افتتاح مهرجان الإسماعيلية للأفلام”: اختلاط السينمائي بالسياسي!

Print Friendly, PDF & Email

كتب الناقد السينمائي اللبناني نديم جرجورة هذا المقال لصحيفة السفير، بتاريخ 5 يونيو في معرض رصد ملاحظاته عن افتتاح الدورة الجديدة من مهرجان الاسماعيلية اللافلام التسجيلية والقصيرة المقام حاليا وفيه يركز على طغيان الجانب السياسي على الحفل..

هنا نصر المقال الذي حافظنا على عنوانه الأصلي.

اختلط السياسيّ بالسينمائيّ في افتتاح الدورة الـ17 لـ«مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة» مساء الثلاثاء 4 حزيران 2014. الإعلان الرسميّ بفوز المُشير عبد الفتاح السيسي برئاسة «جمهورية مصر العربية» لـ4 أعوام طغى على كل شيء سينمائي وآخر. داخل “قصر الثقافة”، القريب جداً من مركز محافظة الإسماعيلية، تردّد اسم المُشير في كلمات الافتتاح مرّات عديدة. في كل مرّة، كان التصفيق يعلو بشدّة. مركز المحافظة مسوّر بآليات عسكرية. رجال الأمن المدنيون منتشرون هنا وهناك. الرغبة في تأمين حماية أمنية للمسؤولين لا تقلّ حيوية عن الرغبة في تأمين الحماية المطلوبة لضيوف المهرجان أيضاً. فندق مركور جزيرة الفرسان في الإسماعيلية هو أيضاً محاصرٌ بتشديد أمني معهود على أبواب الفنادق كلّها في مدن مصرية عديدة منذ أعوام مديدة.

اختلط السياسيّ بالسينمائيّ. كان يُفترض بالإعلان الرسميّ أن يُذاع اليوم الخميس. هكذا قيل. لكنه تزامن وافتتاح دورة جديدة من مهرجان مُصرّ على الاهتمام بنوعين سينمائيين “لا يزالان يواجهان صعوبات كثيرة في التمويل والتوزيع”، كما قال مدير المهرجان المنتج محمد حفظي. نوعان منتشران في المشهد السينمائي الدولي والعربي، لكنهما مُصابان بانقطاع علاقة مطلوبة بينهما وبين مُشاهدين محتملين خارج إطاري المهرجانات والتظاهرات والمناسبات السينمائية، والشاشات التلفزيونية الأجنبية غالباً. نوعان بدا واضحاً أن مهرجان الإسماعيلية يسعى إلى تفعيل حضورهما محلياً على الأقلّ، على الرغم من أن علاقة الإسماعيلية بالسينما، وفقاً لدورات سابقة للمهرجان نفسه، لا تزال مرتبكة وضعيفة.

لم يكن السياسيّ وحده سمة حفلة الافتتاح، التي حضرها محافظ الإسماعيلية محمد القصّاص ووزير الثقافة صابر عرب وحشد من الرسميين والضيوف والمعنيين بالفن السابع. الخلل والارتباك رافقا الحفلة، التي افتقدت أي إبهار بصريّ، واكتفت بكلمات رسمية متشابهة ومُكرّرة عن السياسة، والمُشير، ومصر ومستقبلها، والإسماعيلية وتاريخها وحاضرها، من دون أن ينسى البعض القليل من الخطباء أن هناك احتفالاً بالسينما، بأنواعها المختلفة: الوثائقي والروائي القصير والمتحرّك.

غير أن هؤلاء جميعاً تغاضوا، بطريقة أو بأخرى، عن عدم منح السينمائيّ السوريّ محمد ملص تأشيرة دخول، بصفته رئيساً للجنة التحكيم الخاصّة بالأفلام الوثائقية، مع أن قليلين جداً توقّفوا عند هذه المسألة، من بينهم المخرج الشاب أمير رمسيس، الذي وجّه تحية إلى ملص في كلمته الملقاة كتقديم لعرض فيلمه الأخير “عن يهود مصر: نهاية رحلة” في حفلة الافتتاح نفسها.

ما قيل قبيل بدء الاحتفال في حلقات مغلقة لم يكن أكثر من سرد لما حصل: بعد نحو 10 أيام على زيارته القاهرة في إطار تكريميّ له ولسينماه، لم تسمح “سلطات أمنية سيادية” بمنح مخرج “المنام” (1987) و”فوق الرمل.. تحت الشمس” (1998) ـ اللذين اختيرا لعرضهما في الدورة الـ17 نفسها لمهرجان الإسماعيلية كتكريم لمخرجهما ـ تأشيرة دخول من دون معرفة السبب الحقيقي لهذا الرفض، على الرغم من تدخّل مسؤولين رسميين وسينمائيين يتبوؤون مراكز أساسية في مؤسّسات سينمائية رسمية.

ارتباك في تنظيم حفلة الافتتاح، وسياسة تفرض نفسها في ظلّ مناخ شعبي مصري قلق ومتوتر، على الرغم من مظاهر الفرح بانتخاب المُشير رئيساً، ومنع سينمائيّ سوريّ من “العودة” إلى مصر بعد مغادرته إياها بوقت قليل، أمورٌ ظلّلت مساء الثلاثاء 3 حزيران 2014، أي قبل يومين اثنين فقط على الذكرى الـ47 لـ”نكسة” حرب الأيام الستة، التي جعلت مدينة الإسماعيلية، ومدن قناة السويس كلّها (بور سعيد والسويس مثلاً) تعاني أقسى أنواع التمزّق والقلق والخراب والفراغ، قبل أن تستعيد حيويتها، وتحاول أن تتقدّم إلى الأمام، ولو بخطوات بطيئة جداً. دورة جديدة لمهرجان سينمائي يُقام سنوياً في الإسماعيلية، يبدو كأنها دعوة إلى المثابرة على معاينة جديد السينما الوثائقية والقصيرة والمتحرّكة، وعلى منح المدينة بعض نَفَس مغاير ليومياتها.

Visited 14 times, 1 visit(s) today