المخرج العراقي قاسم حول: “السينما العربية” تعبير مجازي!

قاسم حول (71سنة) كاتب ومخرج وممثل مسرحي وسينمائي عراقي مقيم بالخارج (هولندا حاليا) . بعد تخرجه من معهد الفنون الجميلة سنة 1964 أسس شركة أفلام وأنتج باكورة أفلامه السينمائية “الحارس”، وهو فيلم من إخراج خليل شوقي كتب قاسم حول قصته وشخص أحد أدواره الرئيسية، الذي حصل سنة 1966 على التانيتالفضي من مهرجان أيام قرطاج السينمائية بتونس.

 بعد ذلك أصدرت شركته مجلة سينمائية بعنوان “السينما اليوم” اضطلع برئاسة تحريرها. لكن سرعان ما أوقفت السلطة الحاكمة آنذاك هذه الشركة ومجلتها السينمائية، فأسس قاسم حول شركة أخرى، إلا أنها لم تتمكن من ممارسة أنشطتها، فلم يكن أمام صاحبها إلا خيار مغادرة بلاده للإستقرار في لبنان.

وفي سنة 1975 عاد قاسم إلى العراق وأخرج فيلمين طويلين الأول وثائقي بعنوان “الأهوار” والثاني روائي بعنوان “بيوت في ذلك الزقاق”.

بعد رجوعه إلى لبنان انتخب رئيسا لرابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديموقراطيين العراقيين وأصبح عضوا في السكرتارية العامة للرابطة في العالم.

 يعتبر قاسم حول أحد مؤسسي تيار السينما العربية البديلة سنة 1970 بدمشق وأحد مؤسسي اتحاد السينمائيين التسجيليين العرب وأحد مؤسسي الحركة السينمائية الفلسطينية بلبنان في السبعينيات من القرن الماضي.

أخرج للسينما أكثر من عشرين فيلما وثائقيا وروائيا آخرها “المغني” سنة 2010 ، الذي كتبه وصوره كاملا بمدينة البصرة بدعم من قناة ” أرتيه” الفرنسية/الألمانية ، كما صدرت له كتب عن السينما والتلفزيون وروايات ومجموعات قصصية ومسرحيات وغيرها.

الحوار التالي مع قاسم حول للتعرف على ملامح تجربته السينمائية:

* هي انطباعاتكم الأولية بعد حصول فيلمكم “المغني” على جائزة أحسن ممثل، التي نالها الفنان مجيد عبد الواحد الذي شخص دور العقيد سيف والحاضر معكم بالرباط؟ وبعد تنويه لجنة تحكيم مهرجان الرباط برئاسة المخرج التونسي رضا الباهي بالمجهودات الفنية والتقنية المبدولة فيه؟

** الفيلم في تقديري يستحق أكثر من ذلك، وهذا ما كان واضحا من خلال تجاوب الجمهور معه والحديث عنه بإسهاب في أروقة المهرجان. كنت أتوقع جائزة أفضل. أعتقد أن جائزتي الحقيقية هي حب الجمهور لهذا الفيلم وما أثاره من نقاش جاد ومثمر بعد عرضه بقاعة النهضة وخارجها.

* لماذا اخترتم عنوان “المغني” لفيلمكم الذي يصور تجاوزات حاكم عربي ديكتاتوري؟ وهل وراء اختيار موضوع الفيلم دوافع ذاتية؟

** هناك فرق بين الموقف الذي له هدف عام وبين الموقف الذي يعكس تصفية حسابات شخصية، والثقافة لا تتحمل تصفية حساباتك الشخصية مع نظام سياسي أو مع شخص معين، لأنه في المجال الثقافي ينبغي أن تكشف الواقع الموضوعي، ولا توجد دوافع ذاتية.

المخرج يحس بواقعة معينة ويحاول أن يكتب عنها إذا بدى له أنها تشكل موضوعا مثيرا للعمل السينمائي دون السقوط في الرتابة والملل. لماذا عنوان “المغني”؟ لأن الواقعة حقيقية حصلت لمغني مع إبن ديكتاتور عربي، تأخر المغني عن حفل عيد ميلاد الديكتاتور ولمعاقبته طلب منه أن يغني ووجهه إلى الحائط.

عن الفيلم والديكتاتورية

الفكرة مثيرة لأن الديكتاتور شخص أرعن، ليس له إحساس بالفرد وبالحياة وبالحب وبالجمال. وفي مثل هذه الواقعة المثيرة للضحك المر مع المغني قد تقود الرعونة أيضا إلى اتخاد قرار حرب تدمر البلد. وهكذا قررت أن أخرج فيلم “المغني” لكي  أثير الإنتباه إلى هذه الحالة المرضية في التاريخ العربي والإنساني,

* في فيلم “المغني” يطغى عنصر الحوار، وفي جانب منه تحضر المباشرة. وأنتم تعرفون أن المباشرة تقتل الإبداع. ما تعليقكم؟

** أولا عدد الكلمات والجمل في الفيلم هي أقل من أي فيلم في تاريخ السينما العربية، فلا تتجاوز الصفحتين  وهي عندي مطبوعة ومترجمة. الحوار قليل في الفيلم، أما إذا كان المقصود بالمباشرة هو خطاب الديكتاتور، فهذا الأمر هو الوحيد الذي يعتقد أنه مباشر. فعندما يكون عندك مشهد والزعيم يريد أن يخطب أو يقول كلمة لابد أن يسمح له بتمرير فكرته .

* بماذا يتميز فيلم “المغني” عن أفلامكم السابقة ؟

** بصراحة أعتبر “المغني” خطوة متقدمة في مسيرتي السينمائية. كان بالإمكان أن يكون أفضل. لو لم يعجبني الفيلم لما وضعت عليه إسمي.أشعر باعتزاز  كوني استطعت إنجازه في ظروف قاسية جدا. لقد ترك هذا الفيلم، في تقديري الشخصي، تأثيرا كبيرا جدا على الجمهور المغربي الذي أعجب به وشارك في مناقشته بشكل عميق ومفيد ومستفيض مباشرة بعد عرضه بالرباط. أنا فخور به.

* هل غياب الحرية هو الذي عطل اشتغال قاسم حول بالسينما داخل العراق؟ ألم يكن بالإمكان إنجاز أفلام في ظل النظام الديكتاتوري ، خصوصا وأنه سبق لكم أن أنجزتم أفلاما روائية وتسجيلية؟

لقطة من فيلم “بيوت في ذلك الزقاق”

غياب الحرية

* نعم غياب حرية التعبير والإبداع هو الذي دفعني إلى ترك العراق منذ سنة 1970. وعندما عدت إلى بلدي سنة 1975 بدعوة من السلطة الحاكمة لتأسيس اتحاد السينمائيين التسجيليين العرب في مؤتمر، حضرت المؤتمروبعد ذلك طلب مني أن أخرج فيلما وثائقيا فأخرجت فيلم “الأهوار”، الذي حصلت لي أثناء تصويره مشاكل عدة، لكنني تجاوزتها. ثم طلب مني إنجاز فيلم روائي في ظل النظام الديكتاتوري فأخرجت فيلم “بيوت في ذلك الزقاق”، لكن بعد الإنتهاء طلب مني إلغاء مشهد من الفيلم وتصوير آخر بدلا له فرفضت، وكاد هذا الرفض أن يتسبب في موتي، وبطريقة دراماتيكية نجحت في مغادرة العراق ووصلت إلى ليبيا ثم ذهبت إلى إيطاليا ومنها عدت إلى بيروت. فنادوا على المخرج محمد شكري جميل وأنجز لهم المشهد البديل للمشهد الذي لم ترض عنه السلطة الحاكمة وأدخلوه في الفيلم بدل مشهدي. هذا عمل مضحك يشكل نموذجا من سلوكات الديكتاتورية التي لا تتحمل حتى مشهدا سينمائيا. لقد ارتعبوا من اللقطات التي صورتها أنا.

*ما هو واقع الإنتاج السينمائي في عراق ما بعد نظام صدام حسين؟

** لا يشكل إنتاج الأفلام في العراق حاليا ظاهرة يمكن أن نطلق عليها إسم سينما عراقية، وذلك لأن السينما لا تتمثل فقط في إنتاج الأفلام بل أيضا في بناء القاعدة المادية للإنتاج السينمائي وبناء مراكز الأرشفة والسينماتيك والقاعات وإصدار قوانين دعم الثقافة السينمائية وضمان إنتاج مستمر وتأمين حياة الفنانين.. الخ

* ما هو تقييمكم لمهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف الذي شاركتم في دورته السابعة عشر؟

** مهرجان الرباط مهرجان ثقافي بحق، تمتعنا فيه بمشاهدة الأفلام المشاركة وتمكننا من معرفة مستوى الفيلم العربي في حاضره. إنه بشكل عام قيمة ثقافية لا يمكن الإقلال من أهميتها.

عاش للسينما

* سبق لكم أن كنتم عضوا أو رئيسا في لجان تحكيم بمهرجانات عربية ودولية، كيف تقيمون أفلام مسابقة الدورة 17 لمهرجان الرباط من حيث قيمتها الفنية والفكرية وارتباطها خصوصا بسينما المؤلف؟

** هذا أيضا سؤال في غاية الأهمية. ترأست ثلاث مرات لجان التحكيم: مرة بأكاديمية السينما في العراق ومرة في مهرجان السينما الكردية ببريطانيا ومرة في مهرجان قليبية بتونس. أما العضوية فكانت في عدة لجان تحكيم بمهرجانات موسكو وروتردام وغيرهما. عند ترأسي للجان التحكيم كنت أعتبر نفسي رئيسا عادلا وذلك لأنني كنت ألح على مشاهدة الأفلام أولا مع الجمهور.

من فيلم “بغداد خارج بغداد”

في مهرجان الرباط حاولت اللجنة ذلك في الأيام الأولى وبعد ذلك حصلت ارتباكات فقرر أعضاء لجنة التحكيم مشاهدة الأفلام لوحدهم في صالة أو عبر وسيط آخر لا أعرف. المشاهدة عندي ينبغي أن تكون مع الجمهور وفي قاعة مظلمة للوقوف على ردود أفعاله، فطقوس المشاهدة الجماعية داخل قاعة السينما لها معنى آخر. أما أن نشاهد الأفلام على شاشة التلفزيون بواسطة الدي في دي  فهذا يقلل من قيمة الفيلم الحقيقية ويظلم مخرجه. أنا لا أعول على هذه الطريقة من التحكيم وعندما أشعر بأن لجنة التحكيم بدأت تسلك هذا المسلك أتيقن بأن المهرجان ارتبك وبالتالي لن تكون النتائج عادلة. في الغرب تشتغل لجان التحكيم بجدية، وهناك عدالة ومناقشة مستفيضة للأفلام المشاركة.

* قصدت بسؤالي تقييمكم للأفلام التي شاهدتموها داخل القاعة السينمائية؟

 ** أنا لست عضوا في لجنة التحكيم، ولكن كصديق أو سينمائي عاشق أتمنى من أصدقائي السينمائيين العرب أن يكون إنتاجهم للأفلام نابع بالفعل من الرغبة في الكشف الحقيقي عن الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي في منطقتهم ، كل واحد في بلده. وعموما أعتبر أن تعبير “السينما العربية” هو تعبير مجازي وليس حقيقي لأن السينما المغربية لا علاقة لها بالسينما السورية وهذه الأخيرة لا علاقة لها بالسينما الموريتانية وهكذا. كل بلد له سينما ذات إيقاع خاص وذات وسائل إنتاج خاصة وذات ظروف خاصة تختلف عن بقية البلدان. ما يجمع الأفلام العربية هو اللهجة فقط.من بين الأفلام العربية المشاركة  أعجبتني أفلام تدل على أن وراءها مواهب جديدة لكنني لمست فيها تأثرات بأساليب مخرجين ينتمون إلى حقب زمنية انتهت (ألان رينيهو بيرجمان نموذجان). فلا يعقل أن نستنسخ هذه الأساليب ونطبقها على واقع سوري أو كويتي مخالف تماما للواقع الفرنسي أو السويدي. أساليب المخرجين الكبار ينبغي التعلم منها شريطة أن يكون للمخرج أسلوبه الخاص وهويته الخاصة فكريا وفنيا وجماليا.

* أصدرتم بعض الكتب ومجلة سينمائية وأعمال أدبية، هل هذه الإصدارات شكلت لكم بديلا في فترات توقفكم عن إنتاج الأفلام؟

** هناك شيء من هذا القبيل، لكن الكتابة هي أولا رغبة ذاتية مثل السينما،ففي الوقت الذي يستعصي علي فيه إيجاد تمويل لإنجاز فيلم أكتب رواية. فأنا كاتب قصة سينمائية بالأساس وكاتب قصة قصيرة، أحب الأدب ولي كتب حول السينما.

*ما هو حاليا واقع السينما العربية البديلة التي أنتم أحد مؤسسي تيارها؟ 

** كان حلما ثم استيقظنا فوجدنا أنه مجرد حلم لا يمكن تحقيقه.

قاسم حول أثناء العمل


Visited 52 times, 1 visit(s) today