“أطياف” فيلم تونسي عن فوضى الثورة

Print Friendly, PDF & Email

يُشارك الفيلم الطويل “أطياف” للمخرج التونسي الشاب مهدي هميلي ضمن فعاليات الدورة الرابعة والسبعين لمهرجان لوكارنو السينمائي، والذي سينتظم في مدينة لوكارنو بسويسرا من 4 إلى 14 أغسطس القادم، حيث ينافس على ست جوائز في مسابقة “صُناع أفلام الحاضر”.

ومهرجان لوكارنو السينمائي هو أحد أعرق المحافل السينمائية العالمية، تأسّس عام 1946، وتنطلق فعالياته سنويا في شهر أغسطس لمدة 11 يوما بمدينة لوكارنو السويسرية، حيث يتقابل الآلاف من المحبين والعاملين في مجال الإنتاج السينمائي.

أما مسابقة “صُناع أفلام الحاضر” فهي واحدة من أرفع مسابقات المهرجان، وهي مخصّصة للمخرجين الصاعدين من مختلف أنحاء العالم، وتركّز على إنتاجاتهم الأولى. وتشهد عرض 15 فيلما للمرة الأولى عالميا، وتتنوّع الأفلام المشاركة بين الوثائقية والروائية. وتنافس هذه الأفلام على جائزة الفهد الذهبي لأفضل فيلم، وجائزة أفضل مخرج صاعد، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة، وجائزة سواتش لأفضل عمل أول، وجائزتيْ الفهد لأفضل ممثل وأفضل ممثلة.

وتدور أحداث فيلم “أطياف” في العاصمة تونس، حيث تُسجن آمال على خلفية اتهامها بالزنا وممارسة الدعارة. وبعد إطلاق سراحها تبحث عن ابنها الوحيد لاعب كرة القدم مؤمن في مجاهل تونس وشوارعها، ممّا يمكنّها من اكتشاف تونس القاع والهامش والتعرّف على كل الفئات والشرائح الاجتماعية، فإذا بها -وهي في رحلة البحث عن ابنها- تعثر على ذاتها وتتصالح مع نفسها في مواجهة مجتمع عنيف ومتطرّف.

وعن فيلمه الطويل الثاني يقول هميلي “هو اشتغال على سينما الجسد وعلى ثيمة الحرية بكل وجوهها. وهو أيضا محاكمة سينمائية لفوضى ما بعد ثورة تونس 2011، وما نتج عنها من تغوّل لمنظومة الفساد ومن تدهور لأوضاع البسطاء والمواطنين وانسداد الآفاق وضيق الأحلام”.

والعمل من تأليف وإخراج مهدي هميلي، ويشارك في بطولته نجوم تونسيون منهم عفاف بن محمود وحكيم بومسعودي وإيهاب بويحيي وسارة حناشي وسليم بكار والفنانة الاستعراضية زازا في أولى تجاربها السينمائية. وقام بتأليف الموسيقى التصويرية للعمل الموسيقي التونسي أمين بوحافة.

و”أطياف” هو إنتاج مشترك بين تونس ولوكسمبورغ وفرنسا والولايات المتحدة وكندا، فاز بجائزة أفضل سيناريو من المعهد الفرنسي وحصل على جائزة منصة الجونة لمرحلة ما بعد الإنتاج، كما حصل على دعم من المركز الوطني للسينما والصورة التونسي وصندوق الدعم بلوكسمبورغ ومركز السينما والصورة الفرنسي.

وفي 2016 أخرج هميلي فيلمه الطويل الأول “تالة مون آمور” (تالة حبيبتي) الذي شارك به في العديد من المهرجانات العالمية، من بينها تورينو وقرطاج، وفيه يسلّط الضوء على حصاد الثورة التونسية بعد سنوات قليلة من اندلاعها.

ويُستهلّ الفيلم بمشهد حميمي بين زوج وزوجته، ما يعني أن العلاقة بين الزوجين يسودها الحب والوئام كحال البلد قبل ثورة 14 يناير 2011، والتي تبدو فيها الأمور من الوهلة الأولى تحت السيطرة إن طوعا أو قسرا. وهو ما يستنتجه المُشاهد كلما تقدّمت الأحداث، حيث أن حورية (نجلاء بن عبدالله) تزوّجت زواجا تقليديا لا حب فيه، بعد أن فرّقها جور النظام عن حبيبها محمد (غانم الزرلي) الناشط السياسي المناهض لنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

تتكشّف خيوط الحكاية رويدا رويدا، فحورية التي باتت عاملة مصنع عادية بعد أن تخلّت عن نضالها السياسي، إثر علمها بوفاة حبيبها السابق، تتزوّج من أول رجل يطلب يدها (محمد الداهش) لتستقر معه في القصرين، تاركة تالة مسقط رأسها ومنشأ حبها القديم، بعد أن كرهت ذكرياتها الأليمة فيها.

وفي الأثناء تُشاهد حورية فيديو على الإنترنت للحراك الشعبي الذي اجتاح البلاد في ديسمبر 2010، والذي ينبئ بهبوب عاصفة الثورة، فرأت حبيبها السابق الذي ظنته توفي أو اُغتيل، فأيقظ فيها الفيديو حبّين: حبها القديم لحبيبها وحبها للنضال والتضحية من أجل غد أفضل لبلدها تونس.

حورية، التي يرمز اسمها في الفيلم إلى الحرية، تجد نفسها هنا أمام منعطف خطير، فإما الاستمرار في حياتها الزوجية البائسة أو استعادة حبها القديم، فتختار الحل الثاني، لكنها تصطدم بأن من كانت تحبه سئم السياسة والنضال، حيث بات كل همّه بعد فراره من السجن أثناء الفوضى التي عمّت البلاد آنذاك استعادة حبّه القديم والاستكانة لحياة بسيطة لا صخب فيها ولا اعتقال ولا تعذيب.

ومن هناك أتى “تالة مون آمور” فيلما يوثّق لمرحلة تاريخية، وقائعها حقيقية، إلاّ أن مخرجه لم يستعن بلقطات تسجيلية، بل أتت أحداثه سيناريو مكتوبا على الورق، وبذلك جمع هميلي بين الواقعي والمتخيّل ليقدّم صورة عن ثورة تونسية أساسها الحب وغايتها تكريس القيم الجميلة. لكنْ للسياسة مآرب شتى وللثورة وجوه أخرى لم تنكشف سماتها بعد!

والتوجّه ذاته يطرحه فيلمه الجديد “أطياف” لكن برؤى مُغايرة تختزل فوضى الثورة التونسية هذه المرة في أزمة امرأة تبحث عن ابنها المفقود بعد خروجها من السجن، في إشارة ربما إلى وطن مفقود عصفت به المطامع السياسية والصراعات الأيديولويجية التي أهملت آمال المواطنين الحالمين بتونس أخرى أكثر عدلا وأمنا وكرامة.

ومهدي هميلي كاتب ومخرج أفلام تونسي، درس السينما في تونس قبل تخرّجه في المعهد العالي للسينما بباريس. وخلال إقامته بباريس أخرج ثلاثة أفلام تتناول مفاهيم الحب والمنفى، وهي “لحظة” (2009) و”ليلة” (2011) و”ليلة بدر” (2012)، ثمّ أخرج بعدها فيلمه الروائي الأول “تالة مون آمور” ليعقبه هذا العام بـ”أطياف”.

Visited 51 times, 1 visit(s) today