مهرجان كان: الحب والجنس والشباب في فيلم جاك أوديار

Print Friendly, PDF & Email

عرض مساء الأربعاء على شاشة المسرح الكبير بمهرجان كان السينمائي 2021 فيلم “الأوليمبياد” للمخرج الفرنسي الكبير جاك أوديار الذي حاز سعفة المهرجان الذهبية عام 2015 عن فيلمه “ديبان”. يدخل بنا جاك أوديار في فيلمه الجديد في أعماق حياة الشباب الفرنسي وخاصة في مدينة باريس ودائرتها الثالثة عشرة مناقشا الحب والجنس والرغبة ووسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على حياة البشر.

بعد حصوله على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان كان السينمائي الدولى عام 2009 عن فيلمه “نبي” ثم على السعفة الذهبية في نسخة 2015 عن فيلمه “ديبان”، يعود المخرج الفرنسي الكبير جاك أوديار إلى مهرجان كان في نسخة 2021 بفيلمه الجديد “الأولمبياد” الذي يخطف أبصار المشاهدين بلقطاته المبهرة وموسيقاه المدهشة ليأخذ مقطعا أفقيا باللغة الهندسية لأحد أحياء باريس الذي تختلط فيه الأعراق، من صينيين إلى أوروبيين وأفريقيين وعرب، ويقوم بتفكيكه وتحليله في الزمان والمكان الحاليين ليظهر لنا ما خفي من حياة يعيشها شباب اليوم الفرنسيون.

الدائرة الثالثة عشر من باريس المعروفة بحداثتها وبجاليتها الصينية الكبيرة، وفيها يغوص أوديار في حياة شبابها بتفاصيلها المعقدة من جنس وعمل ورغبة وصداقة وبالعلاقات التي تربط بين الأجيال المختلفة فيها. تدور أحداث الفيلم وتتركز وتتقاطع وتتمحور حول ثلاث شخصيات رئيسة – فتاتين وشاب – الفتاة الأولى إيميلي (لوسي زانج) فرنسية من أصول تايوانية بينما الشاب كاميي (ماكيتا سامبا) فرنسي أيضا من أصول أفريقية.

يتعرفان على بعضهما أثناء بحث الشاب عن سكن مشترك، ليقعا على إعلان إيميلي التي تبحث بدورها عن رفيقة للسكن في شقة جدتها المريضة بالزهايمر وتعيش في دار المسنين. ونظرا لأن اسم الشاب قد يكون أيضا اسم فتاة تقبل إيميلي بملاقاته دون أن تدري أنه ولد. وهنا تبدأ سريعا قصتهما المبنية على الرغبة الجنسية العارمة من الطرفين وإن اختلفت دوافعهما. فالشاب كاميي مدرس لغة فرنسية لامع وذكي في المدرسة الثانوية لكنه يعاني من الإحباط في مجال عمله وتجاهل الدولة لأوضاع التعليم والمدرسين فيقرر تحضير دكتوراه في الأدب ليحصل بذلك على وظيفة مدرس في الجامعة. يعوض كاميي إحباطه المهني بالدخول في علاقات جنسية مكثفة مع جميع الفتيات اللاتي يقابلهن ولكن دون أي ارتباط فعلي أو الوقوع في شرك الحب.

الممثلة لوسي زانج والممثل ماكيتا سامبا بطلا فيلم "ليز أوليمبياد" للمخرج الفرنسي جاك أوديار والمعروض في المسابقة الرسمية بمهرجان كان السينمائي 2021
الممثلة لوسي زانج والممثل ماكيتا سامبا بطلا فيلم “ليز أوليمبياد” للمخرج الفرنسي جاك أوديار ©

إيميلي بدورها فتاة ذكية حصلت على شهادة جامعية عالية مرموقة في العلوم السياسية لكنها تعمل مسوقة لاشتراكات الهاتف في شركة هواتف محمولة. تعاني فراغا قاتلا فهي تقريبا بدون علاقات جنسية أو حتى أصدقاء، كما أنها منطوية على نفسها وتحاول أن تحسن من شكل علاقاتها مع المحيطين بها. من أول ليلة، تمارس الحب مع كاميي الذي بات أقرب الناس إليها وتقع في حبه على الرغم من أن قواعد اللعبة بينهما تمنع الحب أو الارتباط، فيتركها كاميي ويغادر السكن وإن ظلا على اتصال بين الحين والآخر.

ينسج بعدها أوديار قصة جديدة، قصة الفتاة نورا (ناعومي ميرلان) ذات الشعر الأسود وفي العقد الرابع من عمرها، تحط رحالها في باريس لاستكمال دراستها قادمة من مدينة بوردو. تحاول أن تندمج في الجامعة مع جيل يصغرها بعشرة أعوام على الأقل وتشارك في الحفلات الجامعية، ولكن لسوء حظها تذهب لحفلة مع زميلاتها وهي متنكرة في صورة فتاة شقراء، فيظن الشباب أنها إحدى نجمات الجنس (أمبر سويت) على شبكة الإنترنت فتصاب نورا بصدمة كبيرة وتترك الحفلة هاربة. وسريعا ما تنتشر فيديوهات عاملة الجنس التي تشبه نورا على هواتف جميع زملائها في الفصل الدراسي وتدور على جميع وسائل التواصل الاجتماعي. لا تطيق نورا هذا الوضع وتهجر الدراسة لتبدأ رحلة بحثها عن هذه الفتاة أمبر سويت وتتعرف عليها وتقيم معها علاقة صداقة عبر سكايب.

في هذه الأثناء تبحث عن عمل وتقرر العودة إلى وظيفتها السابقة كسمسارة عقارات، وهنا تقع على كاميي الذي توقف عن متابعة دراسة الدكتوراه ليدير وكالة عقارات. نظرا لأن نورا فتاة معقدة، يجد كاميي صعوبة كبيرة في إغوائها كما اعتاد مع الفتيات الأخريات وعندما ينجح أخيرا في الوصول إليها وغزو جسدها يجد أنها تعاني عقدا نفسية كبيرة تمنعها من الاستمتاع والوصول للذة بسبب علاقة جنسية غير سوية مع عمها.

يتقاطع طريق الأبطال الثلاثة إذن، إيميلي التي تحب كاميي وتطارده بمشاعرها ولكنها لا تتوقف عن استخدام تطبيقات المواعدة وممارسة الجنس مع من تختاره من الرجال، وكاميي الذي أخذ على عاتقه مهمة إيصال نورا للذة الجنسية، ونورا التي تحاول الهرب من ماضيها ولا تجد اللذة مع أي رجل مهما كان حجم مشاعرها تجاهه.

يمتلئ الفيلم بمشاهد الحب الجسدي والرغبة المحمومة أو المتكسرة على صخرة الانغلاق النفسي، فكأنما أراد أوديار الكشف عن العطش والجوع لممارسة جنس مؤطر بعلاقات الحب الحقيقي في حياة هذا الجيل، فالجنس للجنس لم يعد كافيا لملء الفراغ العاطفي الذي يشعر به هؤلاء الشباب الذين شاء لهم حظهم العاثر أن يولدوا في عالم لا يعترف إلا بالمادة سبيلا للسعادة.

يضع أوديار أمام أعيننا فسيفساء بالغة الجمال للحياة في عالم وسائل التواصل الاجتماعي والعلاقات الباردة والساخنة على حد سواء، وللدور الذي تلعبه هذه الوسائل في المجتمع وتأثيرها الهائل على الشباب ونظرتهم للحياة وأيضا على سمعتهم بين أقرانهم.

عن فرانس برس

Visited 59 times, 1 visit(s) today