الاستغلال الجنسي للأطفال في فيلم “صوت الحرية”

بعد عقود من محاربة العبودية لاتزال تجارة البشر أعلى ثاني تجارة ناجحة عالمياً تدر مليارات الدولارات على أصحابها.

لا يمكن للانطباع الأولي تجاه فيلم “صوت الحرية – Sound of freedom” إلا أن يكون صادماً لوجود ممارسات واقعية حقيقية في هذا العالم بشكل كبير التي تمثلت محور الفيلم ألا وهي الاتجار بالأطفال!

ينتمي “صوت الحرية” إلى النظرية الواقعية ففي جوانبه الروائية عناصر وثائقية، وأحداثه اقتبست من قصة حقيقية، فالفيلم يحكي عن القصة الحقيقية (سيرة ذاتية) للعميل الأمريكي الحكومي تيم بالارد، الذي يخاطر بحياته لإنقاذ مئات الأطفال من الاتجار بالجنس.

إن تحريف القصة الحقيقية في فيلم روائي هو أمر شائع ما لم يخل بمتن الحكاية، لم يلتزم الفيلم بتصوير القصة الحقيقية بكل أحداثها فكان موجوداً بعض الاختلافات عن الواقع، بالرغم من ذلك أضفت أصالة فرضية الفيلم جاذبية وحققت غايتها، فالهدف تعزيز الدراما والتركيز على جوهرة الفيلم بتصوير صراع تجربة مؤلمة واقعية تتمثل في تسليط الضوء على جريمة الاتجار بالبشر وإنقاذ أكبر عدد أطفال ممكن من العبودية.

على الرغم من اتباع الفيلم البناء الأرسطي الكلاسيكي، إلا أن بنائيته لم تكن موفقة في إثارة التشويق فقد توقعنا أن تسير الأحداث بطريقة معينة، وهذا ما حدث بالفعل. الحبكة واضحة والصراع محدد، حيث يدور حول شخصية “تيم بالارد” الذي يكافح لإنقاذ الأطفال من الاتجار بالبشر.

مقدمة كلاسيكية قدمت لنا الشخصيات فعرفتنا على ملكة الجمال جيزيل التي جاءت لتقدم فرصة لتوقيع عقد يغير مصير حياة روبرتو وأطفاله روسيو وميغيل، يوافق روبرتو على مشاركة طفليه في اختبارات عرض الأزياء للأطفال. يعود بعد الاختبارات ليجدهما قد اختفيا، إذ تحولت تجربة الأداء إلى فاصل أساسي في حياته، حيث تم اختطاف طفليه ليصبحوا عبيداً للبيع إلى جانب مجموعة من الأطفال الآخرين.

تبدأ الأحداث الصاعدة عندما يداهم تيم وفريقه في وحدة تحقيقات الأمن الداخلي منزل أوشينسكي، رجل مشبوه ومنحرف في كاليفورنيا. يكتشفون غرفة مليئة بدمى أطفال محروقة ومجروحة، إشارة على ارتكابه جرائم جنسية ضد الأطفال، يتم اعتقاله ويسلم كريس زميل تيم العملية بعدم قدرته على مواصلة العمل بسبب صعوبة المشهد.

تتولد حاجة قوية في تيم لإنقاذ الأطفال عند مشاهدته مقاطع فيديو مؤلمة لاعتداءات جنسية على الأطفال. يستخدم تيم ذكاءه للاقتراب من الخاطف ويعتقل مشتري ميغيل، لكن التحدي يتجدد عند اكتشاف أن روسيو لا تزال مفقودة.

تتصاعد الأحداث حيث يساعد ميغيل في الكشف عن تفاصيل حول الخطف والتجارة. يسافر تيم للبحث عن روسيو، ولكن يواجه تحديات مالية وصراعات مع السلطات. يستقيل تيم ويستمر في جهوده مع دعم زوجته، ويبذل جهداً غير عادي لإنقاذ روسيو، ويخطط لعملية كبيرة تتضمن القبض على جيزيل وعصابتها ومن خلالها يتم إنقاذ 54 طفلاً، لكن روسيو لا تكون ضمن الأطفال المنقذين.

تتوالى الأحداث حيث يُكتشف مكان احتجاز روسيو، وتطرأ فكرة التنكر لإنقاذها من قيد العبودية، فيدخل تيم المنطقة بتنكر كطبيب، وبجهد كبير يتمكن من تحرير روسيو وإعادتها لعائلتها.

كون الفيلم ينتمي إلى النظرية الواقعية فإنه لم ينجح بتقديم الشخصيات بواقعية، قدمها بطابع سطحي كاريكاتيري، في الحياة الواقعية لا توجد شخصيات مثالية أو شريرة تماماً، فلكل منا الجانب الجيد والسيء. صور الفيلم الأبطال بالشخصيات المثالية النبيلة وجعلنا نتعاطف معها ونرغب في نجاحها، كشخصية تيم، تم تصويره بالبطل والأب المضحي الذي يكرس كل حياته لإنقاذ الأطفال ويستقيل من وظيفته لتحقيق ذلك.

على عكس الشخصيات الشريرة التي صورت لنا بالسيئة والقاسية وكنا نرغب في هزيمتها ولم نتعاطف معها نهائياً، فلم يتم توضيح لماذا هذه الشخصية تقوم بالعمل الشنيع أو تبريرها بماضٍ سيء في طفولتها، فاكتفى برسمها بالشريرة.

هذا التقسيم الكاريكاتيري الواضح جعل الشخصيات في الفيلم تبدو مسطحة وبسيطة فكانت تفتقر للعمق، وجعل القصة أقل واقعية ومصداقية، وقلل من قوة الفيلم من ناحية تطور الشخصيات بمرور الزمن.

بالرغم من كل ذلك وكل ما سبق نجح الفيلم في تقديم الدراما الإنسانية التي عملت على التأثير وإثارة المشاعر، فأسلوب السرد غمر المشاهد بموجة من العاطفة في مواجهة الجانب المظلم في العالم، فاعتمد على مجموعة من المشاهد التي توحي بالتعاطف والغضب والخوف وصولاً إلى الذعر مستثمراً هذه المشاعر في محنة الضحايا والسعي لتحقيق العدالة.

فتحقيق العدالة والحرية من حق الجميع، وفلسفة الحريات تمثل أحد أعظم المبادئ التي يسعى الإنسان لتحقيقها على مر العصور، وفي قلب هذه الفلسفة يكمن احترام حقوق الإنسان وتكريس مفهوم الحرية والكرامة للجميع، حيث يمثل هذا المفهوم توازناً بين حماية حرية الفرد والحفاظ على سلامته وكرامته وعدم استغلاله أو التعدي عليه وعلى حقوقه الأساسية.

ومع ذلك يظهر واقع مؤلم يتعارض مع هذه المبادئ، وهو “الاتجار بالبشر” وتعرفه الأمم المتحدة بـ “تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة القوة أو الاختطاف أو الاحتيال أو بهدف استغلالهم من أجل الربح المالي.” ويشمل الاستغلال على الأقل استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، وهذه الجريمة التي أنتج الفيلم من أجلها، وسعى إلى تحرير الأطفال من العبودية.

لا ينبغي للسينما أن تروي المعاناة من أجل المعاناة فقط، يجب أن تكون لديها هدف أو رسالة أعمق من مجرد عرض المعاناة بدون غاية واضحة أو رؤية فنية.

أغفل الفيلم عن أهمية تسليط الضوء على المعاناة أو الصعوبات التي تواجهها الشخصيات في الفيلم ذات طابع فني أو قيمة أخلاقية أو اجتماعية، بدلاً من مجرد استخدام المعاناة كوسيلة لتوليد التشويق أو الدراما، فيفترض أن تكون لديها معنى أعمق بمضمون فني أو رسالة تحمل قيمة فنية أو ثقافية، لتكون أكثر من مجرد تجربة سطحية للمشاهد.

ينتمي الفيلم إلى السينما الاسترالية المستقلة ذات الإنتاج البسيط، التي تعتمد بشكل أساسي على مبادرة مجموعة من الأشخاص لإنتاج فيلم موجه برسالة معينة وتسليط الضوء لدعم قضايا محلية أو عالمية، مما يمنح المخرجين حرية أكبر في التعبير الفني، رغم التحديات في التمويل والتوزيع في هذا النوع حاول الفيلم أن يقلد الأفلام الجيدة بطريقة حسنة، حيث نجح الفيلم فنياً بتوظيف العناصر السينمائية فاعتمد على تصوير سينمائي قوي وتقنيات تصوير مبتكرة من خلال مجموعة من اللقطات والزوايا والإضاءة لتكثيف التأثير العاطفي للسرد، ويُظهر الفيلم جماليات في مواقع التصوير التي صورت في الأماكن الحقيقية التي أضفت على واقعية الفيلم. وأيضاً حقق الفيلم نجاحاً تجارياً وتحقيق إيرادات عالية تقدر بملايين الدولارات.Top of Form

Visited 5 times, 1 visit(s) today