مغامرة السينما الوثائقية لصلاح هاشم

صدر حديثا عن المركز القومي للسينما في مصر كتاب «السينما الوثائقية تجارب ودروس» للكاتب والناقد والمخرج السينمائي المصري صلاح هاشم، المقيم في باريس، وهو الإصدار الثالث له بعد «السينما العربية خارج الحدود» و«الواقعية التسجيلية في السينما العربية الروائية» للمؤلف عن المركز ذاته.


يقع الكتاب في 136 صفحة ويضم 26 فصلا، يناقش المؤلف من خلالها أبرز نماذج الفيلم الوثائقي التي شاهدها في المهرجانات السينمائية العالمية مثل، مهرجان «كان» السينمائي ومهرجان «سينما الواقع» في باريس، ومهرجان «القارات الثلاث» في مدينة نانت في فرنسا، ليكون بمثابة كشف حساب لإنجازات الفيلم الوثائقي وإضافاته إلى فن السينما خلال الثلاثين سنة الماضية. ويتضمن الكتاب حوارا طويلا مهما مع المخرج الهولندي جوريس إيفانز، الذي يعتبر أحد رواد السينما الوثائقية في العالم، أجراه معه صلاح هاشم في فترة الثمانينيات ويحكي فيه إيفانز عن فيلم «رسالة « الوثائقي، الذي يلبي في رأيه حاجة خاصة لكل مجتمع من مجتمعاتنا الإنسانية على حدة، وتكون هذه الحاجة، وثيقة الصلة بمرحلة ما من مراحل تطوره ونموه، ولذلك تختلف وظيفة الفيلم الوثائقي من مجتمع إلى آخر.


كما يشرح إيفانز الدور الذي يلعبه الخيال، أو التأليف الروائي في السينما التسجيلية، ويؤكد على أهمية الفيلم الوثائقي، في الإمساك بنبض» التيارات التاريخية الكبرى» في عصرنا، ويقول إن رسالة الفيلم الوثائقي الحقيقية، خارج إطار الأفلام التلفزيونية القاصرة التي تعرض للاستهلاك الجماهيري، هي أنه يمكننا من فهم الواقع، وهو لا يساعد الإنسان على تحمل الواقع بمشاكله وأزماته وتناقضاته وحسب، بل يعزز أيضا ويقوي من تصميم الإنسان على تغييره وجعله أكثر إنسانية.


ويتوقف صلاح هاشم وهو يحكي عن مغامرة السينما الوثائقية عبر فصول الكتاب – 28 فصلا – عند نماذج بعينها – أكثر من عشرين فيلما – مثل نموذج فيلم «موسيقانا» للمخرج والمفكر السينمائي الفرنسي جان لوك جودار، وفيلم «فهرنهايت 9/11 « للأمريكي مايكل مور، الذي حصل على سعفة مهرجان كان الذهبية، وفيلم «صيد العصاري» للمصري علي الغزولي، وفيلم «جمهورية ناصر» للأمريكية ميشيل غولدمان، وفيلم «النيل أرزاق» للمصري هاشم النحاس، وفيلم «طريق 181 « للفلسطيني ميشيل خليفي، وفيلم « نشيد الألفية» للتونسي محمد زرن، وفيلم «اغترابات» للجزائري مالك بن إسماعيل، وفيلم «يهود مصر» للمصري أمير رمسيس، وفيلم «لوميير المغامرة تبدأ من هنا» للفرنسي تيري فريمو وغيرها. ليكشف لماذا تمثل في رأيه علامات بارزة، في تاريخ وذاكرة السينما تحديدا – وليس السينما الوثائقية فقط – في العالم، ويشرح لماذا توهجت تلك الأفلام، ليس فقط بسبب القضية التي تطرحها ومضمونها، بل أيضا بسبب ما فيها من سينما بابتكارات واختراعات الفن المدهشة.


إن القيمة الكبرى للسينما الوثائقية، كما يتمثلها الناقد السينمائي صلاح هاشم في كتابه، تكمن في أنها تقف ضد الاحتلال والظلم، الكراهية والعنصرية، والفكر السلفي الرجعي الإرهابي الفاشي، حين تعبر تلك الحدود الوهمية، بين ما هو روائي وما هو تسجيلي، ولا تهتم إلا بما هو سينما فقط، وتحافظ هكذا على تاريخنا وهويتنا وذاكرتنا، وهي تفتح عيوننا أيضا بتجاربها ودروسها على جمال العالم.

Visited 23 times, 1 visit(s) today