عن مقتل بازوليني: ذلك الموت المعلن

بازوليني بازوليني
Print Friendly, PDF & Email

في 2 نوفمبر 1975، لقي المخرج الإيطالي الكبير بيير باولو بازوليني مصرعه بطريقة وحشية، في ضواحي روما أي بعد أشهر معدودة من عرض فيلمه الشهير “سالو” أو “120 عاما من حياة سادوم”, وكان موته صدمة شديدة في الأوساط الثقافية الإيطالية والعالمية، فبازوليني لم يكن فقط مخرجا سينمائيا مرموقا بل وشاعر وكاتب ومفكر وفيلسوف صاحب مواقف وكتابات كثيرة، عصرية مناهضة للمؤسسة الفاسدة وثائر عظيم ضد الجمود الفكري.

وجريمة قتل بازوليني كانت محوار لعدد من الأفلام التسجيلية والروائية التي ناقشت وطرحت الافتراضات المختلفة حول هذه “الجريمة الايطالية”، التي قيل إن المافيا اشتركت فيها مع المؤسسة الدينية (الفاتيكان) والمؤسسة السياسية الرجعية الحاكمة، واليمين المتطرف عموما، بسبب هجوم بازوليني المستمر على كل هذه الأطراف. إلا أن القو الفصل بشأن من الذي وقف وراء الجريمة، لايزال موضوعا للبحث حتى يومنا هذا.

هنا ما كتبه اثنان من كبار الكتاب الايطاليين عقب موت بازوليني مباشرة.

كيف تنبأ بموته

هذا ما كتبه الصحفي والروائي الشهير ألبرت مورافيا:

ألبرنو مورافيا

لم يتنبأ بيير باولو بازوليني بموته الفعلي، لكنه تنبأ بالطريقة العنيفة والفظيعة التي مات بها. لقد تحدث عنها، وايضا كتب أن الرحمة ماتت. لقد استخدم كلمة الرحمة بمعنى العلاقة الدينية مع الواقع، المعنى المضاد لانعدام التقوى، فقد رأي كيف أصبح غياب التقوى نوعا من اللذة الجماعية. وكما قلت، فقد تنبأ بالسلوك، وأود أن أضيف أنه تنبأ ايضا بالمكان. لقد ذهبت الى المكان الذي قتل فيه، وبدا لي أنني شاهدته من قبل، لقد وصفه بازوليني في روايتين له هما «قسوة الحياة» و«حياة عنيفة» وكذلك في فيلمه الأول «أكاتون”.

لقد أعاد بازوليني تجسيد حدود العنف الجماعي، رغم أنه كان ضبابيا غير واضح، بما في ذلك طرق معينة في الحديث، والملبس، لكنه لم يكن لديه أبدا رؤية محددة له. لقد كان محقا، تماما كما أن المرء محق وهو يتابع ملامح شكل ما في الظلام. لكن هذا النوع من العنف لم يكن شيئا قد عرفه أو عانى منه. في قصيدة شهيرة يتحدث رامبو عن الاحساس بالفجر من خلال مائة علامة فضلا عن رؤيته كاملا «في جسده الهائل» الى النهاية. لقد رأى بازوليني العنف تماما كما رأى رامبو الفجر. لقد لمح «جسده الهائل ولكن في اللحظة الأخيرة. يقول رامبو إنه بعد أن اكتشف الفجر مباشرة، سقط في نوم عميق، وعندما استيقظ وجد أنه في منتصف النهار. لقد رأى بازوليني العنف الجماعي مكتملا مرة واحدة فقط. لمحة واحدة مرعبة، ثم كانت الظلمة الحالكة، دون استيقاظ.

(ألبرتو موافيا، كوريير ديلا سيرا، 4 نوفمير 1975).

أخلاقية جديدة

هذا ما كتبه ايتالو كالفينو وهو صحفي وروائي وكاتب قصص قصيرة (1923- 1985):

ايتالو كالفينو

لن تتاح لي الفرصة الآن أبدا للاجابة على ذلك الخطاب. ففي عدد 30 أكتوبر 1975 من جريدة «الموندو» نشر بازوليني خطابا مفتوحا الي عن موضوع العنف الذي يجتاح العالم اليوم. وفيه وجه نقده لي بسبب ما نشرته في صحيفة «كوريير ديلا سيرا» حول الذي نعيشه دون أن أقدم لها تفسيرا، بل وفضلا عن ذلك، لم أقدم التفسير المفضل اليه والذي يتلخص في «الاستهلاكية» التي تدمر كل القيم القديمة وتحل مكانها عالما شديد القسوة لا مبادئ فيه.

 كانت ميزة بازوليني الكبرى ككاتب، أنه كان دائما يسعى الى أن يكون فضائحيا وأخلاقيا، أنه رسخ اشكالية نمط جديد من الأخلاقية التي تضم تلك الجوانب في التجربة الانسانية التي اعتُبرت طويلا غامضة، والتي كانت الأيديولوجيا والأخلاقية دائما تميلان الى تجاهلها. انها ليست مهمة سهلة. وكل الطروحات التي قدمت في هذا المجال حتى الآن تبدو متعجلة، بما في ذلك ما تبناه بازوليني وما رفضه.

المؤكد أن على أكثر من جيل أن يعمل فكره من أجل التوصل الى أخلاقية تصلح للجميع، بما في ذلك أولئك المستبعدين حاليا. وأن أننا سنتوصل إليها في الوقت المناسب، وهذه الطريقة ستكون الأكثر بلاغة في تقديرنا لأعمال بازوليني واعتبارنا موته شاهدا على العنف في عالمنا.

(ايتالو كالفينو، كوريير ديلا سيرا، 4 نوفمبر 1975)

Visited 72 times, 1 visit(s) today