“الحياة”: السينما التونسية.. مراحل الازدهار ولحظات التراجع
أحمد الزين يكتب في “الحياة” (25 نوفمبر) من الرياض عن كتاب للناقد التونسي الهادي خليل بعنوان “مدونة السينما التونسية” يقول “لا يكتفي الهادي خليل، الناقد والأكاديمي التونسي الذي يدرس في جامعة الملك سعودفي الرياض، بتحليل الأفلام السينمائية، في كتابه “من مدونة السينما التونسية: رؤى وتحاليل” (المركز الوطني للترجمة) تحليلاً مشوقاً، من دون تعقيد أو إدخال القارئ في متاهة النقد الفيلمي، إنما أيضاً يفسح مجالاً للنقاش حول قضايا السينما في تونس والتحديات التي تواجهها.
إضافة إلى ما يقدمه من إطلالة بانورامية على هذه السينما، مع إشارة إلى ما أضحت السينما المغاربية، في شكل عام، تمثله من تأثير في السينما العربية، لناحية دفعها إلى التفكير في طرق قصّها لمواضيعها، بفضل تلك الجرأة التييتحلى بها بعض السينمائيين في دول المغرب، وإصرارهم على إنجاز أعمال خارج المسالك المعبدة والأساليب المستقرة… إذاً، يجمع الكتاب بين متعة اكتشاف ما يضمره الفيلممن مضامين ورؤى، متوقفاً عند أداء الممثلين وحركتهم وتعابير أجسادهم، في ما يشبه تحريض القارئ أحياناً، على البحث عن هذه الأفلام ومشاهدتها، من ناحية، وبين طرح أبرز الإشكاليات التي يعانيها السينمائيون التونسيون من ناحية أخرى.
يبدو الهادي خليل متماهياً مع موضوعه ومستمتعاً أيضاً، لذلك لا نستغرب حين يعترف بأن السينما منحته هويته الحقيقية وأعطت معنى لحياته، “وهي التي مكنتني من امتلاك زمنية خاصة بي”.
ينقسم الكتاب، الذي صدر للمرة الأولى باللغة الفرنسية في عام 2006، ثم عاد المؤلف لينقله إلى العربية أخيراً، إلى أربعة أقسام: الستينات والسبعينات، فترة التأسيس: الرهانات والتحديات. الثمانينات والتسعينات: سينما المؤلف. قضايا وأعلام وإشكاليات. وأخيراً رجع الصدى: الالتزام المغاير.
شاهد المؤلف معظم أفلام التونسية بكل أصنافها، الطويلة والقصيرة، المحترفة وسواها، لذلك فكتابه يتضمن تحليلات للأفلام التونسية، انطلاقاً من سنة 1967، تاريخعرض أول شريط تونسي طويل وعنوانه “الفجر” لعمار الخليفي، واختتاماً بأعمال الجيلاني السعدي، الذي يعد حالياً من أبرز الوجوه السينمائية التونسية الصاعدة.
ويحرص الهادي خليل على وضع السينما التونسية في سياقها السياسي والتاريخي الدقيق، إذ يصعب، في رأيه، فهم أهم التوجهات التي طبعت أول الأفلام التونسية “إذا تناسينا الدور البارز للحبيب بورقيبة، الرئيس السابق الذي حكم البلاد على امتداد ثلاثة عقود من 1957 إلى 1987 في بلورة السياسة السمعية والبصرية في البلاد والتحكمفي دواليبها وهياكلها”. فالتحولات والتقاطعات والتباينات التي عرفتها السينما التونسية، وفقاً للكتاب، تحددت في مجملها على ضوء شخصية “المجاهد الأكبر” ووفق وتيرة المد والجزر بين المعجبين بها والمناوئين لها.
يحرص خليل على تحليل الأفلام وتقصّيها، فمرة يجنح نحو الإلمام بالمؤلفين والتيمات والأغراض، ومرة أخرى بالقضايا والرهانات والإشكاليات، إذ يطمح كتابه إلى هدف واحد، “أن يكون أداة فاعلة، يمنح سواء للمتفرج العادي أو للباحث المختص الفرصة لمشاهدة الأفلام، ورصد أهم تحولات السينما التونسية الحاسمة”.
يؤكد المؤلف أن ليس من المبالغة الجزم بأن أفضل ما أنتجته السينما التونسية، جاء من وسط الهواة الذين تحدوهم عقلية فطرية تلقائية صادقة، متوقفاً عند عمار الخليفي الذي يعد جزءاً من باكورة السينما التونسية الهاوية، “وهو واحد من مؤسسيها وروادها الذي ظل متمسكاً بوضع السينمائي الهاوي هذا، حتى بعد أن أخرج أشرطته الطويلة الأولى بوصفه محترفاً”.