“أشباح اسماعيل” في افتتاح الدورة الـ 70 من مهرجان كان
تفتتح يوم الأربعاء، الدورة السبعون من مهرجان كان السينمائي الدولي، أهم المهرجانات السينمائية في العالم، بالفيلم الفرنسي “أشباح اسماعيل” للمخرج أرنو ديسبليشين، ومن بطولة ماريون كوتيار وشارلوت غينسبورغ ولوي كاريل وماتيو أمالريك. يعرض الفيلم خارج المسابقة تفاديا لاستحواذه على اهتمام خاص لا يتوفر لغيره من الأفلام التي تتنافس على “السعفة الذهبية” الجائزة الكبرى التي تمنح لأحسن فيلم.
في مسابقة المهرجان 19 فيلما. وقد راعى المدير الفني للمهرجان، تيري فريمو، أن تتضمن أسماء جديدة نسبيا أو غيرمألوفة مشاركتها في مسابقة “كان” مبتعدا ولو قليلا، عن أفلام كبار المخرجين الراسخين التي كانت تُقبل أحيانا، بغض النظر عن مستواها الفني، بل كانت تدرج في برنامج المسابقة حتى قبل أن تكون قد انتهت تماما من مرحلة المونتاج، وذلك بضمان إسم المخرج فقط.
ومع هذا، فليس معنى هذا أن تخلو المسابقة من أسماء المخرجين المرموقين الذين سبق أن شاركوا بأفلامهم بل وفازوا أيضا بجوائز رئيسية، بل وبالسعفة الذهبية نفسها، فهناك على سبيل المثال، المخرج النمساوي مايكل هانيكه حائز السعفة الذهبية مرتين، الذي يشارك بفيلمه الجديد “نهاية سعيدة”.
وهناك المخرج الكوري هونغ سانغسو الذي سبق أن شارك بفيلمه “بلد آخر” في مسابقة كان، ويشارك هذه المرة بفيلم “اليوم التالي” بطولة الممثلة المفضلة لديه “من هي كيم” التي قامت ببطولة فيلمه السابق “وحيدة على الشاطئ ليلا” الذي شاهدناه ونشرنا عنه في هذه الصفحة، من مسابقة مهرجان برلين الأخير، وهي تشارك أيضا في فيلمه الثاني الذي يشارك خارج المسابقة في كان “قسم العروض الخاصة” بعنوان “كاميرا كلير”. والفيلم من الإنتاج الفرنسي وبطولة الممثلة الفرنسية إيزابيل أوبير التي سبق أن شاركت في بطولة فيلم سانغسو “بلد آخر”. وبهذا يكون للمخرج الكوري ثلاثة أفلام جديدة في المهرجان، ويكون قد أنجز أربعة أفلام في 2017!
يعود المخرج اليوناني يورغوس لانيتموس إلى مسابقة “كان” بفيلم جديد هو “مقتل الغزال المقدس” يستكمل فيه أحداث فيلمه السابق “سرطان البحر” الذي شارك في المسابقة قبل عامين ونال جائزة أحسن سيناريو، والفيلم الجديد بطولة نيكول كيدمان وكولن فيرول، وصور في أيرلندا وهو من الإنتاج الأيرلندي.
كلوديا كاردينالي على ملصق المهرجان
نصيب نيكول كيدمان
جدير بالذكر أن نيكول كيدمان تقوم ببطولة أربعة من الأفلام المشاركة بالمهرجان، فإضافة إلى الفيلمين السابقين هناك أيضا فيلم “الفاتن” للمخرجة الأميركية صوفيا كوبولا الذي سيعرض بالمسابقة أيضا (أمام كولن فيرول أيضا!)، وفيلم “كيف تتحدث مع الفتيات في الحفلات” للمخرج جون كاميرون ميتشيل (وهو فيلم رومانسي من أفلام الخيال العلمي وسيعرض خارج المسابقة)، وحلقة تليفزيونية من مسلسل “قمة البحيرة” للمخرجة النيوزيلاندية الشهيرة جين كامبيون التي سبق أن حازت السعفة الذهبية عن فيلمها “البيانو” قبل 24 عاما.
وعلى ذكر التليفزيون، يعترف مهرجان كان للمرة الأولى في تاريخه رسميا- بالأعمال التليفزيونية، فيعرض إضافة إلى “قمة البحيرة”، حلقتين من المسلسل الجديد “توين بيكس” للمخرج الأميركي ديفيد لينش الذي يستكمل فيه ما بدأه قبل أكثر من ربع قرن في مسلسل بنفس الإسم، حاز شهرة كبيرة، ثم تحول إلى فيلم سينمائي عرض في مسابقة مهرجان كان (1992) بعنوان “توين بيكس: النار تلاحقني”.
وكان عرض فيلم “كارلوس” للمخرج الفرنسي أوليفييه أسايس قبل سبع سنوات في كان، وهو فيلم تليفزيوني يقع في خمس ساعات ونصف، قد تسبب في وقوع مشكلة بين المدير الفني تيري فريمو، ورئيس المهرجان وقتذاك جيل جيكوب، فبينما أصر الأول على عرض الفيلم المصور أصلا للتليفزيون على شكل حلقات، عارض الثاني بدعوى أن عرضه يشكل مخالفة لتقاليد مهرجان كان الذي لا يعرض أعمالا مصنوعة للتليفزيون. لكن التطور الطبيعي فرض التنازل الأخير خاصة عندما يتعلق الأمر بالنسبة لأسماء مرموقة في مجال الإخراج مثل ديفيد لينش، ولأنها- كما قال فريمو- تخرج للتليفزيون ولكن بأسلوب السينما. وفي المؤتمر الصحفي الذي أعلنت خلاله تفاصيل الدورة الجديدة، صرح بيير ليسكير رئيس المهرجان، بأن مدينة كان ستشهد ابتداء من العام القادم مهرجانا سنويا مخصصا للدراما التليفزيونية يقام سنويا في شهر أبريل.
في الذكرى السبعين
في القسم الخاص الذي ابتدع هذا العام تحت عنوان “أحداث الذكرى السبعين”، يعرض الفيلم القصير (17 دقيقة) “تعالى واسبح” وهو أول فيلم من إخراج الممثلة الأميركية كريستين ستيوارت، رغم أنه سبق عرضه في مهرجان سندانس الأميركي. كما يعرض في نفس القسم الفيلم القصير “24 إطارا قبل وبعد لوميير” آخر أفلام المخرج الإيراني الراحل عباس كياروستامي الذي عرضه للمرة الأولى مهرجان فينيسيا في سبتمبر الماضي.
داخل المسابقة هناك أيضا فيلم “في الإظلام التدريجي” للمخرج الألماني من أصل تركي فاتح أكين، وهو أول الأفلام الألمانية للممثلة “الألمانية” ديان كروغر التي شاركت في أفلام كثيرة أميركية وفرنسية. ويدور الفيلم في أوساط المهاجرين الأتراك في ألمانيا في سياق بوليسي مشوق، وقد صوره أكين في هامبورغ واليونان، وهو من الإنتاج المشترك بين ألمانيا وفرنسا.
الممثل لويس كاريل في دور غودار من الفيلم الفرنسي “المهيب”
المخرج الفرنسي ميشيل هازانافشيوس صاحب فيلم “الفنان” (الصامت) الذي أثار إعجاب الجميع في مهرجان كان قبل ست سنوات ومضى ليحصل على “الأوسكار”، يعود بفيلم جديد هو “المهيب” الذي يروي فيه قصة حياة المخرج الفرنسي الكبير جون لوك غودار (86 سنة) أحد أهم رواد حركة الموجة الجديدة الفرنسية، وهو لايزال يواصل العمل بل وقد أنجز فيلما جديدا بعنوان “الصورة والعفو” هو بمثابة الجزء الثاني من فيلمه السابق “وداعا للغة” (2014) وكان من المتوقع أن يشارك هذا الفيلم في “كان”، لكن ربما لم ينته غودار بعد من إعداده للعرض. ومن فرنسا يشارك أيضا مخرج جديد هو روبين كامبيللو بفيلم “120 دقة في الدقيقة” (إشارة إلى دقات القلب).
عودة مخرج “الحوت”
إلى المسابقة يعود أيضا المخرج الروسي أندريه زفيجنتسيف الذي عرض فيلمه “ليفياثان” أو “الحوت” قبل ثلاث سنوات في مسابقة كان ونال جائزة أحسن سيناريو ثم مضى ليحصل على جوائز عديدة في مهرجانات أخرى. الفيلم الجديد بعنوان “محروم من الحب” يروي قصة تدور حول زوج وزوجة يرغبان في اتمام الطلاق بينهما لكنهما يتماسكان من أجل العثور على ولدهما الذي غادر المنزل بسبب مشاجراتهما المستمرة واختفى.
من الأسماء المألوفة التي تشارك في المسابقة المخرجة اليابانية ناومي كاواسي التي تشارك بفيلم “إشعاع”، والمخرج الفرنسي فرنسوا أوزو بفيلم “العاشق المزدوج”، ويعود المخرج الفرنسي جاك دويون بفيلم جديد عن حياة النحات الشهير “رودان”، ويعود أيضا الأميركي تود هاينز بفيلم “ووندرستروك”، والمخرجة البريطانية (من اسكتلندا) لين رامزي بفيلم “لم نكن هنا أبدا” وهي التي سبق أن شاركت في مسابقة كان بفيلم “يجب أن نتحدث عن كيفن” وكان فيلما متميزا كثيرا.
وإذا كانت معظم الأسماء المشاركة في المسابقة من الأسماء “المألوفة” أي التي سبق أن شاركت فما هو الجديد إذن، ولماذا يصر فريمو على أن هناك تغييرا جوهريا وأبوابا فتحت أمام المواهب الجديدة لأصحاب الاسماء “المجهولة”؟
الحقيقة أن أهم تغيير يمكن ملاحظته هو استبعاد أفلام هوليوود أو الأفلام التي تنتجها الشركات الأميركية الكبيرة بنجومها المشهورين، بل لقد فضل المهرجان أيضا ألا يفتتح بالفيلم الجديد للمخرج الأميركي وودي ألين “عجلة المتاهة” – بطولة كيت وينسليت، مفضلا تسليط الأضواء على الفيلم الفرنسي “أشباح اسماعيل”. وتطغى الأفلام الفرنسية على المسابقة بدرجة كبيرة فهناك نحو ثمانية أفلام من الإنتاج الفرنسي أو تشترك فرنسا في إنتاجها، في مسابقة لا يتجاوز عدد أفلامها 19 فيلما بعد إضافة فيلم “الميدان” للمخرج السويدي روبين أوستلوند الذي حصل فيلمه “قوة عظمى” على جائزة لجنة التحكيم في مسابقة قسم “نظرة ما” عام 2014.
لقطة من فيلم الافتتاح “أشباح اسماعيل”
ومن الولايات المتحدة تشارك أربعة أفلام مستقلة هي “الفاتن” لصوفيا كوبولا، “ووندرستوك” لتود هاينز، و”وقت سعيد” لثنائي من المخرجين الشباب هما بن وجوشوا سافدي، و”قصص ميروفيتز” للمخرج نوح بومباش. وهناك فيلم “مخلوق رقيق” وهو عن رواية لديستويفسكي ومن الانتاج الفرنسي واخراج الأوكراني سيرغي لوزنيتسا الذي اشتهر بفيلم “ميدان” التسجيلي، وفيلم مجري هو “قمر جوبيتر” للمخرج كورنيل موندروتشو.
المخرجة صوفيا كوبولا تشارك بفيلم جديد في المسابقة
خارج المسابقة
خارج المسابقة هناك 41 فيلما تعرض في أربعة أقسام هي عروض منتصف الليل، وقسم العرو ض الخاصة وأفلام خارج التسابق وعروض منتصف الليل، ولكن أهمها قسم “نظرة ما” (18 فيلما) الذي سيعرض الفيلم الجديد للمخرج البولندي رومان بولانسكي “بعد تاريخ حقيقي”، وفيلم “طبيعة الزمن” للمخرج الجزائري كريم الموسوي، والفيلم التونسي “على كف عفريت” للمخرجة كوثر بن هنية، الذي يروي قصة اغتصاب فتاة في تونس على أيدي رجلي شرطة وهي القصة التي شغلت الرأي العام التونسي في 2012، ويصور الفيلم كيف تنتقل الفتاة طوال ليلة كاملة، بين أقسام الشرطة والمستشفيات من أجل إثبات الحادث الذي تعرضت له وما تلقاه من تعنت ولامبالاة خلال ذلك. ويعود المخرج الإيراني المنشق محمد روسولوف بفيلم جديد هو “بقايا”، ويعرض الممثل والمخرج الفرنسي ماتيو أمالريك فيلما من اخراجه هو “باربره”. ويعرض المهرجان للمرة الأولى فيلما طويلا للأطفال.
ومن جيل الموجة الجديدة تأتي المخرجة الفرنسية أنييس فاردا (88 عاما) بفيلم تسجيلي جديد هو “وجوه.. وجوه” عن موضوع اللاجئين الأجانب في أوروبا. ورغم الغياب التام عن البرنامج الرسمي للسينما الإسرائيلية للمرة الأولى منذ سنوات، إلا أن المخرج الفرنسي الصهيوني المعروف كلود لانزمان (صاحب فيلمي “شوا” و”تساهال”) يعود إلى المهرجان وهو في الحادية والتسعين من عمره، بفيلم تسجيلي جديد بعنوان “نابالم” يقال إنه استغرق ست سنوات في صنعه، يعرض في قسم “العروض الخاصة”. وقد صور الفيلم في كوريا الشمالية. أما المخرج الإسرائيلي المعروف أموس غيتاي فيشارك بفيلم جديد بعنوان “غرب نهر الأردن” في تظاهرة “نصف شهر المخرجين”.
ومن الأفلام التسجيلية التي وجدت طريقها الى المهرجان الفيلم الجديد عن قضايا البيئة وظاهرة الاحتباس الحراري، الجزء الثاني من فيلم “حقيقية غير مريحة” (2006) لنائب الرئيس الأميركي الأسبق آل غور الذي لم يكف عن تنبيه العالم من مخاطر تلوث البيئة. والفيلم الجديد بعنوان “حقيقة غير مريحة: وقت العمل”. كما تشارك الممثلة البريطانية فانيسا ريدغريف بفيلم من إخراجها عن قضية اللاجئين وهو بمثابة بحث تاريخي في جذور القضية، والفيلم من النوع التسجيلي الطويل (74 دقيقة) وهو بعنوان “أسى البحر”.
قضية اللاجئين
ويحظى موضوع اللاجئين، باهتمام كبير برز في عدد من أفلام المهرجان في مقدمتها فيلم “يوم سعيد” لمايكل هانيكه، ثم الفيلم المجري “قمر جوبيتر”، ثم فيلم فانيسا ريدغريف المشار إليه، ثم الفيلم الفرنسي “120 دقة في الدقيقة”. ولعل من دلائل الانفتاح الكبير للمهرجان على أنواع جديدة مختلفة من الأفلام مشاركة عمل ينتمي إلى ما يمكن أن نطلق عليه “سينما الواقع”- الشبيهة ببرامج “تليفزيون الواقع”، هو فيلم “لحم ورمل” للمخرج المكسيكي الشهير أليخاندرو غونزاليس إيناريتو الذي يتناول أيضا قضية اللاجئين والمهاجرين من المكسيك إلى الولايات المتحدة.
لقطة من فيلم “الفاتن” للمخرجة صوفيا كوبولا- في المسابقة
في جعبة مهرجان كان دائما الكثير من المفاجآت، والكشف عن قائمة الأفلام نفسها لا يكفي لمعرفة كل ما يمكن أن يثار من قضايا تستقطب عادة اهتمام الصحافة ووسائل الإعلام. وإذا كانت السياسة تفرض نفسها على كثير من الأفلام، فلعل هذا أمرا طبيعيا بحكم التحديات التي يشهدها عالم اليوم وهو ما أشار إليه رئيس المهرجان في كلمته. وقال مدير المهرجان إن هناك 12 فيلما من إخراج مخرجات (نساء) في البرنامج الرسمي، وتسعة أفلام هي الأولى لمخرجيها، وقد تم اختيار أفلام البرنامج الرسمي (60 فيلما) من بين 1930 فيلما تقدمت للمهرجان.
يرأس لجنة تحكيم المسابقة الرئيسية المخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار، وترأس الممثلة الأميركية أوما ثيرمان لجنة تحكيم قسم “نظرة ما”، وترأس الممثلة الفرنسية ساندرين كيبرلين لجنة تحكيم مسابقة الكاميرا الذهبية لأحسن عمل أول. يحمل شعار المهرجان صورة الممثلة الإيطالية كلوديا كاردينالي (من عام 1959). أما الممثلة الإيطالية مونيكا بيلوتشي فستقوم بتقديم حفل الافتتاح.