“الرجل الصاروخ” إلتون جون.. أن تسعى لتكون محبوبا

لدى “ريجي” شعور بالحزن العميق ورغبة في الحصول على قلب يحبه من أعماقه، فلم يجد الحب الذي يحتاجه ويلائمه ولا حتى من قنواته الطبيعية، الأم والأب، هذا الريجي نظم الأغاني وسطر الألحان وتغنى بأغانيه التي اشتهر بها تحت اسم “إلتون جون” هذا المغنى البريطاني الشهير خلال حقبة السبعينيات وما تلاها من عمر موسيقى البوب.

قدمت السينما العديد من الافلام في حقل السيرة الذاتية، الذي أصبح تصنيفا هاما ومنتظرا من قبل الجمهور، سيما إن كانت الشخصية تحظى بحضور وتأثير وقوة، وتعتبر الموسيقى من وسائل التواصل العابرة للحدود واللغات والمفاهيم، فيلم “الرجل الصاروخ” Rocketman يقدم خلال ساعتين سيرة ذاتية لموسيقى البريطاني الشهير “إلتون جون”، الذي عانى في حياته، جراء شعوره بالوحدة والظلم من قبل المقربين منه، وسعى لإثبات ذاته وتوضيحها من خلال الموسيقى وعالم الملابس الملفتة والنظارات ذات المظهر الصاخب، حتى التقى بلحظة تنوير نادرة ما تحصل مع الأفراد، وغيرت مسار حياته وجعلت منه شخصا جديدا ينتعش بالحياة والحيوية.

تعتبر أغاني “إلتون جون” نافذة موسيقية معبرة عن الإنسان ومشاعره من خلال ألحان وكلمات بسيطة لكنها تزامنت مع المشاعر الإنسانية، وهو ما جعله نجما في سبعينيات القرن المنصرم، مع هذا فجودة الفيلم لا ترتهن فقط بأغانياته المنتقاة كمحرك ومفسر للأحداث، فطريقة معالجة قصته الذاتية والسيناريو المكتوب من قبل “لي هول” “Lee Hall” الذي كنت سيناريوهات بناء على قصص أو مأخوذة من قصص أدبية، في الحقيقة الفيلم في ذاته ملفت حتى لو نسيت أنه عن شخصية “إلتون جون” الحقيقية وكاشف لخفايا شخصيته.

قدم دكستر فليتشرأحد منتجي التنفيذ بفيلم “الملحمة البوهيمية”Bohemian Rhapsody فيلما ذا طبيعة سحرية، حيث وضع شخصية “إلتون جون” تحت مجهر المشاهدة واستعرض أبرز محطات حياته وطرحها من خلال أغنياته المتنوعة، وجعل الفيلم عن الشقاء والتعاسة في رحلة إلتون لبحثه عن حب واحتواء، فريجي إلتون لاحقا، افتقد الحضور الأبوي بحياته واحتواء عائلته له رغم أنه الطفل الوحيد لهم، ولم يجد سوى جدته التي كانت تدعمه بقوة وعزم.

التون جون الحقيقي مع الممثل الذي قام بدوره في الفيلم

أوضح الفيلم سعي إلتون للفت الانتباه من خلال الملابس والنظارات التي اشتهر بها، هذه المظاهر الخارجية لم تك مجرد سبيل لتغيير المظهر أمام الجمهور وإنما اخفاء لللضعف الذي يحويه، كذلك سبيل يسعى من خلاله لاكتساب حب أكبر من الجماهير التي غمرت بحب وافر لكنه لم يكن ما يريده إلتون.

السرد والدراما

تتشابه خيوط فيلمي “الرجل الصاروخ” و”الملحمة البوهيمية”في أغلب مسار الفيلمين، لكن نشهد تفوق لفيلم “الرجل الصاروخ” في خلق عالم موازٍ للحدث، فمن خلال تقنية الفلاش باك المتقطع، يسرد إلتون نفسه قصته أو ما انتقاه من قصته حتى يوضح السبب الذي جعله مدمنا على الكحول والكوكايين والمخدرات بأنواعها وأن يكون شبقا جنسيا.

يعود تفوق هذا الفيلم على نظيره الذي تناول قصة حياة المغني الشهير فريدي ميركوري Freddie Mercury، في ذكاء سرد القصة وتوضيح الوجه الخفي من إلتون والذي يسعى إل تغيره وأن يصبح شخصيا جديدا متصالحا مع نفسه وقادرة على مواجهة الحياة، من خلال محاكمة افتراضية لكل من مر بحياته، سبق هذا القرار العظيم مشاهد ذات تموجات متباينة ما بين الصعود والهبوط خلت في أغلب الأحيان من التقليدية التي شابت فيلم” الملحمة البوهيمية”.

 أبرز ما ميز الفيلم النقلات وتوظيف حيل التصوير لخدمة المعنى الدرامي المرجو، كما اعتمد “ديكيستر فليتشر في أغلب المشاهد ذات التأثير النفسي على الصمت والملاحظة من خلال لقطات قريبة أو بعيدة تعكس مشاعر إلتون، بداية من خيبة أمله من والده ووالدته مرورا بخيبة في صديقه الذي أحبه لكنه لم يبادله الحب وصولا إلى وكيل أعماله الذي استغله ولم يعطه الحب الذي أراد.

مرت الساعتين، عمر فيلم “الرجل الصاروخ” بخفة شديدة فالتكثيف الذي اعتمده ديسكر فليتشر في سرد القصة جعلها مرتكزة على متابعة مسيرة إلتون من خلال عينيه هو ذاته، كما أن مونتاج كريس ديكينز مونتير عدد من التحف السينمائية كـ “البؤساء”Les Misérables و”المليونير المتشرد”Slumdog Millionair    قدم نقلات سينمائية مدروسة وأوضح من خلالها التأثيرات الدرامية والمتغيرات النفسية التي يمر بها إلتون في لحظات الفيلم، وتوافقت كاميرا جورج ريشموند مع فكر ديكينز فقدما صورة سينمائية خاصة لـ “الرجل الصاروخ”.

جماليات خفية

عنصر التمثيل بالفيلم كان وافيا وملائما للشخصيات حتى وإن كان التركيز على شخصية إلتون التي جسدها تارون إيجراتون، لفت تارون الأنظار من خلال عدد من الأعمال أبرزها سلسلة “كينغيزمان”  Kingsm كما برع في الأداء الصوتي لشخصية جوني بفيلم “غناء” Sing، ويعتبر اختيار موقف لأداء شخصية إلتون، لم يعتمد تارون على الشبه الشكلي الذي يجمعه مع إلتون بل قدم تمثيل وغناء وإحساس وكشف خفايا شخصية إلتون، سيما في المشاهد الصامتة التي اعتمدت على الأداء التمثيلي دون الحديث.

برع السيناريو في جعل المشاهد يقرأ حياة إلتون من خلال حالة الفقد التي عاشها في بداية حياته، ما جعل الأم والأب حاضرين في اغلب مشاهد الفيلم حتى وإن لم يك لهم حضور فعلي، كما نجح بسلاسة في خلق تعاطف وفهم لشخصية إلتون، وأظن أن “إلتون” نفسه حينما شاهد الفيلم لم يشعر بخجل من نفسه على الاطلاق، قدم الفيلم صورة لشخصية عبرت المحن وأقبلت على الحياة من جديد رغم ما مرت به من تجاهل وجفاء.

نلاحظ طوال مشاهدة الفيلم بساطة المشاهد وغنى القصة، رغم قلة ميزانيته عن فيلم “الملحمة البوهيمية” بنحو ما يزيد عن 10 ملايين دولار لكنه يفوقه في حالة الدفء والتعاطف التي يخلقها تجاه شخصية إلتون جون، سيما من خلال مشاهد توضح حالة الاضطراب التي يعيشها إلتون واشتياقه للجنس كسبيل حسي لتعويض ما فقده من حب معنوي.

Visited 56 times, 1 visit(s) today