشوا اوبنهايمر، والمخرج الفنزويلي لورنزو فيغاس، وأخيرا الممثلة الصينية تشاو وي.

خارج المسابقة

خارج المسابقة يعرض المخرج الإيطالي المرموق باولو سورينتينو “البابا الشاب” أي الحلقتين الأولى والثانية، من مسلسل تليفزيوني مكون من 8 حلقات، أخرجه سورينتينو في إنتاج مشترك (ناطق بالإنجليزية) بين أمريكا وإيطاليا وبريطانيا واسبانيا وفرنسا، ويقوم بالأدوار الرئيسية فيه جود لو (في دور البابا)، ديان كيتون، جيمس كونويل، سكوت شيبارد، وسلفيو أورلاندو. 

من فيلم “منشار الجبل” اخراج ميل غيبسون

يعرض خارج المسابقة أيضا الفيلم الجديد “منشار الجبل” من اخراج الممثل والمخرج الاسترالي ميل غيبسون، وتدور أحداثه حول طبيب الحق بالجيش الأمريكي في اليابان ولكنه رفض حمل السلاح غير أن الرئيس ترومان قلده فيما بعد ميدالية الشرف العسكري لمساهمته في انقاذ حياة 75 جنديا أصيبوا في معركة أوكيناوا. ويعود المخرج الأمريكي- الإيراني الاصل أمير نادري بفيلم “الجبل” الذي صوره في ايطاليا. أما المخرج الأوكراني (صاحب فيلم “الميدان”) فيعود بفيلم تسجيلي جديد خارج المسابقة بعنوان “أوسترليتز”.

قسم آفاق

يعرض في هذا القسم 19 فيلما طويلا، بينها فيلم واحد خارج المسابقة هو “ليلة سوداء” للأميركي تيم ساتون. والأفلام المتسابقة من اسبانيا وبلجيكا وهولندا وبلغاريا وايطاليا وفرنسا واليابان وكندا والبرتغال وأميركا والأرجنتين وألمانيا والنمسا واستراليا وهونغ كونغ.

وضمن مسابقة “آفاق” يعرض أيضا فيلم “ملاريا” لبارفيز شهبازي من إيران، وفيلم “علام بير كبير” لرضا إردم من تركيا، وفيلم “عبر الجدار” لراما برشتاين من إسرائيل، كما يعرض فيلم “الشمس البيضاء” للمخرج النيبالي ديباك ريوانار الذي شاركت في انتاجه دولة قطر مع نيبال وأمريكا وهولندا.

ويتميز هذا القسم عادة بانفتاحه على شباب السينمائيين، ويرحب بعرض أفلامهم التي تجرب في اللغة والشكل، وعادة ما يبرز من بينها بعض المواهب التي تلمع فيما بعد. وتتكون لجنة تحكيم مسابقة “آفاق” برئاسة المخرج الفرنسي روبير غيديغيان، وعضوية الممثلة المصرية نيللي كريم، والناقد الأميركي والمؤرخ السينمائي جيم هوبرمان، والممثلة الإيطالية فانتينا لودوفيني، والممثلة الكورية والمخرجة موون سو ري، والناقد الاسباني خوسيه ماريا برادو، والمخرج الهندي شاتيانا تامهان. وتمنح هذه اللجنة جوائز لأحسن فيلم وأحسن مخرج، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة، وأحسن ممثل، وأحسن ممثلة، وأحسن سيناريو، وأحسن فيلم قصير، وجائزة أحسن فيلم تحريك قصير من الاتحاد الأوروبي.

أيام فينيسيا

تعرض تظاهرة “أيام فينيسيا” الموازية هذا العام 12 فيلما في مسابقتها الخاصة، و7 أفلام خارج المسابقة في “عروض خاصة”، وفيلمين في برنامج يحمل عنوان “حكايات نسائية”. وتفتتح التظاهرة بفيلم “استعراض الحرب” الذي سبقت الاشارة إليه، من إخراج السوري عبيدة زيتون مع الدنماركي اندرياس دالسغارد، وهو فيلم تسجيلي يستعرض قصص التجربة الشخصية لزيتوني في الحرب، ولاشك أن افتتاح التظاهرة الهامة بهذا الفيلم يعكس الرغبة في لفت الأنظار الى الأحداث الدامية التي تشهدها سوريا.

لاشك أن الوليمة الدسمة من أفلام مهرجان فينيسيا ستشغل الصحافة السينمائية وعشاق السينما ومتابعيها في العالم خلال الأشهر القادمة، وصولا إلى ترشيحات الأوسكار التي ينتظرها الجميع لنرى من الذي سيسعده الحظ وينجح في اختراق المجال السينمائي الأميركي وبالتالي النفاذ إلى أكبر سوق سينمائية في العالم، لكن تبقى “فينيسيا” هي البوابة الرسمية.

** ينشر المقال بالتنسيق مع جريدة “العرب” التي تصدر في لندن

Visited 51 times, 1 visit(s) today