أزمة فيلم “ريش”.. اتهامات بـ”تشويه سمعة مصر”

أثار انسحاب فنانين مصريين خلال عرض فيلم “ريش” في مهرجان الجونة السينمائي الكثير من الجدل بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما بعد الهجوم الشديد الذي شنه إعلاميون بارزون، والذين اتهموا صناعه بـ”تشويه صورة وسمعة” مصر من خلال عرض نماذج للفقر والعشوائيات في البلاد.

وأفادت تقارير إعلامية بخروج 3 فنانين هم شريف منير وأشرف عبد الباقي وأحمد رزق بعد حوالي ربع ساعة من بدء عرض الفيلم، الذي يعد أول فيلم مصري حصل على جائزة “أسبوع النقاد في مهرجان كان السينمائي”. وفاز “ريش” أيضا بجائزة أفضل فيلم في مهرجان “بينغياو” الصيني. 

ويتناول الفيلم قصة ربة منزل مصرية بسيطة تجد نفسها أمام مسؤوليات كبيرة تتجلى في إعالة أولادها بعد أن حول مشعوذ عن طريق الخطأ زوجها إلى دجاجة، دون أن يفلح في إعادته إلى طبيعته البشرية مرة أخرى، وهنا تضطر تلك الأم الفقيرة والساذجة أن تبحث عن عمل يسد رمق عائلتها في مجتمع ذكوري لا يرحم.

ويعد هذا العمل الذي ينتمي إلى مدرسة العبث والفانتازيا، أول فيلم روائي طويل للمخرج عمر الزهيري والذي شارك في تأليفه بالتعاون مع السيناريست أحمد عامر، فيما ساهمت جهات فرنسية وهولندية مهتمة بدعم السينما المستقلة بتمويل إنتاجه، وفي الوقت ذاته كان لافتا أن بطلة الفيلم، دميانة نصار، التي أدت دور الأم تخوض تجربتها الدرامية الأولى. وكانت دميانة قد ذكرت أنها أمية لا تجيد القراءة أو الكتابة، ومع ذلك فقد أشاد الكثير من النقاد بأدائها العفوي العميق.

“أين الرسالة؟”

شريف منير

وفي معرض تبريره لانسحابه من قاعة عرض الفيلم، قال الفنان شريف منير في حديث تلفزيوني إلى الإعلامي عمرو أديب في برنامج “الحكاية” على قناة “إم بي سي مصر”: “في البداية أود أن أقول أنني أكن الاحترام للمنتج محمد حفظي (منتج الفيلم)، وهو صديق عزيز على المستوى الشخصي، ولكن انسحبت من المشاهدة لأنه جعل صورتنا سيئة بشكل مبالغ فيه، فهناك عائلة تعيش في قذارة رهيبة، وحتى العشوائيات التي كانت موجودة سابقا لم تكن بهذا السوء الذي أظهره الفيلم”.

وتابع: “الناس الذين يعيشون في العشوائيات أصبح لديهم مساكن نظيفة ولا يجب تكرار ما كان يظهر في أفلام مثل فيلم (حين ميسرة)”، في إشارة لفيلم للمخرج المصري خالد يوسف، الذي صور الحياة في الأحياء الفقيرة، وأنتج عام 2007. 

وأكمل منير: “نحن في عهد جديد وجمهورية جديدة، وحتى على المستوى الفني لم يشدني ذلك العمل فليس هناك إبداع فظيع، والأشخاص الذين شاركوا لم يسبق لهم التمثيل، وأنا استغرب الذين منحوا الجائزة للفيلم، فما يعرضه الفيلم لم يعد موجودا على أرض الواقع”.

ولمح منير  إلى أن الفيلم قد يكون فاز بالجائزة في مهرجان بسبب حب بعض الغربيين لرؤية الصور القاتمة عن الشرق، مضيفا: “أنا مصر أن يقول لنا المخرج ما هي رسالته التي أراد أن يوصلها للجمهور، لأن الفن السينمائي يجب ألا يقبل التأويل كما يحدث مع الفن التشكيلي”.

وفي نفس السياق أكد الفنان المعروف، نبيل الحلفاوي، أن انسحاب أي فنان من مشاهدة عرض سينمائي لا يعبر عن أي إساءة، وقال في تغريدة له: “مغادرة القاعة أثناء عرض ما أو كلمة لمتحدث هو تصرف مشروع ومعروف للتعبير عن موقف مضاد. أو لمجرد عدم احتماله فنيا أو فكريا، أما أن التهم بالإساءة لا صحة لها فلا يمكنني الحكم سماعيا”.

من جهته، قال المنتج محمد حفظي في تصريحات للإعلامي عمرو أديب، إن عرض الفيلم لم يشهد أي مشكلة باستثناء انسحاب ثلاثة فنانين من قاعة العرض، متابعا: “بالنسبة للرسالة التي يتحدث عنها الفيلم، فهو عبارة عن عالم مجرد من الزمان والمكان بحيث من الممكن أن تجري أحداثه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وفي أي مكان، وهو يتناول موضوع إنساني بحت لا يحتمل تأويله سياسيا أو غير ذلك”.

وتابع: “من المستحيل أن أنتج أو أشارك في أي فيلم يسيء إلى مصر، ونحن فخورون بأن الفيلم فاز بجائزة كبيرة في مهرجان، كما حاز على جائزة أخرى في مهرجان سينمائي كبير في الصين، والمخرج أوضح في الندوة الخاصة بالفيلم أنه ليس سياسيا وتحدث عن قضية إنسانية، ناهيك عن أن العمل حاز على موافقة الرقابة قبل تصويره، وبالتالي لا أعتقد أنه سيواجه أي عقبات عند عرضه تجاريا في ديسمبر القادم”.

وأشار إلى أن وزارة الثقافة والمجلس القومي للسينما قد كرما الفيلم على الإنجاز الذي حققه وليس بالضرورة الاتفاق أو الاختلاف مع مضمونه.

محمد حفظي

“أهداف خبيثة”

وانتشرت تغريدات والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تهاجم الفيلم، الذي لم يعرض جماهيريا حتى الآن، وفي هذا الصدد، قالت مدربة لغة الجسد رغدة السعيد في تغريدة لها عبر حسابها الرسمي على موقع تويتر: “الناس الذين انزعجوا من انسحاب فنانين بذريعة أنه فاز بجائزة مرموقة في مهرجان كان.. ليتذكروا أن توكل كرمان والرئيس الإثيوبي قد فازا بجائزة نوبل للسلام.. هناك فرق كبير بين تصوير الواقع وبين قلب الحقائق لأغراض أخرى”، على حد قولها. 

واتهم نائب البرلمان محمود بدر الفيلم صانعوه بالـ”تعري”  وتجاهل تقارير للبنك الدولي التي تحدثت عن “تراجع نسبة الفقر في مصر”. 

وكذلك، أيد عضو البرلمان والإعلامي المصري مصطفى بكري، خروج الفنانين الثلاثة من قاعة العرض، موجها لهم الشكر والتقدير، وانتقد تمويل الفيلم الأجنبي قائلا: “التحية والتقدير للفنانين والإعلاميين الذين انسحبوا ورفضوا متابعة فيلم ريش، الذي يتعمد الإساءة لمصر ، كان يتوجب على منظمي مهرجان الجونة أن يعتذروا عن هذا الفيلم المسيء، المنتج بتمويل أجنبي بغرض الاساءة لسمعة مصر.

ا

وذكرت صحيفة “أخبار اليوم” الحكومية أن عضو البرلمان المصري، أحمد مهني، سيتقدم بطلب إحاطة ليوجه إلى رئيس الوزراء، مصطف مدبولي، ووزيرة الثقافة، إيناس عبد الدايم بشأن فيلم مسيء للبلاد ولا يقدم صورة حقيقة عنها، ويساعد على تشويه الصورة الداخلية لمصر عالميًا. 

وأكد مهني، خلال البيان الصادر له  أن “المناطق العشوائية تحولت بالفعل فى المحافظات إلى مجتمعات حضارية متكاملة بفضل الجهود الحثيثة والرؤية الثاقبة للرئيس عبد الفتاح السيسي الذى يعتمد مفهوما شاملا لحقوق الإنسان يمكن اختصاره فى مصطلح حياة كريمة”.

وطالب البرلماني، بضرورة محاسبة من يثبت تورطه في “هذا الفيلم الذي يُسيئ للدولة المصرية، من خلال عرض مشاهد تتنافي تمامًا مع الواقع”. وفقا لتعبيره. 

“محاربة الفن” 

وعلى الجانب الآخر، ساند عدد من الفنانين البارزين الفيلم ودافعوا عن حق الإبداع. وقال المخرج كريم الشناوي في منشور له على موقع فيسبوك أنه أحب العمل، لافتا إلى أنه “فيلم مختلف و خارج السائد ومطلوب يبقى عندنا تنوع ويبقى في مجال لأفلام مختلفة بتخدم جمهور متنوع وذوقه مش شبه بعض”.

وزاد: “إذا لم يكن هناك مجال لمجرد عرض فيلم مصري مختلف في مهرجان سينمائي، فإين يجب أن يعرض إذا، وإذا لم يوجد مجال لتقبل أننا كصناع سينما مختلفين في أذواقنا ومشاريعنا في مهرجان، فأين سنتقبل اختلافاتنا إذا؟”. 

وطالب بالكف عن انتقادات الأفلام من خلال تهم فضفاضة متل “تشويه مصر”، مردفا: “عندما ننتقد أفلام أو نختلف مع أفكارها فهذا أمر عادي بشرط عدم توجيه اتهامات أو تشويه سمعة القائمين عليها”.

مخرج الفيلم عمر الزهيري

وعلى نفس المنوال، يشدد المخرج  والسيناريست، محمد دياب، على تصريحات الفنان شريف منير والتي قال فيها إن الفيلم  حصل الجوائز دليل على وجود مؤامرة على الغرب يعتبر “كلام خطير جداً خاصه أنه (صدر) من فنان كبير”.

وزاد: “بحكم خبرتي كشخص كان عضو في لجنة تحكيم بمهرجان كان، وعضو في أكاديمية الأوسكار، فقولاً واحداً مفيش (لايوجد) إنسان لا بالتلميح و لا بالتصريح (يستطيع) أن يؤثر علي اختيارات لجان التحكيم”. 

وتابع: “إدارة أي مهرجان دورها ينتهي باختيار الأفلام المشاركة.. ويسأل في ذلك الفنانين الذين كانوا أعضاء لجان التحكيم في المهرجانات الثلاثة الكبرى، مثل هند صبري ونيللي كريم ومحمد حفظي”.

وفي حديثها لموقع “الحرة”، ترى الكاتبة والناقدة السينمائية، ماجدة خير الله، أن فيلم “ريش” يستحق أن تثار حوله ضجة ولكن كانت يجب أن تكون ضجة إيجابية ودعوة إلى “الاحتفاء والفخر بهذا العمل الفني العظيم الذي فيه لغة سينمائية راقية ومكونات درامية تثير الإعجاب وتشبع نهم عشاقي الفن السابع”.

وأضافت: “الذين هاجموا هذا الفيلم هم حفنة قليلة من الفنانين الذي تهافتوا على وسائل الإعلام لإثارة الجلبة والضوضاء لأهداف ومآرب خاصة بهم”.

ورفضت خير الله التبريرات التي قدمها الفنان شريف منير، موضحة: “مع احترامي لشخصه ولكنه شخص جاء إلى الفن عن طريق الصدفة.. وليس له أي قدر على نقد وتحليل مثل هذا الأعمال الإبداعية الراقية”. وأضافت: “برأيكم من رأيه أهم شريف منير أم لجنة من المخرجين والنقاد في مهرجان كبير وعريق مثل مهرجان كان؟”.

وواصلت: “هذا الفيلم حصل على العديد من الإشادات والترحيب من قبل نقاد مرموقين في العالمين العربي والغربي، وإذا كان هناك من لا يعجبه هذا العمل فإن ذلك من حقه وشأنه بشرط عدم الإسفاف والتهجم السطحي، والبعيد كل البعد عن أي معايير نقدية واضحة وبعضها من البديهيات”.

وعن حق الفنانين في مناقشة قضية العشوائيات، أجابت: “لا ينبغي أن تكون هناك ظاهرة محظور نقاشها في السينما والفن بشكل عام، ومشاكل العشوائيات والفقر ليست حكرا على مصر، ففي الكثير من البلدان توجد أحياء قصدير وعشوائيات، وبالتالي ما دام هناك إبداع ورقي في الطرح والمعالجة فلا يوجد أي عائق يمنع تناول مثل هذه المواضيع”.

وعن مخاوف تأثير التمويل الأجنبي على المواضيع التي تطرحها أفلام السينما المستقلة في مصر، ردت: “معظم الأفلام التي تشارك في المهرجان تشارك 3 أو ٤ جهات في دعمها، ومصطلح التمويل ليس دقيقا، بل يمكن القول إنه تعاون ومساهمة في دعم إنتاجات فنية راقية دون التدخل في رؤية المؤلف أو المخرج أو محاولة فرض أجندات عليها”.

وختمت بالقول: “العالم كله يتجه إلى التعاون في كافة المجال، فحتى الاقتصاد المصري قائم في كثير من جوانبه على التعاون والشراكة مع دول عربية شقيقة وجهات دولية مثل صندوق النقد الدولي، ونفس الأمر ينطبق على الفن بشكل عام والسينما خاصة، إذ أن التعاون والشراكة في هذا القطاع الإبداعي يؤدي إلى نتائج مزدهرة تنعكس إيجابا على قيم إنسانية خالدة مثل الحب والمساواة والإخاء”.

عن موقع قناة الحرة

Visited 48 times, 1 visit(s) today