أفلام واعدة في مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير

Print Friendly, PDF & Email


اقيمت فعاليات الدورة الرابعة من مهرجان إسكندرية للمفيلم القصير في الفترة ما بين 18 إلي 24 إبريل على مسرح بيرم التونسي. وعرض المهرجان عددا غير قليل من الأفلام المبشرة لشباب عربي متمكن من لغته السينمائية وعدد آخر لم يحالفه التوفيق.

صد الفيلم الجزائري “عاهدتك” للمخرج محمد يرقي، جائزة أفضل فيلم روائي، اما الفيلم العراقي “سبية” للمخرج ضياء جودة فحصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم الروائي.

فيما يتعلق بالأفلام الوثائقية فلد حصل الفيلم الوثائقي “أبو العربي وصل” للمخرج أكرم البزاوي على جائزة أفضل فيلم وثائقي. بينما نال الفيلم المصري “المنفى” للمخرج مدحت ماجد جائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم الوثائقي.

وفيما يلي محاولة لتحليل بعض أفلام المهرجان:

“حبوب منع الحلم” للمخرج عصام الدوخو (المغرب)

يوجد العديد من الأفلام التي تناولت واقع العشوائيات والفقر المدقع في المجتمع، لكن القليل منها ابتعد عن المباشرة والخطاب الايديولوجي المباشر وتناولت الموضوع بلغة سينمائية ذات طابع شعري وبطريقة تجريدية تثير في المتلقي العديد من الأسئلة عقب مشاهدته للفيلم. ففي مصر مثلا عرض خالد يوسف مشكلة العشوائيات في فيلمه “حين ميسرة” بطريقة مباشرة أقرب إلي المقال السياسي على العكس من  داود عبد السيد في فيلمه “سارق الفرح” الذي تناول الموضوع بطريقة شعرية جعلت الفيلم يبقى في الذاكرة بعد مشاهدته

.

وفيلم “حبوب منع الحلم” للمخرج عصام الدوخو ينتمي للسينما الشاعرية، فتفاصيل الفقر المدقع التي صورتها الكاميرا لا تهدف إلي اثارة التقزز الفج في نفس المتلقي بقدر ما تثير التساؤلات عن من المسؤول عن كل هذا؟ وما الطريق الأمثل لمواجهة هذا المسؤول ومقاومته؟

نحن ندرك بداية من عنوان الفيلم “حبوب منع الحلم” أننا أمام حلم يتم إجهاضه، ومع بداية الفيلم ندرك أن الحلم متمثل في الاحتياجات البسيطة التي هي في الأساس اشياء بديهية وضرورية للمرء ولا يمكن بأي شكل من الأشكال اعتبارها أحلام إلا في واقع مهترئ يسوده الظلم. فنحن امام أسرة مكونة من ثلاثة أفراد (الأم – الأخ الأصغر- الأخ الأكبر) تأكل طعامها المكون من العدس المحتوي على العديد من الطوب الصغير بداخله والأم التي تعمل كخياطة تحتاج لنظارة لمواصلة العمل بعد أن نشاهد التشوش وضباب الرؤية عند قيامها بعملها نظرا لضعف نظرها.

إذا نحن أمام حلم حياة أدمية متمثل في نظارة للأم وطعام نظيف للأسرة، من المسؤول عن اجهاض هذا الحلم البسيط إذا؟

ندرك من خلال سيناريو “هشام الغفولي وعصام الدوغو” المتميز أن الشرطي كممثل للسلطة هو المسئول الأساسي عن اجهاض هذا الحلم. ففي بداية الفيلم فشل الأخ الأكبر وصديقه في توصيل قطعة صغيرة من المخدرات نتيجة مصادرتها من قبل الشرطي ويحدث ذلك أمام سمع وبصر اثنان من الملتحيين دون التدخل والاكتفاء بالمراقبة من بعيد.

من الممكن القول ان اختيار الاخ الاكبر لطريق غير مشروع هو السبب في اجهاض الحلم، لكن الفيلم يعرض لنا طريقا مشروعا لتحقيق الحلم دون تصادم مع السلطة بل الخضوع لها من خلال شخصية الاخ الاصغر الطفل الذي يعمل كماسح للأحذية والمهموم بضعف نظر أمه رغم صغر سنه وذلك في مشهد صامت شديد التميز وهو ينظر إلي محل لبيع النظارات بتأمل وتركز الكاميرا على رأس الطفل الحليق وكأن النظارة التي يريد شراءها من هذا المحل هو كل ما يشغل عقله الصغير ويستحوذ على كيانه. لكن سرعان ما يعود إلي واقعه عندما يخبط الشرطي على رأس الطفل فيقوم الطفل بتلميع حذاء الشرطي في استسلام و تنزل رماد السيجارة على رأس الطفل الحليق في مشهد معبر.

وعند انتهائه يعطي الشرطي الطفل قطعه صغيرة من النقود ويربت على رأسه في اشارة لرضائه عنه ثم يذهب الشرطي لمحل بيع النظارات. فهل رضاء الشرطي الذي هو في معنى من المعاني “السلطة” يمهد السبيل لتحقيق الحلم المشروع المتمثل في الحصول على نظارة للأم؟

نعرف الاجابة عندما يهرع الطفل إلي محل بيع النظارات لكن المرأة التي بداخل المحل تعلق يافطة مكتوب عليها “مغلق” بعد دخول الشرطي. وهذا يدفعنا للتساؤل هل الحلم صعب التحقيق سواء خضعنا للسلطة ام قررنا مواجهتها؟

يعطي الطفل الأموال التي جمعها طوال اليوم لأخيه الأكبر وكأن عقله الصغير غير قادر على ايجاد الحل الأمثل لتحقيق الحلم فنحن في النهاية امام طفل من غير المفترض ان يواجه هذه الاسئلة في سنه الصغير هذا. يأخذ الأخ الأكبر المال ويذهب وينظر الطفل إلي أطفال في مثل عمره يلعبون وكأنه اطمئن أن الاخ الاكبر هو القادر على التصرف بحكم سنه وخبرته في الحياة. لكن الأخ الأكبر يمضي في طريقه الراديكالي للنهاية ويقتل الشرطي ونسمع صوت آلة التنبيه في سيارة الشرطة.

ونشاهد في مشهد النهاية الأم جالسة امام ماكينة الخياط من دون نظارة وبجانبها الطفل يحاول ان يستخرج الحجارة الصغيرة من العدس، فالطفل الصغير السن عليه الآن ان يحضر نظارة للأم لتستطيع العمل ليأكلوا طعام آدمي لا يحتوي على زلط بداخله لكن أي السبل يختار الطفل ليحقق هذا الحلم طريق المواجهة مع السلطة ام الخضوع لها بعد فشل الطريقين؟

نحن امام فيلم قصير لكنه يترك اثرا كبيرا في نفس المشاهد، وامام مخرج متمكن من أدواته السينمائية استطاع بحوار قليل، وموسيقى متميزة بلورت ناعمة بلورت معنى الحلم، ان يعبر عن مجتمع فقير مقهور يسعى إلي الحصول على احتياجاته الاساسية بطريقة شاعرية مكثفة.

“لا جغرافي” للمخرج مصطفى هشام عطا الله (مصر)  

يحاول المخرج مصطفى هشام عطا لله في فيلمه التسجيلي تتبع مفهوم الهوية وهل هي مرتبطة بمكان معين ام بدين معين ؟ أم باللغة؟

وللإجابة على هذا السؤال يتتبع الفيلم حياة يوسف وهو شاب اسباني مصري يعيش في مصر، على الرغم من امكانية العيش في أوروبا التي هي حلم لمعظم المصريين، ولقد وفق المخرج في اختيار اسم الفيلم “لا جغرافي” فهو يعبر عن حالة التشتت التي يعانيها الشاب الذي يشعر بعدم الاندماج التام في إسبانيا ولا يشعر بها في مصر ايضا. ولقد وفق ايضا في إختيار الشاب يوسف كموضوع لفيلمه فيوسف بمثابة حالة فريدة في كل شئ بدءا من هويته المزدوجة ووظيفته هي

 Football freestyler التي يعتبرها المجتمع وظيفة غريبة.

لكن الفيلم لم ينجح في إستغلال هذه الشخصية الفريدة وجاء الفيلم أقرب إلي الإعلانات التحفيزية.

فالمخرج استخدم تقنية الصوت من خارج الصورة  voice overطوال مدة الفيلم (4 دقائق) مع مشاهد متتابعة للبطل تارة وهو يلعب بالكرة وتارة اخرى وهو يمشي في شوارع القاهرة.

والفيلم بشكل عام غير مشبع للمشاهد فالبطل يحدثنا مثلا عن عنصر الدين وهو على حد قوله منعدم في اسبانيا مع مشاهد مصاحبة له وهو يخرج من أحد الجوامع في مصر لكننا لا نفهم هل يتعرض البطل لبعض المظاهر العنصرية لكونه مسلم؟ لا يجيب الفيلم على ذلك فالمخرج غير مشغول بالاسئلة قدر انشغاله بالاجابات الجاهزة المعلبة لذلك بعد كلام البطل عن الدين يقول بعدها مباشرة ان الانتماء هو ما تؤمن انت به عقائديا سواء كنت مسلما أم مسيحيا وليس الانتماء للبقعة الجغرافية التي ولدت بها سواء كانت مصر او اسبانيا وهذا النوع من الاجابات صالح لأفلام الاطفال التي تغلب فيها النصيحة والارشاد.

ثم يحدثنا الفيلم عن شعور البطل بالاغتراب نتيجة لشكله المختلف ووظيفته لكنه لا يتعمق في كل ذلك فالفيلم غير معني بسبر أغوار البطل لذلك يركز على كلام البطل التحفيزي الذي يتلخص في أهمية خوض المغامرة من أجل أن تعمل ما تحب  وهو كلام جميل في حد ذاته لكن ذلك ليس وظيفة الأفلام!

الموسيقى اتسمت بالايقاع السريع في تناسق مع المشاهد المتتابعة لكنها تشبه ما نراه في الاعلانات التحفيزية.

الفيلم بشكل عام يمكن اعتباره عملا جيدا جدا إذا تم النظر له كاعلان تحفيزي او كمحاضرة من محاضرات التنمية البشرية لكنه لا يصلح لكونه فيلم فالفيلم لا يترك أثر في المشاهد ولايلهب الخيال بالأسئلة كعادة الأفلام الجيدة.

“ذاكرة السمكة” للمخرج يوسف صالحي (فلسطين)

فيلم ذاكرة السمكة للمخرج يوسف صالحي هو فيلم التصالح مع الخطأ البشري والتعامل بأريحية مع نواقص النفس البشرية.

الفيلم يبدأ بطفل صغير يخبرنا بمشكلته الأساسية وهي انه طفل دائم النسيان وذلك في مشهد شديد الدلالة فالطفل واقف أمام تفاح متعدد الألوان (أحمر وأصفر وأخضر) ويحاول تذكر ما طلبت والدته شرائه. والتفاح يحمل دلالات كثيرة في الميثولوجيا الدينية بشكل عام فهو سبب تحول الجنس البشري من المرحلة النورانية المكتملة إلي مرحلة البشر الخطائين. وفي فيلم ذاكرة السمكة اختار المخرج هذا المشهد التفاح بالوانه المبهجة ليذكر الطفل بمشكلته الرئيسية وعقدة الفيلم في ذات الوقت.

يحاول الطفل التعامل باستهانه مع مشكلته لكن أخته تمثل عقبة رئيسية فهي تسخر منه دائما وهذه السخرية تمثل أزمته الرئيسية فهو غير قادر على الرد عليها لانه لا يعرف نقطة ضعفها لنسيانه الدائم.

يخبرنا الطفل بعد ذلك بمكالمة جاءت لأمه غامضة تسمعها الأم ولاترد وكأنها قوة فوقية عليا فهذه المكالمة تجعل الأم تحضر لطفلها سمكة من يافا بدون ابداء اسباب.

هذه السمكة تغير من حياة الطفل ويتأثر بها بشده فهو يعطيها نفس اسمه سامي، ليس ذلك فحسب بل بعد وجود هذه السمكة يتعرف الطفل على نقطة ضعف أخته وهي نوع معين من الطعام إذا وضعه لها تسبب في حساسية شديدة لها واصابتها بالبثور. وكأن علاج نواقصنا البشرية ليس بالسعي إلي الكمال المستحيل بل بادراك اننا جميعا نواجه نفس النواقص البشرية وكل من يسخر من نواقصنا هو شخص مثلنا لديه نفس النواقص ولكنه يمتلك فقط القدرة على إخفائها.

وتموت السمكة بعد نسيان البطل لاخر مرة وضع الطعام لها وتصبح مثل الطيف الذي جاء فجأة ليؤدي رسالته ثم يرحل في هدوء.

يحزن الطفل على موتها وتتعاطف اخته معه ويجلسان متقابلان وتواسيه قائلة انه سينسى موتها عاجلا ام اجلا. هذا الحوار الشعري بين الطفلين يجعلنا نتساءل هل سنسى نحن أيضا رسالة السمكة وتصبح ذاكرتنا ضعيفة مثلها ونحمل طاقتنا فوق ما نستطيع؟

بالنسبة للفيلم ينسى الطفل نقطضعف أخته لكن ذلك لا يهم فتتبع نواقص الآخرين ليس الهدف بل الهدف هو ما أدركه الطفل انه ليس الاذكى والافضل بل هو فقط طفل ينسى.

لذلك ينتهي الفيلم في شكل دائري كما بدء فالطفل في السوبرماركت ينسى مشكلته الرئيسية.

ليضعنا أمام مواجهة ذواتنا في سؤال رئيسي: هل نستطيع أن نصبح مثل هذا الطفل ونتعامل بأريحية مع مشكلاتنا ونواقصنا.

Visited 51 times, 1 visit(s) today