صورة الجماعات الاسلامية في السينما المصرية: تحريض أم نبؤة؟

“فلتسقط الحكومة ولتسقط الصحافة، ولتسقط الشرط ورجال الشرطة والجهاد!”.. هذا ما يقوله عادل امام في فيلم الارهابي (1994) لكاتبه لينين الرملي مجسدا دور عضو في جماعة إسلامية متطرفة يشرب من الخمور ما يجعله يبوح بمعتقداته الفعلية حسب رؤية الكاتب.

توضح لنا الايام الحالية بعد الحراك الشعبي التاريخي في مصر 30 يونيو مدى رسوخ أفكار كهذه لدى قيادات الجماعات الاسلامية وجماعة الإخوان المسلمين تحديدا، والتي كرست من مدخولاتها ونشاطاتها وعقيدتها لتعزيز وبناء درعها المسلح هو في أساسه ذراع مسلح قامت الجماعة بتغذيته بعد عقود من الاعتقالات والتهميش بالتوزاي مع صعود الحركات الاصولية في العالم من خلال أموال لا يعرف مصدرها تحديدا وتبقى رهن التكهنات. وبالتزامن مع الثورات العربية والتغييرات التي تشهدها المنطقة العربية، يكثر الحديث عن خيوط مؤامرت تحاك مع قوى إقليمية وعالمية .

نرصد سينمائيا صورة الجماعات الاسلامية ، فنلحظ  تصاعد إبراز دورهم السلبي في المجتمع المصري منذ التسعينيات.. هذا العقد الذي نفذت خلاله الجماعات الاسلامية العديد من التفجيرات الإرهابية وأودت بحياة الكثير من السياح والمصريين، أشهرها مذبحة الأقصرعام 1997، والاقدام على اغتيال شخصيات مفكره كفرج فوده ومحاولة اغتيال الأديب نجيب محفوظ.

أفرزت السينما تصورا لأعضاء الجماعات الاسلامية يجول  على الأغلب ما  بين نموذجين: نموذج اللا أنسنة والشيطنة من جانب، ونموذج الابن الضال أو الضحية الناقمة التي لا تعود الى رشدها، من جانب آخر.

وفق النموذج الأول تظهر الهرمية المبنوية للجماعة وطاعة من هو في أسفل الهرم لمن فوقه دون معارضة الأوامر العليا للشخصيات القيادية، يلعب التشخيص الكاريكاتوري دورا في اللا أنسنة عبر الزي السلفي، واللحى المطلقة، وتعابير الوجه المتجهمة، والتحدث بالعربية الفصحى، كجزء من قناع يلبسه أعضاء الجماعة ، سرعان ما يخلعوه و يتحدثون بالعامية في المواقف الحرجة خارجين عن قواعد “اللعبة”.

أظهرت السينما في أكثر من موقف تعمد الجماعات الاسلامية الإضرار بمنشآت الدولة والشرطة (“عمارة يعقوبيان” 2006)، وفي نفس الشريط السينمائي يكشف الستار عن  معسكر للجماعة في منطقة صحراوية نائية، يتدرب فيه الاعضاء على القتال. يتجلى ملمح آخر كذلك، في التخريب المجتمعي الذي مورس، عبر تكسير أجهزة الراديو في المقاهي، وحرق حانات شرائط السينما، وبقالات بيع الخمور (“الارهابي” 1994،”دم الغزال” 2005),بالاضافة الى ذلك وصف اعضاء الجماعات الاسلامية في أكثر من موقف بـ”ثقل الدم” (“طيور الظلام” 1996) صفة قد تغضب أي مصري لما يميز شخصية المصري من خفة ظل وروح نكتة، وفي مفارقة شديدة، تقول الهام شاهين- التي أصبحت الآن على قوائم اغتيالات بعض الجماعات الاسلامية في مصر- لمن يجسد دور خطيبها العضو في جماعة اسلامية في فيلم “يا دنيا يا غرامي”(1995): “انت مكشر كد ليه؟ انت زمان كان دمك خفيف”!

الإبن الضال

ووفق النموذج الثاني،عادة ما نقف أمام ابن ضال، يأتي انضمامه للجماعة الاسلامية  مبررا بأسباب كالبطالة، وقلة فرص العمل، وخيبة الأمل من المجتمع بما في ذلك نقد لنظام مبارك (“عمارة يعقوبيان”،”يا دنيا يا غرامي” يخرج عن الإجماع العائلي وعادة ما يكون ضحية ظروف اجتماعية تفقده صوابه ولا يعود بسببها الى رشده، ويؤول به الحال الى الخروج عن طوع العائلة في رمزية الى العائلة المصرية الكبيرة، وفي هذا المضمار، يتكرر موتيف عدم رضا الام وطردها لابنها، ففي فيلم الآخر (1998) ليوسف شاهين تقول الأم بهية (لبلبة)،  بما يحمل اسمها من مجاز لمصر البهية،عن ابنها الارهابي :”فتفوتة الحنية اللي بقيت في قلبي راحت لما رفع ايده علي” بما للمعنى من إقصاء وإبعاد، وكذلك يتكررموتيف آخر، وهو قتل إحدى افراد العائلة على يد الابن المتطرف أو بسبب معاونيه.ففي فيلم يا دنيا يا غرامي على مدرج المسجد، يفسد الإسلاميون “الفرح” و يطعن الأخ أخته بعد حفل زفاف جمع بين ضيوفه المسلمين والمسيحيين، وفي فيلم  “الاخر”، في كمين معد للارهابيين، يُقتل كل من ادم وحنان بما يحملاه من رمزية تتعدى المعاني الومانسية، لجيل شباب مصري، مثقف، واع، يسعى لاصلاح المجتمع.

يرى البعض أن هذه الرؤى والطروحات كفلت تعايشا مريحا ما بين نظام مبارك ونخبة المثقفين، فالاسلاميون يشكلون خطرا على كليهما، كل من منظوره: فالنظام لا يرغب بحوز الاسلاميين على السلطة، والمثقفون “الليبراليون” يرون بالحركات الاسلامية التكفيرية خطرا على الابداع والفنون ويستوجب عليهم إدانتهم.

ويُسأل السؤال، إن كان يدفع بصناع السينما من قبل النظام الى طرح قضية الجماعات بهذه الصورة؟ أم أن ما تم هو عملية ابداعية تعبرعن قناعات اصحابها دون اجندة موجهة؟ وإن كان هؤلاء الصناع يحظون بحرية في طروحاتهم،هل ما قدموه كان محاولات  “تنفيس”- وإن انتقدت السلطة السياسية- من جهة، وإرهاب للمشاهد، من جهة أخرى، يتم تحريضه من خلالها على الجماعات الاسلامية جميعا، دون تفرقة والقبول بالنظام لأنه يكفل محاربة هذه الفزاعة؟

قد تختلف الاجابة باختلاف صاحب العمل، فما ينطبق على الكاتب والسيناريت وحيد حامد قد لا ينطبق على يوسف شاهين، لكن من الظاهر للعيان ان النصف الثاني من العقد الأخير لنظام مبارك، أنتج تجارب سينمائية تقلل من صدقية نظرية التحريض وتوجيه السينمائيين، على الأقل في عقد الألفينيات، والذي شهد أيضا تفجيرات في العديد من المنتجعات في سيناء نفذتها جماعات إسلامية أصولية ، وسمحت رقابة النظام بتجارب سينمائية جريئة، ظنا منها أن هذه الأعمال ستكون صمام أمان للسلطة. كان لهذه التجارب من التعبئة ضد الوضع القائم آنذاك، ما أجج جيل الشباب- ولو بشكل تراكمي وغير مباشر- بالتزامن مع نشوء حركات المعارضة ومن أهمها حركة “كفاية”، لتهيئة وتشكيل وعي شعبي ناقم على النظام,من أهم هذه الأعمال: “عمارة يعقوبيان” (2004)، “حين ميسرة”(2007) و”هي فوضى”(2007).

يبقى ملفتا ما تصوره، بل تنبأ به وحيد حامد في فيلم “طيور الظلام” يتنافس فيه كل من فتحي نوفل (عادل إمام)  من الحزب الوطني الحاكم وعلي الزيناتي (رياض الخولي) العضو في جماعة الاخوان المسلمين على السلطة، وفي مشهد النهاية البديع، ينتهي الأمر بالاثنين في باحة السجن، يتسابقان  لضرب كرة قدم وتسديد هدف، في اشارة الى النزاع على السلطة,تتهشم  على اثره الشاشه أمام المشاهد، مشهد يحاكي واقع السجينين، وان اختلفت ظروف وتعريف سجنهم: مبارك ومرسي.

  الى أين ستتجه مصر بعد 30 يونيو؟هل ستشهد السينما تجنيدا مطلقا ضد الجماعات الإسلامية، كما شهدت ساحة الإعلام الليبرالي على أنواعه المختلفة؟ لا تلوح في الأفق حتى الآن  إمكانيات مصالحة وتوافق بين جماعة الإخوان المسلمين وبين بقية المصريين، إذ لا ترى الجماعة نزول الحشود بهذا الشكل غير المسبوق تاريخيا، سببا كافيا لتنازلها عن السلطة، وترى قيادة الجيش المصري ممتنعة عن احتوائها ومغتصبة لشرعيتها الانتخابية.

لا يسعنا الا أن نأمل في ظهور بوادر الوفاق والمصالحة بين جميع أطياف المجتمع المصري، وبرومانسية شديدة، مثلماعودتنا الافلام المصرية، ان نرى جميع المصريين مجتمعين كما فتحي نوفل وعلي الزيناني – على اختلافهم- ينشدون بحميمية:” يا واش يا واش”! 

* ناقد من فلسطين

Visited 104 times, 1 visit(s) today