المخرجة العراقية إيمان فارس: الموت أهون من التنازل عن الحلم!

Print Friendly, PDF & Email

أجرى الحوار: محمد جمال الروح

إيمان فارس مخرجة عراقية وفنانة تشكيلية شابة جمعت بين التمثيل والإخراج وتدريس الفن في جامعة القادسية، بدأت حياتها الفنية كممثلة في الفيلم القصير “نيجتف” ثم قامت بإخراج عدة أفلام قصيرة نالت عنها الكثير من الجوائز مثل أفلام “قصتي”، “باليت”، “قداس”، “كتالوج و”ملاك”، نحاول في هذا الحوار الاقتراب من ذهن مخرجة تمثل جيل الشباب لنعرف طموح هذا الجيل وأحلامه، همومه وشواغله ورؤيته نحو سينما مختلفة.

كيف بدأ الشغف بعالم السينما السحري؟

حقيقة بدأ شغفي وولعي بالسينما منذ الصغر، وتأكد هذا أكثر عندما بدأت دراسة الفنون التشكيلية التي كانت مدخلاً قوياً لعالم السينما والاقتراب من كل الفنون التي تتداخل في صناعته، وأنت تعرف طبعا كم يرتبط فن السينما بالفنون التشكيلية، والكادر السينمائي ما هو في الأساس إلا لوحة تشكيلية كما يقول المصور السينمائي لي جارس. رامبرانت هو فناني المفضل وقد تأثرت كثيرا بأسلوب الإضاءة في لوحاته. هذه العلاقة الوطيدة دفعتني لتأليف كتابي الأول “لغة التصوير ولغة السينما” كما اخترت هذا الموضوع لرسالة الماجستير من جامعة الإسكندرية. واقتربت أكثر بشكل عملي عندما وقع علي الاختيار لبطولة الفيلم الجريء “نجتف” إخراج فراس الشاروط. هنا كانت البداية الفعلية ليتحول الشغف إلى عمل ملموس، وتطورت علاقتي بهذا الفن البديع، ثم تجرأت أكثر وأخرجت فيلمي الأول عام 2017..

في فيلمك الوثائقي “قصتي” قدمتِ رؤية فنية لذاتك.. كونك فتاة خرجت من جنوب العراق المحافظ إلى عالم السينما، كيف تخطيتِ تلك الحواجز الاجتماعية، وكيف كانت الصعوبات؟

قبل عام تحديدا عند تكريمي من قبل محافظتي على مسيرتي الفنية ، أدركت أن رسالة الفن أقوى من كل الصعوبات، هنا عرفت ثمرة ما عملت، في السنوات السابقة عملت باسم مستعار خوفاً من الصدام الاجتماعي، لكن الإصرار على تحقيق الحلم وكسر حاجز الخوف كانا أكبر دافع للنجاح. أحيانا أفكر أن الموت أفضل للفتاة في ظل المجتمعات المحافظة على عدم تحقيق ما تصبو إليه. عملت بحب وبقوة، فإن كنت تعشق السينما يتعين عليك أن تضحي وتناضل وتجتهد. بالنسبة لي كفتاة، ما عانيته كان صعباً ولكن الأجمل كان يأتي مع كل خطوة لكسر حاجز حينما ترى ثمرة ما تنجزه وتراه يحظى بالتقدير والثناء. كان فيلم “قصتي” رسالة لكل فتاة، وكنت أقول فيه “ابقي وراء حلمك مهما كانت الظروف، ولا تيأسي”، ربما جزء من قصتي هو قصة كل فتاة تحلم، وتسعى جاهدة لتحقيق حلمها رغم كل الصعاب.

في فيلم كتالوج قدمتِ قصة حب مرهفة أجهضتها الطائفية.. هل أثر الواقع العراقي المأزوم على اختياراتك لمواضيع الأفلام؟

أنا اركض وراء الواقع، كما يقال، فالحكايات موجودة على الأرصفة، وأنا أبحث دائما عن الحكايات الغريبة، عن العالم الذي أسكنه، فيلم “كاتالوج” كان حكاية حقيقية حدثت لإنسانة أعرفها، استفزتني القصة، هو من ديانة وهي من ديانة أخرى، جمعهما كل شيء، من حب السينما إلى حب الحياة وفرقتهما الرؤية الدينية، إن لم تكن عندهما، فعلى الأقل عند أهلهما. في هذا الفيلم سعيت إلى التجريب كي تصل الصورة بشفافية رغم قسوتها، نعم الواقع يفرض أشياء كثيرة علينا ولكن يجب أن نختار ما يلائم رؤيتنا في تجسيد الحكايات. مهمتنا ليست تقديم الحلول بقدر عرض الحالة، المجتمع قاس في معظم الأحيان، من هنا نقدم تنازلاتنا حفاظا على ما نملك كي تمضي الحياة في سلام.

أخر أفلامك كان فيلم “ملاك” وهو فيلم تحريك، كيف كانت التجربة؟

“ملاك” من أمتع وأجمل التجارب في حياتي وأقربها إلى نفسي، هي أيضا حكاية حقيقية حدثت لإحدى العائلات العراقية، ويحكى عن خطورة مخلفات الحرب على أطفال العراق، كون هذه التجربة قريبة جدأ من تخصصي الأصلي (الفن التشكيلي)، ومن هنا الفيلم كان الفيلم يجمع بين فنين: السينما والتشكيل. لكن الصعوبة تمثلت في تنفيذ “الانيميشن” في العراق فهذه الصناعة ليست متطورة كثيرا لدينا، أتعبتني التجربة لكن بلذة، وجعلتني أفكر كثيراً في أن أختار لدراستي لنيل الدكتوراه، صناعة أفلام التحريك (الانيميشن) ودورها الفعلي في المجتمع كونها تجمع الكبار والصغار في تلقي المتعة والفائدة.

ما موضوع فيلمك القادم؟ وهل سيبتعد عن الطرح النسوي لأزمات الواقع؟

فيلمي القادم عن بغداد كحلم، كمدينة ذاكرة من عيني مصور فوتوغرافي. ليس المهم أن أبتعد عن القضايا التي تؤرق الأنثي وهمومها الأزلية بقدر ما أن تحمل الحكاية من ألم الشخصية ومعاناتها سواء كانت فتاة أو رجل. أفكر جديا في مشروع فيلم وثائقي ضخم يوثق حكايات كل من روى بدمائه أرض العراق. فقد فقدنا الكثير من الشهداء على مر تاريخنا الطويل، لكل منهم حكاية وحلم ذهب مع الروح. إنه مشروع مرهق بالتأكيد، لكنهم يستحقون أن نتبنى أحلامهم التي حلموها يوما.

كيف ترين المشهد السينمائي فى العراق الان؟ وهل جيلكم قادر على إعادة الحياة إلى السينما العراقية؟

صحيح أن العجلة تسير رغم بطئها لكن كلي أمل في جيل شبابي واع ومثقف، يعمل بصدق كي تعود واجهة البلد ثقافيا وسينمائيا. جيلنا قادر حقيقة على أن يعيد تشكيل خريطة السينما العراقية على الساحة العربية والعالمية. حلمنا جميعا أن نقفز إلى مساحة أوسع وتفتح لنا نوافذ أكبر على صعيد الانتاج كي نقتحم هذه المرة الفيلم الطويل بعد تجارب الفيلم القصير العديدة.

هل تحلمين بتقديم فيلم روائي طويل؟ وما ملامح اتجاهه الفني؟

نعم، هو حلمي الأكبر الآن، الاتجاه سيكون حسب رؤيتي للسيناريو الذي بصدد انجازه، لا أخفيك سرا بالتأكيد سأذهب إلى جغرافيا أوجاع الأنثى كون آلامنا وأحلامنا وآمالنا مشتركة في ظل عالم قاس، اجتماعياً وسياسياً. كل واحدة منا، أم أو أخت أو زوجة أو حبيبة أو ابنة، حملت آلام دهر، ومهما قاومنا وناضلنا سنشعر أن الدهر حملنا أكثر مما ينبغي، نعم سأذهب الى نساء نسجن أحلامهن على خارطة الروح.

Visited 1 times, 1 visit(s) today