ديفيد وارك جريفيث: رائد السينما الأمريكية


ديفيد وورك جريفيث هو مؤسس السينما الأمريكية بلا منازع وأحد أهم السينمائيين في تاريخ السينما. وهو من مواليد 22 يناير 1875 وتوفي في 21 يوليو 1948 أي أنه عاش 73 سنة.

* مخرج ومنتج وممثل وكاتب سيناريو ومؤلف موسيقي ومونتير، كما عمل مساعدا للإخراج ومصمما للملابس ومديرا للإنتاج.
* أخرج 550 فيلما وكتب السيناريو لـ 228 فيلما، كما أنتج 53 فيلما ومثل في 45 فيلما، وكتب الموسيقى لأربعة أفلام من بينها “مولد أمة” و”التعصب”.
* قام بعمل المونتاج لفيلمي “مولد أمة” و”التعصب”، وصمم ملابس فيلم “التعصب”.
والد جريفيث كان فلاحا شارك كمقاتل في الحرب الأهلية الأمريكية وكان أيضا من مغامري “الويسترن”، ولاشك أن صورة والده أثرت على تكوينه الدرامي، كما أثرت أمه الكاثوليكية الإيفنجلية على قيمه ومفاهيمه الأخلاقية المتزمتة. وأثرت شقيقته، وكانت معلمة، على توجهه ودفعته للاهتمام بالأدب.
* توفي والده عندما كان في الرابعة من عمره، واضطر فيما بعد وهو صبي صغير للعمل بائعا للصحف لكي يساعد أسرته الفقيرة. واضطر لقطع دراسته بالمدرسة الثانوية لكي يعمل عامل مصعد، ثم ترك هذا العمل والتحق بالعمل في مكتبة لبيع الكتب. وبدأ اهتمامه المبكر بالمسرح.

وفي عام 1895 عمل كممثل مسرحي وظل في هذا العمل لمدة 12 عاما. وعمل مع فرقة مسرحية متجولة كانت تطوف بلدانا عديدة في الولايات المتحدة. وكان أيضا قد بدأ في كتابة المسرحيات. وبعد زواجه من ممثلة شابة وبدافع من احتياجه للمال قبل وظيفة في صناعة السينما، أولا كممثل لحساب شركة إديسون في نيويورك، ثم انتقل لشركة بيوجراف في نيويورك ايضا حيث كان يكتب القصص السينمائية ويقوم بالتمثيل في الأفلام قبل أن ينتقل للإخراج ليقدم أول أفلامه “مغامرات دوللي” عام 1908
في عصر جريفيث كان زمن عرض الفيلم قد قفز إلى نصف ساعة – ساعة، بعد أن كان لا يزيد عن عشر دقائق ويروي مجموعة من القصص والحكايات. وكانت برامج عروض الأفلام تشمل عرض أفلام قصيرة، الفيلم الواحد منها يتكون من بكر واحدة مع بعض الأغاني الملونة يدويا يتم عرضها بين الأفلام.
* في عام 1910 كانت أسواق السينما الأمريكية أو دور العرض السينمائي تعرض 10 آلاف فيلم تجذب نحو 26 مليون مشاهد أسبوعيا. وقد بلغت حصيلة شباك التذاكر في ذلك العام فقط 91 مليون دولار. وهو رقم فلكي بمقاييس تلك الأيام.

* لم تكن دور العرض تستطيع بعد أن تجذب الطبقة الوسطى والطبقة الثرية لأنها كانت مجرد صالات رقص من النوع الشعبي تمتلئ بالمقاعد الرديئة وتقدم مشروبات رخيصة، أو كانت لاتزال عبارة عن مخازن تحولت إلى قاعات للعرض السينمائي، وكانت تنصب على أحد جدرانها قطعة قماش بيضاء (هي ما عرف بالشاشة). وكانت تجذب جمهور العمال والعاطلين الذين يتكدسون داخلها، وتفوح في أرجائها روائح العرق والملابس القذرة والشراب. وكان أصحاب دور العرض يلجأون إلى نثر العطور القوية بين العروض لمقاومة الروائح الكريهة.
* في عام 1913 لم يكن مسموحا بوجود قاعة عرض سينمائية على مسافة 200 قدم من أي كنيسة. وهو ما يشير إلى أن النظرة العامة في المجتمع إلى السينما لم تكن آنذاك نظرة احترام بل توجس وريبة إن لم يكن إزدراء.
* عندما أخرج جريفيث فيلمه الأول “مغامرات دوللي” عام 1908 كانت التقاليد السائدة في الإخراج تقضي بعدم استخدام وسيلة “القطع” إلا للانتقال من مشهد إلى مشهد آخر. وكان لابد أن يظهر الممثلون في صورة كاملة (أي تظهر أجسادهم كاملة في المشهد).
* كان جريفيث متأثرا بالأدب وخاصة بأعمال تشارلز ديكنز: الأشرار والأبطال، تداخل مصائر الشخصيات، التوازي في الأحداث والتداخل فيما بينها، وأراد أن يحاكي هذا الأسلوب سينمائيا. وكان جريفيث يخرج فيلمين أسبوعيا، ولم يكن قد تعلم تعليما عاليا، ولم يكن لديه وقت للتجريب لكنه استطاع أن يحقق نجاحا كبيرا في أفلامه.
* كان من أوائل من استخدموا عشرات المشاهد (حوالي 47 مشهدا) في فيلم واحد (من نصف ساعة) بدلا من 11 مشهدا كما كان معتادا. وكان من أوائل الذين قاموا بتحريك الكاميرا.
* يعتقد أن جريفيث أول من استخدم لقطات “الكلوز أب” أو ما يعرف باللقطة القريبة: لخطاب، أو يد تقبض على مسدس أو تفتح درجا، أو ساعة، أو وجها ما. وقد قام أيضا باستخدام مصادر الضوء الطبيعية بدلا من الإضاءة المسطحة للصورة كلها. وكان من مصادر الضوء التي اعتمد عليها المدفأة والنوافذ، كما استخدم ديكورات طبيعية أو أكثر واقعية أو صورا من الطبيعة كخلفية للمشهد.
* استخدم ممثلين اكتشفهم خصيصا للسينما بدلا من ممثلي المسرح الكبار الذين كانوا يظهرون في معظم الأفلام، ومن الممثلات اللاتي اكتشفهن ماري بيكفورد وليليان جيش.

* استخدم ما يعرف بالمونتاج المتوازي أي الانتقال بين حدثين يقعان في مكانين مختلفين في وقت واحد.
* أقنع شركة بيوجراف بالسماح له بصنع أفلام أطول مما كان معتادا وصور فيلم “جوديث من بيتوليا” (1914) في أربعة فصول بدلا من فصلين ثم استقال من شركة بيوجراف والتحق بالعمل بشركة أخرى أخرج لها سلسلة من الأفلام (القصيرة) قبل أن يعكف على الإعداد لتصوير فيلمه الشهير “مولد أمة” Birth of A Nation

مولد أمة
* فيلم “مولد أمة” مأخوذ عن رواية شعبية بعنوان “رجل القبيلة” أو The Clansman صدرت عام 1905 من تأليف توماس ديكسون. ويدور الفيلم حول أسرتين: أسرة ستونمان من الشمال، وكاميرون من الجنوب. الإبن الأكبر لأسرة كاميرون الجنوبية ينضم لعصبة الكوكلوكس كلان المعادية لتحرير السود، والتي تقوم بتصفيتهم من شوارع مدن الجنوب تحت رايات عنصرية ودينية. ويصور الفيلم كيف تتمكن العصابة العنصرية من تخليص فتاة بيضاء اختطفها زنوج بطريقة مثيرة تضفي البطولة على الأمريكي الأبيض. وهذا الموضوع يجب فهمه في ضوء التاريخ الأمريكي وظروف نشأة العصبة الشهيرة نفسها. وكان الفكر العنصري فكر رسمي معترف به في كتابات المفكرين بل وتبنته التشريعات التي صدرت عن الكونجرس إلى أن تم ابطالها فيما بعد.

* ظل هذا الفيلم يمثل مأزقا محرجا أمام النقاد: فهل يمكن لفيلم واضح في عنصريته أن يعتبر عملا فنيا رفيعا بفضل الأسلوب واللغة السينمائية المتطورة التي استخدمها جريفيث؟ المؤكد أن جريفيث تناول الرواية من وجهة نظره كرجل جنوبي يؤمن بأنه يتعين على زنوج أمريكا الالتزام بخط “العم توم” الشهير أي الإخلاص للسيد الأمريكي الأبيض والبقاء في خدمته، أما الزنجي السيء فهو الذي يتمرد على سادته.


* رغم ما فيه من نظرة عنصرية واضحة الفيلم الذي يعد أول فيلم روائي طويل في السينما الأمريكية (3 ساعات) يعتبر تحفة حقيقية غير مسبوقة بمشاهد المعارك خلال الحرب الأهلية الأمريكية التي تقترب من مشاهد الجرائد السينمائية بواقعيتها وتصويرها للتفاصيل، وكذلك بالطابع الميلودرامي للأحداث التي تنتهي بالنهاية السعيدة التي تجعل الذروة تنفك في أول حدث من نوعه في الفيلم الأمريكي بعد أن يصل المتفرج إلى ذروة التوتر.
* تكلف الفيلم 90 ألف دولار وحقق 5 ملايين دولار، وهو ما أثبت للمرة الأولى أن بوسع السينما الأمريكية أن تصبح استثمارا ماليا كبيرا.


* تتوفر حاليا نسخة من الفيلم على اسطوانات دي في دي في 180 دقيقة يروج لها موزعوها باعتبارها النسخة الأصلية بدون أي اختصارات.

التعصب
جاء الفيلم التالي الكبير لجريفيث وهو فيلم “التعصب” (1915) Intolerance ردا على النقاد الذين اتهموه بالعنصرية، وفيه يروي 4 قصص تلخص قصة البشرية، القصة الأولى البابلية (539 قبل الميلاد) قبل سقوط بابل تروي كيف ينتصر التعصب الديني على التسامح المتمثل في الأمير بالتشار البابلي، وكيف يهزم على أيدي سيروس الفارسي وتسقط مملكته. أما القصة اليهودية (عام 27 بعد ميلاد المسيح) فتصور كيف يؤدي التعصب إلى صلب المسيح على أيدي اليهود. ولكن تحت ضغوط من منظمة بناي بريث اليهودية اضطر جريفيث إلى تغيير القتلة وجعلهم من العسكر الرومان (هذا الجانب موثق في كتابي “سينما الهلاك: اتجاهات وأشكال السينما الصهيونية”.

وفي القصة الفرنسية من القرن السادس عشر (عصر النهضة) تحديدا عام 1572 يروي كيف ساهم التعصب الديني في القضاء على البروتستانت الفرنسيين في مذبحة عيد القديس بارثلميو، ومقتل العاشقين بطلي الرواية. وفي القصة الحديثة يصور كيف ينتصر الحب ويمكن بفضله انقاذ حياة رجل ظلم وحكم عليه بالإعدام (وهي النهاية السعيدة الوحيدة في الفيلم التي تمنح الناس الأمل).


* المشكلة أن هذا الفيلم الذي قدرت تكاليفه من 386 الف دولار إلى 2 مليون دولار (ميزانية فلكية بمقاييس العصر) فشل في السوق لأنه كان ينادي بالسلام في وقت تصاعدت فيه دقات الطبول للدخول في الحرب العالمية الأولى إلى جانب الحلفاء في أوروبا.


· لم يؤخذ في حساب التكاليف ما أنفق على الدعاية وفرقة الأوركسترا الكاملة التي صاحبت عروض الفيلم (عزف موسيقي حي مباشر في القاعات) خاصة وأن جريفيث استعان أيضا بنحو 3 آلاف ممثل ثانوي (كومبارس) وشيد ديكورات غير مسبوقة تعد أضخم من أي ديكورات مشابهة في تاريخ السينما.
* يرى أحد المؤرخين أن الفيلم إذا أنتج اليوم فقد تصل تكاليفه إلى أكثر من 500 مليون دولار.


* النسخة الأصلية بعد المونتاج بلغت 8 ساعات اضطر جريفيث أمام الضغوط التسويقية لاختصارها إلى 3 ساعات ونصف الساعة هي التي عرضت في دور العرض السينمائي في زمنها.

* تمكن متحف الفن الحديث في نيويورك من استعادة تلك النسخة في زمن عرض مقارب للزمن الأصلي، لكن حظر عرض هذه النسخة تماما وظلت قابعة داخل الأرشيف حتى يومنا هذا.


*أكثر النسخ قربا من النسخة القديمة تبلغ ساعتين و50 دقيقة، لكن هناك نسخة متوفرة على شرائط الفيديو تبلغ ساعتين و3 دقائق فقط.


* تمكن الباحث البريطاني الكبير الراحل كيفن برونلاو عام 1989 من إنتاج نسخة بمصاحبة أوركسترا كاملة للمؤلف الموسيقي كارل ديفيز إلا أنها اختفت من الأسواق حاليا.


* النسخة الشائعة المتوفرة حاليا على شرائط تعرض بمصاحبة موسيقى بيانو وأورج لكنها تظلم الفيلم كثيرا.


* في بعض النسخ يختفي الطفل الصغير تماما ولا نعرف مصيره، وفي نسخة أخرى يموت الطفل، وفي نسخة برونلاو يعود إلى أمه.


* تظهر الممثلة الأسطورية ليليان جيش في لقطة متكررة تربط بين القصص الأربع في الفيلم وتمهد للانتقال فيما بينها، في صورة امرأة تهز طفلا يرقد في مهده دلالة على استمرار الإنسانية.


* ظهرت في الولايات المتحدة أخيرا نسخة على اسطوانات دي في دي في 178 دقيقة تصاحبها موسيقى إلا أن كاتب هذه السطور لم يشاهدها ولا يمكنه بالتالي معرفة مدى دقتها أو نوع الموسيقى المصاحبة لها. 

Visited 125 times, 1 visit(s) today